يُعد نصب الشهيد العراقي في بغداد واحدًا من أبرز المعالم المعمارية الحضارية في العاصمة العراقية. يُعَبِّر عن التضحية والبطولة التي قدمها الشهداء في سبيل الدفاع عن الوطن. تم بناء النصب خلال فترة الحرب العراقية الإيرانية، وذلك لتخليد ذكرى الشهداء الذين سقطوا دفاعًا عن العراق. على الرغم من التكهنات التي نشرتها بعض وسائل الإعلام العراقية حول نية الحكومة لإزالة النصب، فإن مصادر حكومية نفت هذه الأنباء.
يقع نصب الشهيد العراقي في جانب الرصافة من بغداد، ويشغل موقعًا مرموقًا في المدينة. بدأ العمل في بنائه عام 1983، وهو من تصميم المهندس العراقي سامان أسعد كمال، بينما تم تصميم القبة التي تغطي النصب بواسطة الفنان التشكيلي الراحل إسماعيل فتاح الترك. يتألف النصب من منصة دائرية قطرها 190 مترًا، تعلوها قبة عباسية ترتفع أربعين مترًا. وتشتمل القبة على شقين يبدوان وكأنهما يتباعدان عند بداية الشارع المؤدي إلى النصب، مما يخلق تأثيرًا بصريًا يشير إلى فتح بوابة تمهيدًا لظهور شيء ما. وعند دخول الزائر إلى موقع النصب، يلاحظ أن هذا الشيء هو العلم العراقي الذي يرتفع إلى الأعلى، تجسيدًا لارتقاء روح الشهيد إلى السماء
ويُمثل النصب أحد التصاميم المعمارية البارزة والعبقرية في العالم. فقد تم استخدام الخدعة البصرية في تصميمه بشكل مذهل، حيث يبدو للمارة الذين يمرون بالسيارة حول النصب أن شطري القبة مغلقين عند نقطة بداية الشارع المؤدي إليه. ويبدو وكأنهما يتباعدان عن بعضهما البعض، كما لو كان هناك بوابة مفتوحة تنتظر أن تنفتح أمامهم. ولكن عندما يصل الزائر إلى موقع النصب ويدخله، يكتشف أن هذا الشيء الذي ينتظره هو العلم العراقي الذي يرتفع إلى الأعلى، مشيرًا إلى صعود روح الشهيد إلى السماء.
يعد المصمم إسماعيل فتاح الترك شخصية مهمة في تصميم النصب، إذ وُلد في البصرة عام 1934 وتخرج في أكاديمية روما للفنون الجميلة عام 1962. عمل كمدرس في كلية الفنون الجميلة ببغداد لأكثر من ثلاثين عامًا، وقام بتدريس العديد من الفنانين العراقيين الذين أثروا المشهد الفني خلال السبعينيات والثمانينيات.
تتميز أعمال الترك الفنية بالكثير من التماثيل التي لا تزال حاضرة في ساحات وشوارع بغداد حتى اليوم. وقد تم تصميم بعض هذه التماثيل لشخصيات بارزة في بغداد، مثل الشعراء معروف الرصافي وعبد المحسن الكاظمي، والشاعر العباسي الكبير أبو نواس.
آخر التقارير المتوفرة تفيد بأن مؤسسة الشهداء التابعة لمجلس الوزراء قد قامت بتحويل جزء من النصب للاستثمار. قد تكون هذه الخطوة جزءًا من جهود الحكومة للحفاظ على النصب وتوفير مصادر دخل إضافية لصيانته وتطويره. إن استثمار جزء من النصب يمكن أن يساهم في توفير الأموال اللازمة للمحافظة على الهيكل والتجديد الدوري، وذلك بدلاً من الاعتماد الكامل على الميزانية العامة.
تثير هذه الخطوة جدلاً واسعًا بين الناس والمجتمع المدني. فهناك من يرون فيها طريقة لتحقيق الاستدامة المالية للنصب والحفاظ على جودته وروعته المعمارية. بينما يعارض آخرون فكرة استثمار أي جزء من النصب، معتبرينها انتهاكًا للقيم والمعاني التي يرمز إليها النصب، ويعتبرونه تجاوزًا لمبدأ الاحترام والتكريم للشهداء.
تُعد مسألة الحفاظ على نصب الشهيد العراقي تحديًا مستمرًا. فعلى الرغم من القيمة الرمزية والتاريخية للنصب، إلا أنه يتطلب جهودًا مستمرة للحفاظ على تألقه ورونقه. يجب على الحكومة والجهات المعنية العمل سويًا لتخصيص الموارد اللازمة لصيانة النصب وتجديده، وتأمين التمويل الكافي لهذا الغرض. ينبغي أن تشكل الحفاظ على هذا التراث الثقافي الهام أولوية للحكومة العراقية والمجتمع المدني، وذلك لضمان استمرار إشاعة رسالة الشهداء والتعبير عن الوفاء والاحترام