محمد نجيب الربيعي – أول رئيس للعراق بعد الحكم الملكي

محمد نجيب الربيعي – أول رئيس للعراق بعد الحكم الملكي

مع مرور 64 عاما على الانقلاب العسكري عام 1958 ضد النظام الملكي بالعراق، استذكر عديد من الشعب رموز النظام الجمهوري، ومن بيهم الفريق الركن محمد نجيب الربيعي أول من تولى رئاسة الجمهورية.

وقاد الانقلاب العسكري في 14 يوليو/ تموز من ذلك العام، على ملك العراق فيصل الثاني الهاشمي، مجموعة من الضباط، أبرزهم: عبد الكريم قاسم وتولى رئاسة الحكومة، وعبد السلام عارف أصبح نائبا للأخير ووزير داخلية، إضافة إلى الربيعي الذي تولى رئاسة الجمهورية.

قائد عسكري

ولد محمد نجيب الربيعي عام 1904 في بغداد، وهو متزوج وله أربعة أولاد أكبرهم محمد براء وهو أيضا عقيد عراقي سابق وفراس وعثمان (تُوفي في حادث وهو صغير) وسنان، وله كذلك ابنتان جهينة وهند.

ينتمي محمد نجيب لقبيلة ربيعة العربية وكانت عائلة محمد نجيب آل الربيعي مجتمعا لذوي الفضل والعلم والأدب والسياسة والتجارة والوجاهة، فقاتل جده محمد باشا الطيار مع السلطان مراد الرابع لإخراج الشاه الصفوي من بغداد عام 1638.

ودخل الربيعي المدرسة الحربية الملكية لدى تأسيسها والتحق بدورتها الأولى (1924-1927)، وتخرج ضابطا في 1 يوليو 1927، والتحق بعدها بكلية الأركان العراقية وتخرج فيها سنة 1935، ومن ثم التحق بكلية الأركان في قونية بتركيا.

تدرج في الرتب العسكرية حتى بلغ رتبة فريق ركن في 2 نوفمبر 1957، ونال مجموعة كبيرة من الأوسمة منها وسام الرافدين من الدرجة الثالثة ومن النوع العسكري، ثم أصبح في عام 1956 قائدا للفرقة الثالثة في الجيش العراقي.

نال الربيعي مجموعة كبيرة من الأوسمة، منها وسام الرافدين من الدرجة الثالثة ومن النوع العسكري، ثم انتمى إلى تنظيم “الضباط الوطنيين” الذي أسسه العقيد رفعت الحاج سري عام 1949، وترأس الربيعي التنظيم عام 1956.

وعلى أثر تواتر المعلومات الاستخبارية للحكم الملكي العراقي بوجود تحركات سرية معارضة لدى قادة الجيش العراقي، أصدرت الإرادة الملكية قرارا بتعيينه سفيرا للعراق في جدة بالسعودية ولم يرجع إلى البلاد إلا عام 1958.

“نجيب العراق”

وعن انضمام الربيعي إلى حركة “الضباط الأحرار” التي أطاحت بالنظام الملكي، يقول الضابط فؤاد عارف في مذكراته التي ينقلها عنه الكاتب محمد سلمان في صحيفة “المدى” العراقية عام 2019، إنه في أواخر عام 1956 كلّفه عبد الكريم قاسم وطاهر يحيى، بأن يتولى مهمة مفاتحة قائد الفرقة الثالثة اللواء (الفريق أول فيما بعد) الركن محمد نجيب الربيعي، للانضمام إلى التنظيم والمساهمة في تفجير الثورة.

وأضاف أن ذلك كان بعد أيام عدة من كشف الجهات الأمنية لاجتماع مدينة الكاظمية في بغداد في 5 أكتوبر/ تشرين الأول عام 1956، الذي كان الغرض من عقده مناقشة خطة الثورة المؤمل القيام بها أثناء إجراء تمرين عسكري في منطقة جبال حمرين (شرق العراق).

وتابع عارف: إذ كان من المقرر أن يحضره الملك فيصل الثاني والوصي عبد الإله ورئيس الوزراء آنذاك نوري سعيد في 11 أكتوبر 1956، فقرر الضبّاط الأحرار إلغاء الخطة وتأجيل موعد قيام الثورة بعد ذلك الاجتماع.

وأشار إلى أن تكليف فؤاد عارف للقيام بتلك المهمة جاء لأسباب عدة، إذ إنه كان قد اقترح قبل ذلك على عبد الكريم قاسم وطاهر يحيى، فكرة انضمام محمد نجيب الربيعي للضباط الأحرار، لأنه كان يعتقد أن التنظيم بحاجة الى شخصية عسكرية مرموقة تحظى باحترام وتقدير كبيرين في أوساط الجيش العراقي.

ومضى يقول: وعُرف الربيعي بوطنيته وسمعته الواسعة، فضلا عن رتبته العسكرية العالية، الأمر الذي يجعل معظم ضبّاط الجيش يؤيدون الثورة، حالما يعرفون أن الشخص الذي يقودها هو محمد نجيب الربيعي، في حين كان الضبّاط الأحرار أقل رتبة منه، وغير معروفين على نطاق واسع في الجيش.

وتابع: وهناك سبب آخر جعل فؤاد عارف يطرح تلك الفكرة ويوافق على القيام بمهمة مفاتحة محمد نجيب الربيعي، فقد كانت تربطه به علاقة جيرة ومودة وطيدة تمتد الى أيام إقامة أسرة فؤاد عارف في بغداد بمحلة العاقولية، لذا كانت تلك الأسباب من أهم دوافع فؤاد عارف لطرح تلك الفكرة.

