المسجد أول مبنى في الكوفة وشيّد عام 19هـ – 739م بأمر الصحابي الجليل سعد بن أبى وقاص، وفي مدرسته ازدهر الخط الكوفي.
يُعد مسجد الكوفة أو “المسجد الأعظم” في العراق، من أهم المساجد العراقية الأثرية والتاريخية، وهو من أقدم المساجد في العالم الإسلامي، ويعتبر أول مبنى في مدينة الكوفة، حيث شيد عام 19هـ – 739م عندما أمر الصحابي الجليل سعد بن أبى وقاص، برمي أربعة أسهم باتجاه القبلة، والاتجاهات الأخرى فصارت هذه حدوداً للمسجد.
تقول الدكتورة أسماء شوقي، مديرة قسم الآثار من منظور الرحالة، بمركز تسجيل الآثار الإسلامية والقبطية بالقلعة، في تصريحات خاصة لـ”العين الإخبارية” خططت الكوفة على غرار تخطيط مدينة البصرة، وقد جاء بناؤها بعد عامين أو ثلاثة من بناء مدينة البصرة، في الجانب الغربي من نهر الفرات، وهي ثاني مدينة في الإسلام، ولها أسماء عديدة منها: جمجمة العرب، وروح الله، وحاضرة العالم الإسلامي، ودار هجرة المسلمين، وعاصمة أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
بعد انتصار المسلمين على الدولة الساسانية وإسقاط عاصمتها المدائن، كتب “سعد بن أبي وقاص” إلى الخليفة “عمر بن الخطاب” يبشره بنصره، فأمره باتخاذ دار هجرة ومنزلا للمسلمين، فاستوطن الجنود في الأنبار، لكن لم يستقم لهم الأمر هناك، حيث أصيبوا بالحمى فانتقلوا منها إلى مكان آخر فلم يكن أفضل من الأول، فأخذ “سعد بن أبي وقاص” يبحث عن مكان مناسب فأعجب بالبقعة التي صارت فيما بعد مدينة “الكوفة”، فراسل الخليفة “عمر بن الخطاب”، واتفقا على بناء مدينة في هذا الموضع.
حيث جاء في “تاج العروس” أن “الكوفة سميت بهذا الاسم لاستدارتها، وقيل بسبب اجتماع الناس فيها، وقيل لكونها رملية حمراء ولاختلاط ترابها بالحصى”، وقد ازدهرت الكوفة حينما انتقلت إليها الخلافة في زمن الإمام علي كرم الله وجهه، ومعه عدد كبير من الصحابة الأبرار بعد انتصاره في معركة الجمل سنة 36هـ، وعاش فيها 70 صحابيا ممن شهدوا موقعة بدر، وفي الكوفة ظهرت الخطوط العريضة للنحو العربي على يد “أبو الأسود الدؤلي”، ومن الكوفة كان المتنبي الشاعر العربي المشهور
قيمة معمارية وتاريخية:
شهد مسجد الكوفة مدرسة عظيمة تخرج فيها آلاف العلماء في الفقه والحديث واللغة والنحو الصرف والكيمياء والفلك والفلسفة، وازدهر فيها الخط العربي المعروف بـ”الخط الكوفي” نسبة إلى هذه المدينة، والذي دوّن به القرآن الكريم بالقرون الثلاثة الأولى من الهجرة.
أما عن عمارة المسجد فتضيف شوقي: “لم يكن لمسجد الكوفة سور في بادئ الأمر، بل كان صحنه مكشوفاً يحيط به خندق، وله سقيفة يستظل بها المصلون، ثم أحيط المسجد بسور من اللبن والطين، ويذكر ياقوت الحموي: “أن الخليفة عمر بن الخطاب كتب إلى سعد يأمره بأن يخط مسجد الكوفة بحيث يتسع للمقاتلة أو ما يكفي لأربعين ألف مصلٍّ، وبنيت الجدران بالآجرّ المستخرج من خرائب الحيرة”.
جدير بالذكر أن المسجد مربع الشكل تقريبا حيث يبلغ طوله 110 أمتار، وعرضه 101متر، وتبلغ مساحته 11162 مترا، ويبلغ ارتفاع جدران السور حوالي “20 متراً”، ويدعم السور”28 برجاً” نصف دائري، وبالمسجد 187 عمودا، وله 5 أبواب هي: باب الحجة، وباب الثعبان، وباب الرحمة، وباب مسلم بن عقيل، وباب هاني بن عروة.
وعن التصميم الداخلي للمسجد تضيف شوقي: “يقع مدخل المسجد الرئيسي في طرف جدار المؤخرة الشمالي الشرقي، ويتألف من إطار مستطيل يتوسطه عقد مدبب عند الوسط، وحوله زخارف آجرية محفورة تعود للقرن السادس الهجري، أما صحن المسجد ومساحته 5642 مترا، فهو مكشوف توجد فيه مجموعة من المحاريب، ويتوسط موضع “السفينة” التي ربما كانت أرضيتها أرض المسجد الأول، ويتم النزول إليه بسلم يؤدي إلى بناء مكشوف، وفيه حجرة صغيرة داخلها محراب”.
وبالمسجد محراب أمير المؤمنين علي رضي الله عنه، وموضع استشهاده، وهو بناء فخم كبير أنشئ حديثا، ويضم موضع مصلاه ومحرابه، وهو موضع استشهاده سنة 40 هجرية، وروعي في بنائه وتزيينه أحدث الأساليب العصرية والفنون المعمارية، وكسيت جدرانه والمحراب بأنفس أنواع المرمر المستخرج من قيعان البحار، وكذلك من الألومنيوم المذهب، وبني المنبر من الرخام الإيطالي المعرق الفاخر.