في الوقت الحالي، تحظى المدارس الخاصة، خاصةً مدارس اللغات والمدارس الأجنبية كالأمريكية والإنجليزية والفرنسية، بتفضيل في معظم الدول العربية. يتنافس هذه المدارس بشدة في مجالات الأجور والتعليم، مع تسليط الضوء على جودة المرافق التي تقدمها للطلاب.
يظهر أيضًا تنافس كبير بين الأهالي في اختيار أفضل مدرسة لأبنائهم، حيث يتبارون في مقدار الرسوم السنوية ويفاخرون بالمدرسة التي يتعلم فيها أولادهم. ورغم هذا التطور، يستحضر الناقل الذاكرة صورة من الماضي حيث أسست سيدة لبنانية الأصل، مدام عادل، مع زوجها الأستاذ التربوي أنيس عادل، وشقيقتها المربية الفاضلة فكتوريا، مدرسة عادل الأهلية في بغداد، ولكن يفتقد لتحديد تاريخ افتتاح المدرسة في الثلاثينيات أو الخمسينيات من القرن الماضي.
تلك المدرسة، التي احتلت قطعة أرض واسعة في منطقة العلوية، كانت تجمع بين الفخامة والتحديات في زمن مضى. تشتمل على ثلاثة مبانٍ، إحداها للصفوف والقاعة الكبيرة للألعاب، بينما تحوي البنايتين الأخريين صفوف المرحلة الابتدائية. كانت تتميز بحديقة كبيرة، مع مسرح صيفي وسكن للحراس، وكان للمدرسة باصات تنقل الطلاب. مديرة المدرسة، مدام عادل، كانت شخصية قوية وفريدة، تجعل المدرسة كجامعة بقوانينها الصارمة والمستوى الدراسي الرفيع. تفرض تواجداً قويًا حيث يُعامل الجميع بالمساواة، وكانت تتحدى الطلاب والكادر التدريسي بمعايير دراسية عالية، مما جعلها تتفوق على مدارس الحكومة.
مدام عادل كانت تتخذ إجراءات صارمة ضد الطلاب الذين يظهرون تراجعًا في الأداء الدراسي أو كسلانين، حيث كانت تعمد إلى تنظيم دروس تقوية إضافية بعد الدوام. كما كانت تمنع الأهالي من أخذ أبنائهم المشاغبين أو الكسالى أو الذين يقصرون في الأداء مباشرة إلى المنزل بعد الدوام، إلا بعد حجزهم لثلاث ساعات لأداء الواجبات الإضافية والفرائض بإشراف مدام عادل.
وتأخذ مدام عادل شخصيا في اشرافها على نوعية وكمية ونظافة الطعام المقدم في مطعم المدرسة لجميع الطلاب. وكان هناك عاملان يقدمان الطعام، بطرس وخوشابا، حيث كان بطرس يسكب الفاصوليا اليابسة بكميات هائلة فوق صحن الرز، مما أدى إلى تشويش غير مرغوب فيه في خليط الرز والفاصوليا، وهو ما جعل الكاتب يحمل عقدة من تناول الفاصوليا اليابسة حتى اليوم.
في تلك المدرسة، كانت الدروس اللامنهجية مثل الرياضة والفن والموسيقى تحظى بأهمية كبيرة من قبل الإدارة والمعلمين. تقام حفلة سنوية للطلاب في حدائق المدرسة، حيث يقدمون فعالياتهم ومواهبهم الفنية والشعرية والمسرحية والموسيقية على مسرح الصيف، أمام الأهالي والشخصيات البارزة. مدام عادل، برغم صرامتها وشخصيتها الدكتاتورية، كانت تعامل ابنتها التي تعمل إدارية بالمدرسة بنفس الصرامة التي تعامل بها المعلمات.
رغم أحيانًا الشعور بالكراهية، إلا أننا اليوم نترحم على تلك الأيام والساعات والسنوات التي قضيناها معها، حيث أدركنا قيمة تربيتها. خرج الطلاب من تحت يديها عظماء وعلماء، حيث احتلوا مواقع رفيعة ومناصب إدارية وعلمية في أنحاء العالم. اليوم، يظهر كل من تخرج من مدرسة عادل الاهلية بوصفه شخصًا بارزًا وناجحًا في مجال عمله، محملًا معه أساسًا علميًا قويًا ومنهجًا دوليًا، فهو يتقدم بثقة وقدرة على التغلب على التحديات. مدام عادل كانت رائدة في مجال التعليم في العراق منذ تلك الأيام المشرقة التي لن تعود أبدًا.