تاريخ محلة الفضل في بغداد يعود إلى فترات قديمة، حيث استوطنتها عوائل عريقة متعاقبة، منها قبائل العزة وطي والقراغول والعبيد وزبيد، وشهدت تجمعاً لأبناء تلك الأصول الطيبة. تتنوع السكان الحاليين بين بني هاشم الأجلاء والعنبكية وبني خالد، وذراري الخلفاء الراشدين والصحابة الكرام، إلى جانب الاتباع المعصومة والزهاد وقيس وغيرهم من العشائر العدنانية والقحطانية.
تتميز العوائل في محلة الفضل بقيم الفضيلة والعفاف والسؤدد والتقوى، وقد برز أفرادها في ميادين متعددة، بما في ذلك السياسة والفقه والأدب والتجارة. يتميز أبناؤها بتحصيلهم العليا في مجالات مثل الطب والهندسة والمحاماة، حيث شغلوا مناصب إدارية وتربوية وأسهموا في تقديم خدمات ومنافع للمجتمع.
تشكل محلة الفضل معالم تاريخية وآثارية، ومن بينها تكية السيد الشيخ كمر، المشهورة داخل وخارج العراق، والتي تعنى بخدمة الدين ونشر العلم والفضيلة والإحسان. يدير هذه التكية السادة الشيوخ من ذرية الشيخ كمر، وهم معروفون بالكرامات والبركات الإلهية. تحظى هذه الشخصيات بحب الناس بسبب الخدمات والطعام والخيرات التي يقدمونها، متماشين مع نهج رسول الله (ص) في الكرم والجود، ويسعون لنشر المعرفة والتمسك بالهدي الرشيد الذي اتبعه الصحابة والتابعون.
فعلاً، الفهم الصحيح للتاريخ هو خيرٌ يتبعه أفضل سلف. كما أوضح المؤرخ المحقق الدكتور عماد عبد السلام في كتابه “الأصول التاريخية لمحلات بغداد”، تقع محلة الفضل بين محلات خان لاوند والبارودية وحمام المالح، ويرجع اسمها إلى جامع الفضل القائم هناك، والذي يُعد من الجوامع القديمة. يُفترض أن تأسس على قبر الواعظ البغدادي الشافعي الفضل بن سهل بن بشر الاسفرائيني الذي وافته المنية في سنة 548 هـ.
وفقًا للدكتور عماد عبد السلام، أُطلق عليه اسم جامع الإمام الفضل في سنة 1092 هـ (1681م)، وقام والي بغداد سليمان باشا الكبير بتجديده في سنة 1210 هـ (1795م). استمرت هذه العمارة حتى العصر الأخير. كانت محلة الفضل في العصر العباسي جزءًا من محلة باب ابرز، وشهدت العديد من الوقفيات في هذا السياق التاريخي، والتي يطول ذكرها في هذا الإطار.
سجلت محكمة الشرعية اسم محلة (أبو الفضل) في سنة 1215 هـ (1800م) و1229 هـ (1814م). وفقًا لتحقيقات المؤرخ الدكتور عماد عبد السلام، يعتبر شارع تم الإشارة إليه في الوثائق المرتقية إلى بدايات القرن الرابع عشر الهجري جزءًا من المحلة، امتداحت إليه الإشارات حالياً من مدرسة الفضل الابتدائية إلى شارع الخلفاء. تُظهر هذه الوثائق سعة المحلة، تشمل حمام المالح وتمتد لتشمل جزءًا من محلة الحيدرخانة وأجزاءً من محلات أخرى.
منذ سنوات بعيدة، كُتبت مسودات كثيرة حول تاريخ هذه المحلة، وبعد اكتمالها تم التفاهم مع ناشر لطبعها مقابل ثمن زهيد قدره 100 ألف دينار. وعلى الرغم من مرور سنوات عديدة، إلا أن المخطوط ما زال قائمًا بسبب الظروف المالية الصعبة. يتطلع الكاتب إلى أن يُلقى هذا المخطوط اهتمامًا أكبر بمجرد حل أزمته المالية، وقد أثنى العديد من الشعراء على محلة الفضل بسبب سكانها الطيبين والمعالم المعروفة، مثل تكية الشيخ كمر.
من بين هؤلاء الأبناء، يبرز الشاعر الموهوب فؤاد طه محمد الهاشمي البغدادي، الذي خصص قصيدة رائعة بعنوان “(الفضل وأهلها)”، وقد قمنا بتضمينها في مقدمة كتابنا “(تاريخ محلة الفضل)”. في تلك القصيدة، يعبر عن تقديره لسكان محلة الفضل، ويصفهم بأهل الجود والإحسان، حيث يشبههم بحماة الدار ورواد الخير والبذل. يستخدم كلماته الجميلة لتصويرهم كأقمار تجمع بين جمال النجد وسهولة السهل، ويظهر فخرهم بالتاريخ والعدل. إنه يستخدم لغة أنيقة وأسلوباً سهلاً ليعبر عن مدى حبه لهم وتقديره لمكانتهم في بغداد، التي يصفها بأنها دنياه وعشق الناس لـ”الفضل”.