منطقة الباب الشرقي.. في خمسينيات القرن الماضي

منطقة الباب الشرقي.. في خمسينيات القرن الماضي

بعد ان انتهت الحرب والتي كان العراق مشاركا بشكل او بآخر فيها وبدأت حملة عالمية لازالة اثارها في جميع الدول وعلى جميع الاصعدة التي كان للعراق دورا فيها وخاصة بعد معاناة وضيق اقتصادي وتقنين التموين وتحديد الاستيراد وضغط النفقات كل ذلك حجم من تطور العراق الذي كان متأهبا لتعويض مافاته خلال الحرب…

وكانت منطقة الشورجة وشارع الرشيد هما المركز التجاري الوحيد ولذلك كان البحث عن توسيع وايجاد البدائل ومن ضمن البدائل كان شارع السعدون وخاصة انه يضم دور التجار والموسرين في البتاويين وشارع ابو نواس والعلوية وتتوفر فية مساحات ملائمة للتطوير والحداثه وخاصة ان العديد من الفعاليات كانت قد بدأت في بدايتة وهي ساحة الملكة عالية رحمها الله ومايسمى بالباب الشرقي الذي كان يعتبر في القرن التاسع عشر الحدود الشرقيه لبغداد وهو احد ابواب بغداد المشهورة ..

ستكون لنا جوله مع ماتسعفنا به الذاكره في الباب الشرقي واحواله في بداية الخمسينات مع وصف الحال ايام زمان من فعاليات ومرافق وعادات ووجوه ..

الباب الشرقي هو ساحة التحرير الحاليه ولم يكن هناك نفقا ولامجسرات ولاجسر الملكه عاليه لاحقا ولغرض تنوير القاريء بوصف الباب الشرقي بشكل عام مختصر اولا هو :

ساحه كبيره دائريه في وسطها شجرة سدر ( نبق ) وعلي الساحه خمسة شوارع ومنها لايرقى الى لفظة شارع بل نقول زقاق ,, الاول هوشارع السعدون باتجاه الشرق الذي يؤدي الى البتاويين والعلويه والثاني وهو المؤدي الى شارع الرشيد من جهة محلات جقمقجي ومنه فرع الى شارع ابونواس والثالث وهواشبه بزقاق ويؤدي الى الخلاني والرابع وهو مجاور لحديقة الملك غازي ويؤدي الى الشيخ عبد القادر الكيلاني رحمه الله والخامس وهو يحاذي حديقة الملك غازي من اليمين ويؤدي الى ساحة الطيران وكمب الارمن .ونأتي الان لوصف كل ماموجود على كل شارع من هذه الشوارع :

شارع السعدون

الواقف باتجاه الشرق اول مايقع نظره الى تمثال المرحوم عبد المحسن السعدون رئيس وزراء العراق وهو يقف على مثلث وسطي بين جانبي شارع السعدون ذو الممرين ( تم نقل النصب في مطلع السبعينات عند انشاء نفق التحريرالى ساحة النصر) تطل على الساحه من جهة اليمين مدرسة الراهبات ( العقيده لاحقا ) وهي تمتد من ساحة التحرير وحتى شارع ابو نواس يجاورها مزاد الحاج احمد الصباغ الملاصق لسور المدرسه والى الفرع الاول المؤدي الى شارع ابو نواس .

من جهة اليسار تواجهك عمارة وهي اول عماره ضخمه بتقدير ايام زمان وتتصدر الركن الايسر لشارع السعدون وخلفها يقع مطعم تاجران ( ابو علي ) ثم جامع الاورفلي .

ننتقل الى الجهه الشماليه الشرقيه حيث تواجه الناظر حديقة غازي التي تمتد من ساحة التحرير وحتى ساحة الطيران وننظر الى اليسار قليلا لنجد افخم دار للسينما في يسار الحديقه وملاصقه لها وتطل على الشارع الرابع ويمتد بنائها باتجاه ساحة الطيران…

وفيها بنايه لشركة ( فوكس للقرن العشرين ) للافلام السينمائيه وفي الجانب الايسر للشارع الرابع تقع سينما النجوم ( قبل انتقالها بعد استملاكها ) وهي تتصدر الركن ومنها يتجه باتجاه الشارع المؤدي الى الخلاني بعد سينما النجوم زقاق صغير تقع على ناصيته سينما ميامي وبجوار سينما ميامي سينما اوبرا الصيفي وفي نهايتها سينما ديانا الشتوي وبجوار سينما اوبرا مشرب شعبي ( بار ) وهو المشهور بتثبيت الاواني ( الفافون ) بالمسامير على المناضد خوفا من السرقه وتجهيز المزه بواسطة سطل مع طاسه الى الزبائن وبجواره اشهر كبه عراقيه وهي كبة فتاح ثم مقهى وصولا الى سينما دار السلام .

