واسط العراقية … بناها الحجاج وطواها الإهمال

واسط العراقية … بناها الحجاج وطواها الإهمال

تقع مدينة واسط جنوب شرقي بغداد، وهي خامس مدينة تمسكت بالإسلام في التاريخ الإسلامي. يُعرف المحليون بلقب “المنارة”، ووفقًا لابن بطوطة في القرن الثامن، وصفها بأنها “مدينة حسنة الأقطار، تزخر بالبساتين والأشجار، وسكانها يتميزون بالخير والاختيار”.

موقعها وتسميتها

توجد أطلال مدينة واسط حاليًا جنوب شرقي مدينة الكوت، وتبعد نحو 65 كيلومترًا عنها، وشمال شرقي مدينة الحي بحوالي 20 كيلومترًا في أراضي المنارة والسواويد. تم الإعلان عن طابعها الأثري في الجريدة الرسمية (الوقائع العراقية) في عام 1935.

اسم “واسط” يعود إلى موقعها الوسطي بين مدن البصرة والكوفة والمدائن والأحواز. وقد كانت تعرف سابقًا باسم “واسط القصب” بسبب زراعتها للقصب. هناك اعتقاد بأنها أخذت اسمها من قصر الحجاج الذي أقيم فيها، يتوسط المسافة بين الكوفة والبصرة.

بُنيت المدينة بتكليف من حكومة العراق لخمس سنوات، بتكلفة إجمالية تقدر بحوالي 43 مليون درهم. كانت تُعتبر موقعًا استراتيجيًا للإدارة والسيطرة، واستخدمت كمركز لحاكم واسط. رغم اختلاف وجهات نظر المؤرخين بخصوص تاريخ بنائها، إلا أنه يُرجح أنها بُنيت في أواخر حكم الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان بين عامي 702 و705 ميلادية. المسكوكات الفضية، مثل الدراهم، تُعتبر شاهدًا أساسيًا على تاريخ المدينة، حيث يحتفظ بها المتحف العراقي كشهادة تاريخية.

Gold coins found in an archaeological site in the Iraqi province of Wasit, south of Baghdad, are displayed on January 7, 2013. Iraqi archaeologists have discovered 66 gold coins in the south of the country that are at least 1,500 years old, officials said. The coins will be sent for laboratory tests before being put on display at the National Museum in Baghdad. AFP PHOTO / ALI AL-ALAK (Photo credit should read ALI AL-ALAK/AFP/Getty Images)

اهميتها التاريخية

واسط الأثرية تشكل إحدى المدن الإسلامية الرئيسية، حيث كانت محطة حاسمة في فتوحات الإسلام، نظرًا لموقعها الجغرافي الاستراتيجي بين مدن البصرة والكوفة في عصرها. تلعب المدينة دورًا بارزًا في تاريخ العراق، إذ أصبحت مركزًا حضريًا وسياسيًا مهمًا لفترة طويلة.

واسط، وقوفًا على ضفاف نهر دجلة، كانت تحتل موقعًا مركزيًا يربط بين الكوفة والبصرة والمدائن والأحواز، مما جعلها مركزًا تجاريًا رائدًا، فضلًا عن الأراضي الزراعية الخصبة المحيطة بها. كما كانت عاصمة للولاة الأمويين بشكل متقطع، حيث ازدهرت كمركز للزراعة وصك النقود.

مع تأسيس بغداد من قبل العباسيين، تراجعت أهمية واسط كمركز إداري، إلا أنها استمرت بالحفاظ على مكانتها التجارية. أنجبت المدينة العديد من رواد الحركة العلمية في العراق، ورغم تضاؤل أهميتها بعد إنشاء مدينة السلام، إلا أنها استمرت كمركز تجاري وإداري، حيث كانت تدير إدارة العراق والمشرق الإسلامي. واسط باتت معروفة في تلك المناطق، مما زاد من الثقة في تجارتها وأثرها الاستراتيجي في السياق السياسي والعسكري والاقتصادي.

آثار مطمورة

حملات التنقيب في مدينة واسط الأثرية في عام 1936 أسفرت عن اكتشاف مسجدين، مقبرة، ضريح، وحصن، إضافة إلى آثار أخرى مدفونة تحت الأرض، مما يستدعي البحث والتنقيب للكشف عن مزيد من كنوزها وفهم تاريخها. لو تمت الرعاية اللازمة، كانت ستصبح جاذبة سياحية تستقطب الزوار من مختلف أنحاء العالم.

رغم أن بقايا المدينة تعاني من الإهمال، إلا أنها كانت قديمًا مركزًا حضريًا مزدهرًا ومليئًا بمظاهر الحياة. مع مرور الزمن، تحولت إلى أطلال تحكي قصة مدينة كانت تضم سورًا، أبراجًا، أبوابًا، طرقًا، جسورًا، بيوتًا، أسواقًا، وخنادقًا. كانت لها معالم بارزة مثل مسجدها وقصرها المشهور بالقبة الخضراء.

اليوم، تظهر الآثار المتبقية بشكل مهمل، حيث تلاشت أجزاء كبيرة من باب المدينة وتضاءلت معالمها وأقواسها وأعمدتها الجميلة. المنارة الشرابية، التي تعتبر واحدة من المعالم البارزة، تعاني من التدهور بسبب الإهمال والتجاوز، والمتخصصون يحذرون من احتمال انهيارها.

واسط الأثرية كانت في السابق تزخر بالفن المعماري العربي الإسلامي، ولكن مع مرور الزمن، تلاشت تلك الشواخص الجميلة. اليوم، تواجه التحديات بسبب نقص المياه والكهرباء، وتفتقد إلى الاهتمام والترميم. يمكن للإعمار والاهتمام أن يُعيدا إليها مجدها ويجذبا الزوار للاستمتاع بجمالها وتاريخها الغني.

اترك تعليقك


لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *