لأنهار العراق تاريخ معقد نظراً للتغير المستمر في مجاريها وهذا ما كان يحدث للفرات ايضاً. فمن المعروف ان الفرات كان يجري في العصور الاسلامية في الاتجاه الذي يجري في نهر الهندية الحالي، حيث يمر بالكوفة وينتهي بالبطائح ويعد الدكتور احمد سوسة هذا التحول الطور الخامس في سلسلة التحولات التي مرّ بها نهر الفرات والذي يرجع تاريخه الى نهاية القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر.
اخذ الفرات يجري باتجاه الكوفة بفضل المشروع الذي قام به آصف الدولة ـ وزير محمد شاه الهندي ـ من اجل ايصال المياه الى مدينة النجف الا ان المشرفين على المشروع قد حولوا اتجاهه وجعلوه يمر بالكوفة وغيرها من المدن الاخرى عوضاً عن جعله يجري مستقيماً وهذا ما اكده ابو طالب خان الذي زار المشروع اثناء مداومة العمل به حيث قال:
“امر اصف الدولة بحفر (نهر الهندي لارواء النجف ولكن باشا بغداد والناظر في شؤون القناة جعلوها تمر بالكوفة وعدة مدن اخرى بحيث لا تزال بعيدة الوصول الى موضعها المقصود والاعمال مداوم عليها.
عرف هذا النهر فيما بعد ب (نهر الهندية) واخذ يمر بالكوفة وهذا ماكتبه المنشيء البغدادي في رحلته عام 1822، حيث قال: “ويمر نهر الهندية قريبا من الكوفة. وجدير بالذكر فان القناة التي وصلت الى الكوفة عرفت(بكري سعد).
اخذ المجرى الجديد يتسع تدريجاً على حساب فرع شط الحلة الذي كان يؤلف مجرى الفرات الرئيس في ذلك الوقت وما ان حلت سنة 1885 حتى كاد فرع نهر الحلة ان يجف بفعل تحول مجرى مياه النهر تقريبا الى مجرى نهر الهندية. فعندما كتب لي سترنج Le strange عن انهار العراق عام 1905 أشارالى فرع الحلة بكونه المجرى الرئيسي لنهر الفرات الا ان المياه في عام 1909 أخذت تتدفق الى الجنوب في فرع الكوفة (نهر الهندية) وان فرع الحلة قد أصبح جافا حتى في الشتاء.
مهدت عوامل كثيرة لنشوء الكوفة الحديثة فعملية تحويل مجرى نهر الفرات الى الهندية وايصال الماء الى الكوفة قد صاحب عملية استقرار بعض القبائل العربية على جانبي النهر، كآل فتلهوبني حسن والحميدات وال شبل وال زياد وغيرهم وعملت هذه القبائل بمرور الزمن على استغلال مياه النهر والافادة منه لزراعة الاشجار والبساتين والمزارع الكثيرة.
صاحب عملية الاستقرار على جانبي النهر بناء بعض بيوت القصب ويحدد البراقي ذلك بعام 1290 هه / 1873 حيث يقول
فنزلها (اي الكوفة) بعض الزائرين بالقرب من مقام النبي يونس
عليه السلام فكثر سكانها فأحدثوا بساتين على جانبي الفرات بنوا
فيها حماماً وبركة للماء فأخذت البلدة بالعمران شيئاً فشيئاً.
ومن مقارنة هذا النص بما ورد في الرحلات الاوربية يبدوا ان عملية الاستقرار في الكوفة وبناء بيوت القصب فيها قد سبق هذا التاريخ ذلك ان جون اشر عضو الجمعية الملكية البريطانية بلندن عندما زار الكوفة في كانون الاول عام 1864 “اشار الى بعض الاكواخ القائمة على ضفة النهر”.
ومن المعلومات التي أردها الاستاذ (كامل سلمان الجبوري هناك اشارات الى بناء بيوت من البردي والقصب والسفن في الكوفة منذ عام 1280 هه/ 1860م مما جعلها تأخذ شكل قرية صغيرة وظلت تتطور حتى اصبحت عام 1300 هه/ 1882 م ناحية تابعة لقضاء النجف سنجق كربلاء ولاية بغداد.
صادف مجرى نهر الهندية اراضي منخفضة، فشق طريقه الى بحر النجف في الربع الاول من القرن التاسع عشر وغمرت مياه النهر مساحات واسعة في الاراضي فظهرت اهوار كثيرة منها: هور الدخن والعوينة وأبو طرفة وهور الكفل وبحيرة يونس وبحر الشنافية وبحر النجف حتى ان السفن القادمة من البصرة كانت تصل الى النجف عبر هذا المنخفض الاخير.