ننتقل الى الغرب وتشاهد بنايه راقيه بيضاء اللون تتربع على ناصية الساحه وهي ( مجلس الاعمار ) وحاليا عماره للملابس ومجموعة شاكر بيبو .بجوار المجلس كانت الشركه العملاقه ( كتانه ) وعلى اليمين من المجلس مجموعة محلات منها فرن صمون وبقال .

ننتقل الى الشارع المؤدي الى شارع الرشيد وفيه كما ذكرنا شركة كتانه تمتد الى مسافه كبيره داخل الشارع وساحه خاليه على يسار الشارع ( وضعت فيها الاعلانات الضوئيه عام 1962 ) وتمتد هذه الساحه الى مدرسة العقيده يقطعها زقاق ترابي الى ابو نواس انشأ عليه جسر الملكه عاليه لاحقا وهو جسر الجمهوريه حاليا .

كانت حديقة الملك غازي معلم من معالم التنزه البغدادي ويأمها الكثير من مختلف الفئات ومنظمه بشكل جميل على الطراز البريطاني ولها مدخل خاص وفيها مساطب جلوس واعراش نباتيه وحوض ماء ونافوره .

كان الباب الشرقي يضم حركه دؤوبه مستمره خاصة وفيه اكثر دور السينما شهرة في بغداد وتعرض الافلام الى ساعه متأخره من الليل حيث ينتهي اخر عرض بالساعه الثانية عشره في منتصف الليل وكان ذلك توقيت يعتبر في حسابات تلكم الايام متأخرا وكان يضرب به الامثال حيث يقال للشخص ( سهران لنص الليل ) وتجد في الباب الشرقي ظواهر قد لاتجدها في اماكن اخرى مثل البسطيه المتحركه وهذه البسطيه هي عباره عن لوح خشبي من المعاكس يغلف بقماش ازرق او احمر وتعلق به نمنمات مثل السلاسل والمقاصيص وبعض جواريب الرجال واحزمه وقداحات وغيرها من النواعم يحملها صاحبها ومره تجده يتجول معها وفي اخرى تجده على ناصية سينما او مطعم كما تجد الباعة المتجولين على الارصفه وفتاح الفال وهو يفترش الارض مع قطعة قماش عليها رمل وبعض الاحجار ( تخت رمل ) وبائعي المجلات القديمه …

والطرشي الذي كان يحمل في ( لكن ) عليه خشبه ومنظر خيار الماء او التعروزي ونصف قحف من قشرة جوزة هند لشرب الخل …

وبائع التوت ( التكي ) في نجانه ومغطى باوراق التوت وخاصة الاحمر منه …

وكذلك عربات اللبن الزبادي والابيض وبيض والعنبه والصمون..

وبائع السميط وصوته الجهوري وهو ينادي على بضاعته…

وبعض الافارقه ( السودان ) وهم يضعون قدر على ارجل مع مدخنه لبيع فستق العبيد ( الفستق السوداني ) وبائع المريس وانتشار المصورين مع كاميراتهم لالتقاط الصور التذكاريه بسعر 100 فلس للصوره مع كارت للمراجعه لاستلامها بعد ثلاثه او اربعة ايام وقسم منهم يجلبون معهم ( ديكورات ) تشبيهات مثل صورة ممثله عالميه او سياره او طياره ليلتقط لك صوره متألفه تظهرك وكأنك تقود السياره او الطائره

وغالبا ما تجد المحتالين يضعون قطعة قماش على الارض ومعه ثلاث ورقات لعب ( سيه ورق ) وتسمعه يصيح ( احمر الك اسود الي ) او مجموعات ( اللكو ) مع الجتري وهو القماش المرسوم عليه ( الانكر ، الماجه ، الدنر ، الكوبه ، الاس ،التاج ) وكثيرا ما نشاهد الشرطه والبلديه وهي تهاجم اماكن الباعه المتجولين وتراهم وهم يحملون بضاعتهم هاربين متخفين في المحلات او الازقه …

الباب الشرقي عراق مصغر وصوره لبغداد في الخمسينات من القرن الماضي

رحم الله ايام زمان كم كانت جميله وبسيطه ولذيذه وكان من يحمل في جيبه خمسون فلسا يعتبر نفسه ( مترهي) لانها تكفيه ومن كان يحمل ربع دينار فأنه ( زنكين ) في حسابات تلكم الايام حيث كل شيء رخيص ومتاح والناس اكثرها من اهل الله والغيره والحميه موجوده والعونه حاضره وللكبير تقدير في باص المصلحه وللمرأه احترام عالي جدا وللصغير ايضا .. هكذا كنا نعيش فكيف يعيش اولادنا اليوم ؟؟

اترك تعليقك


لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *