ترجع فكرة إنشاء دور المعلمات الابتدائية إلى عام 1933 وذلك عندما فتحت إحداها في مدينة بغداد تقبل خريجات الدراسة المتوسطة لذا سميت بـ(دار المعلمات الابتدائية) تقوم بإعدادهن كمعلمات بعد أن يقضين مدة ثلاث سنوات دراسية للتدريس في المدارس الابتدائية، ثم زيدت الدراسة فيها إلى أربع سنوات في بداية العام الدراسي1935-1936.
استقرت دار المعلمات الابتدائية في بناية خاصة لها في منطقة باب المعظم في بغداد، وكان على من يرغبن من الطالبات أن يدرسن في المدارس الثانوية أن يؤدين في الدار امتحاناً وزارياً، وبعد نجاحهن في الامتحان يوزعن حسب رغبتهن على فرعين هما: فرع الآداب، وفرع العلوم ليواصلن الدراسة لمدة عامين، ليتخرجن بعد ذلك مدرسات متخصصات في مواد معينة للتدريس في المدارس الثانوية، وقد ترتب على زيادة عدد مدارس البنات الثانوية في كافة أنحاء البلاد ازدياد الشعور بالحاجة إلى المدرسات ذوات المستويات العالية لذا فقد تم في عام1945 فتح فرع جديد له منهج خاص وتكون مدة الدراسة فيه ثلاث سنوات تلتحق به خريجات الدراسة الثانوية، وسمي بـ”معهد الملكة عالية”وقبل المعهد في عامه الأول (89) طالبة، وكان يضم قسماً داخلياً لسكن الطالبات القادمات من الألوية المختلفة على نفقة الحكومة.
وفي عام 1946 تأسست كلية الملكة عالية للبنات بعد رفع درجة معهد الملكة عالية إلى مستوى كلية، بهدف التوسع في التعليم النسوي نظراً لعزوف بعض الأسر المحافظة عن السماح لبناتها بالدراسة المختلطة في دار المعلمين العالية، وفيها تتلقى الطالبات الحاصلات على شهادة الدراسة الثانوية منهجاً يستغرق أربع سنوات كاملة، وقد بقيت كل من”دار المعلمات الابتدائية”و”كلية الملكة عالية”تحت إدارة واحدة حتى عام1951 حين استقلت كل منهما بإدارتها الخاصة، وكانت الكلية تتألف من أقسام: اللغة الإنكليزية، واللغة العربية، والتاريخ والجغرافية، والأحياء والكيمياء، والرياضيات والفيزياء، وأخذت الكلية بأقسامها المختلفة تتبع مناهج التعليم في دار المعلمين العالية، وكثيراً ما كان يدرس في هذه الكلية نفس الأساتذة الذين يدرسون في دار المعلمين العالية والعكس صحيح، وفي عام1950 استحدثت أقسام جديدة في الكلية تستجيب لحاجات المناهج المتغيرة في المدارس الثانوية منها قسم الاقتصاد المنزلي، إذ أوصت الحكومة بأن يكون لتعليم الاقتصاد المنزلي مكانة أكثر أهمية في مناهج مدارس البنات، لذا دعت وزارة المعارف ان تخصص لتعليم الاقتصاد المنزلي ما يقارب من خمس مجموع الوقت المقرر في مواضيع الدراسة في المدارس الثانوية للبنات، وذلك لا يمكن أن يتم إلا بوجود مدرسات متخصصات ذوات مستوى علمي عالٍ لذا طلبت الوزارة من كلية الملكة عالية أن تدخل بين مناهجها منهاجاً تدريبياً لإعداد مدرسات للاقتصاد المنزلي، وقد استعانت الحكومة العراقية في عام 1951 بإحدى خبيرات منظمة الزراعة والغذاء (FAO) وهي المس آفامايلم (Miss.A. Milm) لوضع خطة للمنهج التعليمي لقسم الاقتصاد المنزلي الذي كان له منهجان: منهج الطالبات المتخرجات من الفرع الأدبي للدراسة الإعدادية، ومنهج الطالبات المتخرجات للفرع العلمي للدراسة ذاتها، ومن الأقسام الأخرى التي تم استحداثها في الكلية، قسم الخياطة والفن التطبيقي، وقسم الخدمة الاجتماعية الذي أسس بالاتفاق مع وزارة الشؤون الاجتماعية، إلا أنه ألغي عام1951، وتولت عمادة كلية الملكة عالية الست”أمت السعيد”وهي أول امرأة تتولى عمادة كلية عراقية خلال العهد الملكي، ومن أساتذتها (كابريلا أوس، وكوزين أيغور، وعلية الكيارة، ومليحة رحمة الله، وأيزابيلا سيروپ، وأميمة علي خان، ونجلاء حيتاري، وسعاد خليل إسماعيل).
دأبت كلية الملكة عالية على إقامة المعارض السنوية لإنتاج طالباتها، وفي عام 1955 أفتتح وزير المعارف خليل كنة المعرض السنوي للكلية الذي عرضت فيه مختلف الإنتاجات السنوية لطالبات قسم الاقتصاد المنزلي وقسم الفن والخياطة، وكانت طالبات قسم الفن يشاركن في صنع الغطاء الملكي مع مدرساتهن، كما قامت الطالبات بتقديم عروض للأزياء الكردية والعربية وكانت الأزياء من عمل طالبات الكلية.
وكانت الملكة عالية التي سميت الكلية باسمها وهي ام الملك فيصل الثاني وشقيقة الوصي على العرش الامير عبد الاله كغيرها من نساء الاسرة المالكة تزور مدارس البنات باستمرار وتبدي اهتماماً كبيراً للطالبات عن طريق تقديمها العون والرعاية لهن مذللة بذلك الصعوبات، وكانت تشجع الأعمال الفنية وترعاها بنفسها، فقد حضرت الحفلة التي أقامتها دار المعلمات الابتدائية في 4 نيسان 1944، كما حضرت الاستعراض السنوي لدار المعلمات الابتدائية ودار المعلمات الأولية، ومتوسطة الكاظمية ومتوسطة الأعظمية، وكان لرعايتها هذه الأنشطة أثر كبير في تشجيع النساء على الاشتراك في مثل هذه الأنشطة.
أقرت وزارة المعارف في عام1945 تأسيس معهد الملكة عالية للبنات تكون مدة الدراسة فيه سنتان بعد الإعدادية لغرض إعداد مدرسات للدراسة المتوسطة، وقبلت خريجات القسم العالي من دار المعلمات الابتدائية في هذا المعهد،شملت الملكة عالية هذا المعهد برعايتها، ووافقت بأن يطلق اسمها على هذا المعهد، وفي 14 نيسان 1946 افتتحت الملكة عالية هذا المعهد وتفقدت الملكة صفوف المعهد والمختبرات كما حضرت مسرحية أقامها المعهد بهذه المناسبة، وقد ألقت فيها إحدى الطالبات قصيدة حيت فيها الملك والملكة.
ولم تقتصر رعاية الملكة عالية للمدارس في بغداد فحسب بل شمل اهتمامها أيضاً الألوية الأخرى، فقد رافقت الملك فيصل الثاني في زيارته إلى البصرة عام1950 بمناسبة افتتاح مشروع الطاقة الكهربائية في مدينة أبي الخصيب، وتوجهت بعد ذلك لزيارة المعرض الذي أقامته إحدى مدارس البنات، وبعد أن تفقدت المعرض، قدمت لها هدية من صنع الطالبات، وقد غادرت المعرض بمثل ما استقبلت به من حفاوة.
عن رسالة : التعليم النسوي في العراق 1921-1958