ومما يذكر في هذا الشأن ان فرع الهندية ظل ردحاً من الزمن يفيدالاراضي الممتدة في جانبيه بمياه الري والغرين الذي تحمله لكن الاهمال ادى الى ان يفيض فيغرق مساحات كبيرة من الارض، فتكونت عن ذلك بمرور الزمن مستنقعات وقد قدر(جون اشر) طول هذه المستنقعات (التي يراد بها بحر النجف) بحوالي 60 الى 70 ميلاً
حصلت تطورات كثيرة في ثمانينيات القرن التاسع عشر ففي عام 1887 ـ كما يقول الشيخ حمود الساعدي ـ سعى وكيل السنية (دائرة الاراضي التابعة لاملاك الدولة العثمانية واسمه عبد الغني الى تجفيف بحر النجف لغرض الاستفادة من ارضه عندئذ تحول المرسى من النجف الى الكوفة الحالية, التي اطلق عليها اول الامر شريعة الكوفة لكون ان الكوفة القديمة كانت مندرسة ولم يبق منها سوى مسجدها التاريخي
وعند مقارنة هذا التاريخ ـ 1887 ـ بما ورد في المصادر والرحلات الاوربية نجد ما يؤيد ذلك فهذا جون بانيت بيترز الذي ركب احدى السفن في بحر النجف كتب لنا كتابه “نفر او اكتشافات ومغامرات على الفرات 1889 -1890 ” عن ظاهرة قطع الفرع الموصل الى النجف وجفاف (بحر النجف) بقوله
“ولقد اندهشت كثيرا لانه في خلال السنوات القليلة الماضية، جف الجزء الغربي العميق الذي كان يصل الى النجف بصورة كلية، ونتيجة لذلك فان القوارب لم تعد قادرة على الوصول الى هذه المدينة.
اما الجزء الشرقي من الماء الضحل فما زال كما هو موصوف في الخرائط وان جزءاً من القسم الشرقي ليس الا بطائح تجف في الخريف والشتاء، ولكنها تبرز في موسم الربيع والصيف على شكل جزر في وسط المياه”.
ان التطورات التي اعقبت جفاف بحر النجف قد قادت الى ازدياد اهمية الكوفة حيث اخذت السفن الواردة من البصرة الى النجف تحط في الكوفة بدلا من النجف فساعد هذا على نمو الكوفة وتطورها.
مهدت عوامل كثيرة لنشوء الكوفة الحديثة فعملية تحويل مجرى نهر الفرات الى الهندية وايصال الماء الى الكوفة قد صاحب عملية استقرار بعض القبائل العربية على جانبي النهر، كآل فتلهوبني حسن والحميدات وال شبل وال زياد وغيرهم وعملت هذه القبائل بمرور الزمن على استغلال مياه النهر والافادة منه لزراعة الاشجار والبساتين والمزارع الكثيرة.
صاحب عملية الاستقرار على جانبي النهر بناء بعض بيوت القصب ويحدد البراقي ذلك بعام 1290 هه / 1873 حيث يقول
فنزلها (اي الكوفة) بعض الزائرين بالقرب من مقام النبي يونس عليه السلام فكثر سكانها فأحدثوا بساتين على جانبي الفرات بنوا فيها حماماً وبركة للماء فأخذت البلدة بالعمران شيئاً فشيئاً.
ومن مقارنة هذا النص بما ورد في الرحلات الاوربية يبدوا ان عملية الاستقرار في الكوفة وبناء بيوت القصب فيها قد سبق هذا التاريخ ذلك ان جون اشر عضو الجمعية الملكية البريطانية بلندن عندما زار الكوفة في كانون الاول عام 1864 “اشار الى بعض الاكواخ القائمة على ضفة النهر”.
ومن المعلومات التي أردها الاستاذ (كامل سلمان الجبوري هناك اشارات الى بناء بيوت من البردي والقصب والسفن في الكوفة منذ عام 1280 هه/ 1860م مما جعلها تأخذ شكل قرية صغيرة وظلت تتطور حتى اصبحت عام 1300 هه/ 1882 م ناحية تابعة لقضاء النجف سنجق كربلاء ولاية بغداد.
ولعل من العوامل المهمة في تطورعمران بلدة الكوفة الحديثة ما اعقب جفاف بحر النجف وشحة المياه في مدينة النجف عام 1305 ﻫ / 1887م حيث اقدم الناس ـ كما يؤكد ـ البراقي ـ على بناء الدور والاسواق والحمامات في الكوفة.
ان نشوء بلدة الكوفة الحديثة واتساعها على ضفة النهر وحول المسجد قد اثار انتباه الرحالة الأوربيين وان اختلفوا في وصفها فالرحالة الامريكي بيترز peters الذي زار الكوفة عام 1890 ولم يحسبها سوى قرية صغيرة حيث قال:
” ولا يرى (في الكوفة) الا بقايا اسس بناء مازالت مبثوثة قرب المسجد او انها مبعثرة ما بين اشجار النخيل والاكواخ وهي دلائل لقرية حديثة بائسة وحتى هذه البقايا سرعان ما اختفت لانها اصبحت المادة الرئيسية في البناء لأهل النجف.
واعطى سير وليس بدج صورة “البلد للكوفة الا ان هذه الصورة لم تكن مشرقة في نظره حيث يقول عام 1890 ـ 1891″كانت حالة البليدة (الكوفة تاعسة وبيوتها متداعية كما ان الارض المحيطة بها لاتعدو ان تكون بلقعا خراب “.