على مدى فترة طويلة، استمر الفنان العراقي كاظم الساهر في الوصول إلى القمة، حيث يُعتبر أحد أبرز نجوم الموسيقى العربية المعاصرة، وتجلى ذلك من خلال شعبيته المتسارعة في العراق والوطن العربي. حاز على عدة لقب، من بينها “قيصر الغناء العربي” و”سفير الأغنية العراقية”.
كاظم الساهر ولد في بيت متواضع بمدينة الموصل، ونشأ وسط أسرة تضم سبعة أخوة. انتقل إلى بغداد في مرحلة مبكرة من حياته، حيث مر بطفولة صعبة بسبب الفقر، عاش فيها تجارب العمل خلال العطل المدرسية في بيع المثلجات والكتب. بدأ حياته المهنية بالعمل في مصنع نسيج، وجمع مالاً كافياً لشراء أول آلة موسيقية، وهي الغيتار. بدأ تعلم العزف على آلة العود، واستمر في دراسته وتطوير مهاراته الفنية حتى برزت موهبته ونجح في العودة في عالم الفن، حيث انتشرت شهرته بسرعة في العراق وأقطار الوطن العربي.
كانت بداية مسيرة كاظم الساهر الفنية في منتصف الثمانينيات، حيث أبدع في الأداء وابتكار الألحان. تلاحقت المحاولات الناجحة، وأصبحت أغانيه الرائعة مثل “يا شجرة الزيتون” و”عابر سبيل” تحظى بإعجاب الجماهير، وقد اُعتبرت هذه الأعمال ناضجة ومكتملة من الناحية الفنية، وفقًا لتقييم النقاد، بما في ذلك الكاتب والناقد الفني علي عبد الأمير عجام.
رأى علي عبد الأمير عجام أن بريق كاظم الساهر بدأ يظهر في فترة الثمانينيات، التي تزامنت مع الحرب العراقية الإيرانية والفترة التالية. تجسدت أغانيه في هذه الفترة بشكل فني مؤثر، حيث وصف الوضع في البلاد بشكل يعكس معاناة الأطفال والتحديات. يُشير إلى أن أعماله مثل “رحّال” و”استعجلت الرحيل” كانت تعبّر بدقة عن تجارب المواطن العراقي خلال فترة الحصار الاقتصادي في تسعينيات القرن الماضي، وكيف تأثر العراقيون وتركوا وطنهم.
علي عبد الأمير عجام يشير إلى أن كاظم الساهر قام بتأسيس مرحلة جديدة في التعبير الموسيقي والغنائي، حيث تخطى الحدود المحلية ليندمج في أفق التعبير العربي. يُوصَف هذا التحول بقوة في أغانيه، خاصة من خلال ألبومه “مدرسة الحب” عام 1996، حيث تجسدت عناصر الطرب والمقطوعات الموسيقية الطويلة كزخرفة لحنية، ويُؤكد عجام أن هذا يُعَدُّ جزءًا أساسيًا من التراث الغنائي العربي الأصيل.
ويضيف عجام: أصبح من الأمور الطبيعية أن تُعَدّ أعمال الساهر في مجال الغناء العربي نقطة تحول بارزة، حيث حقق نجاحاً استثنائياً من خلال تأليفه لأعماله الغنائية، مما جعله يحتل مكانة رائدة بين منتجي الموسيقى العربية المعاصرة. يشير إلى أن هذا التألق تجلى بشكل خاص من خلال أغنيته “حبيبتي والمطر”.
يشير الشاعر كاظم السعدي إلى أنه كان رفيقًا للفنان كاظم الساهر منذ بداياته، وكان يشهد على طموحه الفائق. يصف لي اللحظات التي قضاها مع الساهر في بيته، حيث كان يراه يفترش الأرض لساعات طويلة ويركز على عزف عوده. يشير إلى أن هذا الجهد كان لتحضير الفنان لأي فرص عربية قد تظهر، وأن مثابرته وتفوق أفكاره كانتا أساس نجاحه في عالم الأغنية العربية. يضيف السعدي أن الساهر يتعاون بعناية مع الشعراء، يناقش النصوص بتأنٍ ويضيف إليها بالتعاون معهم، ما يبرز حرصه على اختيار النصوص الشعرية بعناية فائقة.
يرتبط الشاعر كاظم السعدي بكاظم الساهر من خلال تجربتهما الفنية التي بدأت على خشبة المسرح العسكري، حيث قدم له ثلاث أغانٍ. تطورت هذه التجربة لتتضمن عملًا مستمرًا حتى وصل العدد الكلي لاثني عشر أغنية، وكانت من بينها أغنية “شحلو طولك”، التي أصبحت الأقرب إلى قلب الساهر ويقوم بأدائها في كل حفلاته.
يكشف الشاعر كاظم السعدي أن آخر الأغاني التي قام بتأليفها للفنان كاظم الساهر هي “مسبار الأمل”. كما يشير إلى وجود أغنية جديدة بعنوان “ما ينقدر لك يسمر”، والتي ستكون جاهزة للتسويق قريبًا، ومن المتوقع أن تطلق خلال فترة قصيرة.
يشير الموسيقار العراقي نصير شمة إلى أن نجاح الفنان يتأسس على مزيج من الموهبة، والعلم، والأخلاق، والتواضع. يعتبر هذا التوازن الأساسي مهمًا في قبول الفنان للتعلم المستمر والاستماع لتجارب الآخرين الذين يمتلكون الخبرة. يشدد على أهمية التواضع في دفع الفنان نحو التطور المستمر، ويوضح أن هذه العوامل، جنبًا إلى جنب مع الموهبة والتدريب المستمر والخبرة، تشكل خليطًا أساسيًا في بناء التركيبة الموسيقية الناجحة. يشير إلى أن كاظم الساهر، بفضل دراسته للموسيقى لست سنوات في بغداد، نجح في جعل الموسيقى جسرًا يربطه بالعالم، ويركز على جهوده الدؤوبة في اختيار أفضل الثيمات الموسيقية والجمل بصحبة مجموعة من الموزعين والشعراء، مما جعله فنانًا ذا شأن مهم في عالم الموسيقى والأغنية.
يبرز شمة أن نجاح الساهر يعزى إلى اخلاصه لفنه، وتفانيه في العمل وتفرغه لجمهوره. يشير إلى اهتمامه الدائم باتقان اختيار النصوص وتطويرها، وذلك بهدف إيجاد مكان لنفسه بين عمالقة الغناء العربي. يعزو شمة سر تألق الساهر إلى امتلاكه جميع العناصر الضرورية التي أبقته على مستوى مستقر ومتصاعد بجودة ممتازة طوال هذه السنوات، ويؤكد أن هذا الإنجاز الكبير لا يمكن أن يكون ناتجًا من الصدفة أو الحظ، بل هو نتيجة جهد متواصل.