ولفت الكاتب إلى أن فؤاد عارف اجتمع مع الربيعي في مدينة بعقوبة (شرق العراق)، إذ كان الأخير يشغل منصب قائد الفرقة الثالثة فيها، وخلال ذلك الاجتماع الذي جرى في منزل الربيعي، بناء على طلب فؤاد عارف، قام الأخير بنقل رغبة الضبّاط الأحرار بالانضمام إليهم ليترأس التنظيم.

وأشار إلى أنه على الرغم من أن الربيعي لم يكن راضيا عن الوضع السياسي في البلاد، وأنه يشاطر الضبّاط الأحرار الرأي بضرورة تغيير النظام الحاكم في العراق، لكنه رفض الفكرة التي جاء فؤاد عارف من أجلها.

وأضاف: إذ عبّر للأخير عن عدم ثقته ببعض أولئك الضباط، إلى حد أنه كان يعتقد أن كل ثلاثة ضبّاط، (اثنان منهم جواسيس للوصي ووزارة الدفاع، كما أوضح لفؤاد عارف أن الفشل سيكون نصيب أي محاولة يقومون بها).

وبحسب الكاتب، فإن الربيعي كان يعتقد أن غاية الضبّاط الأحرار من التحاقه بهم، جعله واجهة يكسبون تأييد الجيش لهم من خلالها كما حصل مع اللواء (محمد نجيب) قائد ثورة يوليو 1952 في مصر، الذي دخل في صراع مع الضبّاط الأحرار فيها، انتهى بتنحيته عن الحكم في 27 مارس/آذار 1954.

وأوضح أن فؤاد عارف عاد إلى معسكر المنصور (شرق العراق)، فوجد عبد الكريم قاسم وطاهر يحيى ينتظرانه، فشرح لهما تفاصيل ما دار من حديث بينه والربيعي، وبيّن موقف الأخير من الضبّاط الأحرار.

وذكر فؤاد عارف، أن عبد الكريم قاسم قال له بعد ذلك: “إذا كان هذا هو رأي نجيب الربيعي، فليس إلا أن نقوم بها نحن بأنفسنا”.

وأكد الكاتب أن الفكرة عن الضبّاط الأحرار تبلورت لدى الربيعي، بعد انكشاف موضوع اجتماع الكاظمية، الذي انكشفت عنه أسرار كثيرة تتعلق بالتنظيم، لا سيما ما دار من حديث بين الضبّاط خلال الاجتماع.

وبحسب الكاتب أيضا، فإن “مصادر تاريخية عدة تشير إلى أن الربيعي كان على صلة بالضبّاط الأحرار منذ عام 1948 عندما كان في فلسطين، إذ ترأس التنظيم الذي يعرف بـ (تنظيم الضبّاط الوطنيين) الذي أسسه رفعت الحاج سري آنذاك، وكان على علم ودراية بالمحاولات السابقة للإطاحة بالحكم، عامي 1952 و1956”.

أول رئيس

في أعقاب الإطاحة بالنظام الملكي بالعراق في 14 يوليو 1958، اختير الفريق الركن محمد نجيب الربيعي، ليتولى منصب رئيس مجلس السيادة ورئيس الجمهورية حتى 8 فبراير/شباط 1963.

ومجلس السيادة الذي كان يضم الأعضاء خالد النقشبندي ومحمد مهدي كبة، وهو هيئة رئاسية مؤقتة بمثابة رئاسة الجمهورية هدفها التهيئة لانتخابات رئاسة الجمهورية بعد ستة أشهر من حركة 1958.

وبقي الربيعي رئيسا لمجلس السيادة لغاية عام 1959، حين حل عبد الكريم قاسم مجلس السيادة، لكنه بقي رئيسا للجمهورية حتى انقلاب فبراير/شباط 1963، الذي أطاح بقاسم وتولى بعد ذلك عبد السلام عارف رئاسة الجمهورية الذي حصر بيده جميع الصلاحيات.

ومن المعروف تاريخيا أن منصب رئيس مجلس السيادة ورئاسة الجمهورية التي شغلها الربيعي كانت مناصب تشريفية حيث كانت السلطة الحقيقية بيد رئيس الوزراء عبد الكريم قاسم والذي كان في نفس الوقت القائد العام للقوات المسلحة في العراق ووزير الدفاع.

وتمت مراعاة تمثيل المكونات العراقية الكبرى في المجلس فاختير الربيعي رئيسا لمجلس السيادة رئيسا للجمهورية وهو عربي سني ليكون عربيا مثل الشيعة وسنيا مثل الكرد فيكون حلقة الوصل بين الاثنين.

إلى جانب عضوية محمد مهدي كبة وهو عربي شيعي وخالد النقشبندي وهو كردي سني، وبعد وفاة الأخير عين رشاد عارف سعيد بديلا عنه.

وتوفي الربيعي في 6 ديسمبر/ كانون ثاني 1965، وقد شيّع بموكب عسكري مهيب سار فيه أعيان بغداد ووجوهها وكبار ضباط الجيش والوزراء وكبار موظفي الدولة وحضر ممثل عن رئيس الجمهورية، وصلوا عليهِ صلاة الجنازة في جامع الإمام الأعظم ببغداد.

ثم دفنت رفاته بجوار أبيه وأخيه قرب ضريح والي بغداد العثماني رشيد باشا الكوزلكلي بمقبرة الخيزران وتعرف حاليا بمقبرة الأعظمية في بغداد.

اترك تعليقك


لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *