“لفة الفلافل” طعام فقراء وأغنياء العراق

“لفة الفلافل” طعام فقراء وأغنياء العراق

لا يمكن لسوق أو شارع في مدن العراق أن يخلو من الطعام الشعبي “لفة فلافل”، خصوصاً أنها رخيصة ولذيذة، ويمكن تناولها أثناء المشي أو الجلوس على الطرقات أو داخل المطاعم، وتنتشر العربات والأكشاك الصغيرة لبيعها. وفي الشوارع المكتظة بالمارة والمتسوقين، يتنافس بائعو هذه الأكلة لتقديم أفضل الخدمات لجذب أكبر عدد من الزبائن. لكن منهل مصلح، الذي مضى على عمله في هذه المهنة أكثر من 13 عاماً، لا يخشى منافسة أحد. يقول لـ “العربي الجديد”: “سوق الشورجة الذي يملك فيه محلاً صغيراً لبيع الفلافل يزداد فيه باعة هذا الطعام، سواء في محال ثابتة أو عربات”.

وجميع هؤلاء الباعة بحسب مصلح “يتنافسون في تقديم خدمات عدة ومختلفة، كالمقبلات المغرية، أو زيادة حجم اللفة الواحدة”. مع ذلك، لا يخشى المنافسة بسبب خلطته السرية الخاصة التي “لا يمكن لأحد أن ينافسني عليها. لذلك، يزداد عدد زبائني”. ويطلق العراقيون على أي شطيرة اسم “لفة” وجمعها “لفات”، وتعني لف الطعام بالخبز العراقي وتجهيزه على شكل شطيرة، وهي تسمية قديمة ظلت متداولة لتشمل الشطائر التي ظهرت لاحقاً. 

وعلى الرغم من كونها أرخص الأكلات السريعة، إلا أن بعض مطاعم لفة الفلافل في أحياء راقية، التي يبلغ بدل إيجاراتها والضرائب التي يدفعها أصحابها أضعافاً، تبيعها بأسعار مختلفة. ويقول ربيع البهادلي، الذي يملك مطعماً لبيع “لفات الفلافل” في حي الكرادة في بغداد، إنه يملك ثلاثة مطاعم لبيع لفات الفلافل في مدينة الصدر، أبرز المناطق الشعبية المكتظة في العاصمة العراقية. ويبيّن لـ “العربي الجديد” أن تكاليف مطاعمه الثلاثة في كل شهر تبلغ أقل من ربع كلفة مطعمه في الكرادة. لكن الأخير يدر أرباحاً أكبر من المطاعم الثلاثة.

يضيف البهادلي: “لا تختلف نكهة لفات الفلافل التي أقدمها في أي من مطاعمي الأربعة، ولا الخدمات. لكن مطعمي في الكرادة تميزه المنطقة، علماً أن سعر اللفة الواحدة في هذا المطعم ضعف سعرها في المطاعم الثلاثة الأخرى”. يضيف: “في مدينة الصدر، غالبية الناس فقراء، ويهمهم أن يتناولوا طعاماً سريعاً ورخيصاً. لكن في الكرادة، الوضع مختلف جداً كونها منطقة تجارية جاذبة للمتسوقين، وتبقى فيها الحركة حتى الصباح، ويأتي إليها الناس من مختلف الأحياء، وهم من مختلف المستويات الاجتماعية”.

ويتراوح سعر “لفة الفلافل” ما بين 500 و2000 دينار (40 سنتاً و1.8 دولار أميركي)، وذلك بحسب الخدمة المقدمة. وللفلافل العراقيّة خلطات عدة يبتكرها صناع الفلافل للتميّز، لكنها في الأساس تعتمد على مواد معروفة كالحمص والمعدنوس والبقدونس والبهارات. ويقول البهادلي إنّ “من يريد التميّز يحاول أن يضيف شيئاً على خلطة الفلافل. فإلى البقدونس والمعدنوس والشبنت، يأتي الهال وحبة البركة، فضلاً عن عمل خلطة خاصة من البهارات”. يضيف أنّ “سر تميّز الفلافل التي أصنعها يتمثل في نوع البهارات. أعد خلطة لا يمكن أن أبوح بها لأحد، وهذا سرّ المهنة”. وتتكون لفة الفلافل من “الصمون”، أحد أشهر أنواع الخبز العراقي، وتوضع في داخله حبات الفلافل بعد طهيها بالزيت، وتضاف إليها السلطة والطرشي ثم الصاص أو العنبة. والصاص صلصة مكونة من الدبس والخل والقرفة والفلفل والملح. أما العنبة، فهي صلصة مكونة من مجموعة من البهارات، والصلصتين، الصاص والعنبة، وتستخدمان في العراق فقط. وتتميز بهما “لفة الفلافل” وتضيف نكهة خاصة وشهية للفلافل، ما يجعل لفة الفلافل العراقية تتميز عن مثيلاتها من أكلات الفلافل في المنطقة.

يرى كثيرون أن “لفة الفلافل” طعام الفقراء، كما بالنسبة لحيدر صالح الذي يعمل في صبغ الأحذية. حيدر شاب في العشرين من العمر، يقول لـ “العربي الجديد” إن إعاقته في قدمه تمنعه من مزاولة أعمال أكثر قساوة بمردود مادي جيد. لذلك، يعمل صباغاً للأحذية على رصيف في شارع الرشيد وسط بغداد. يضيف: “لا تؤثر لفة الفلافل التي أتناولها في دخلي. آكل لفتين إلى ثلاث لفات فلافل في اليوم الواحد، وأعمل لأكثر من عشر ساعات في اليوم. من الطبيعي أن أجوع خلال هذا الوقت الطويل ويتوجب علي أن أتناول طعاماً”، مشيراً إلى أن “لفة الفلافل حبيبتنا نحن الفقراء، فهي لذيذة ورخيصة”.

ليس الفقراء وحدهم من يأكلون لفة الفلافل، أو يمتهنون بيعها في عربات جوالة. بحسب محمد رباح، الذي يملك عربة لبيع لفات الفلافل، فإن “هذه الأكلة يحبها جميع العراقيين، وهي مشروع جيد لمن يبحث عن مهنة”. ورباح الذي تخرج في كلية الآداب قبل أربع سنوات لم ينتظر الحصول على وظيفة حكومية كما هو حال عدد كبير من الشباب العراقيين، لكنه فكر في مشروع يمكنه من بناء مستقبله. يقول لـ “العربي الجديد”: “لجأت إلى بيع لفات الفلافل في عربة جوالة”. يضيف: “أنا من أسرة كادحة. والدي يعمل في البناء، وقررت أن أعتمد على نفسي لبناء مستقبلي. بيع لفات الفلافل عمل يمتهنه كثيرون. إنه مشروع جيد لمن يحاول إيجاد عمل وكلفته بسيطة”. يضيف: “بالنسبة لمن لا يملك ثمن افتتاح مطعم فلافل، الأمر لا يكلف سوى القليل من المال لشراء عربة وتزيينها وشراء المعدات. لذلك، يلجأ إلى هذه المهنة العديد من الفقراء”.

اترك تعليقك


لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *