عرف البغداديون الهاتف (التليفون) عام 1919 عندما قامت سلطات الاحتلال البريطاني بنصب محطات اللاسلكي والهاتف بما يتناسب واغراضها العسكرية، حيث نصبت في بغداد بدالة يدوية صغيرة في جانب الامام الاعظم رُبط بها عدد من الهواتف الخاصة بالدوائر الرسمية كما وضعت بدالة في الكرادة الشرقية ذات (350) رقم هاتف سميت (بدالة الجنوب)، الى جانب ذلك نصبت بدالات يدوية في مراكز الالوية.
وبعد تاسيس النظام الملكي في العراق عام 1921 دخل الهاتف الى البيت البغدادي على نطاق محدود جداً، واول بيت دخله الهاتف هو بيت توفيق السويدي وقد حمل رقم (2). وكانت طريقة الاتصال بالاشخاص تتم عن طريق تدوير القرص لكي يتصل بالبدالة حيث يقوم مأمورها بالحصول على الرقم المطلوب.
وقامت مديرية البريد والبرق التي اصبح الهاتف مرتبطاً بها وتعرف بمديرية البريد والبرق والهاتف بعمل كبير في تطوير هذه الخدمات وايصالها الى ابناء المجتمع بعد بذل جهود كبيرة، لعدم توفر كادر فني عراقي يقوم بالعمل فضلاً عن تحكم الفنيين البريطانيين وسيطرتهم المطلقة على شؤون المديرية وتنظيم معاملاتها باللغة الانكليزية.
اما عن الهواتف العمومية فقد وضعت لاول مرة في بغداد بدائرة البريد في باب الاغا بالقرب من جامع مرجان في 15 نيسان 1927 لعدم اقبال الناس على وضع الهواتف في بيوتهم. الامر الذي دعا ارشد العمري المدير العام للبريد والبرق والهاتف الى اصدار منشور برقم (23) وبتاريخ 15 أذار 1931 قرر فيه منح مبلغ نقدي قدره (10 روبيات) [ أي ما يعادل حوالي 750 فلساً عراقياً ] مكافأة نقدية لكـل موظف بريدي. يقنع مواطناً على نصب هاتف في مسكنه او محله. لذلك كان عدد الهواتف المركبة قليلة في عموم المملكة ولم يتجاوز عددها حتى عام 1932 (1876) هاتف فقط.
اهتمت مديرية البريد والبرق والهاتف بنصب بدالات جديدة ومتطورة في مدينة بغداد، فقد قامت في 13 أب 1938 بنصب بدالة بغداد بسعة (5000) رقم، وكانت قابلة للزيادة الى (12000) رقم. وفي سنة 1940 سعت الى انشاء مشروع الهاتف الأوتوماتيكي واستقدمت لهذا الغرض اربع مهندسين من بريطانيا للمباشرة بتنفيذ المشروع،وبعد وصولهم الى بغداد شرعوا بحفر الشوارع والطرق لمد القابلوات (الكيبلات) واستعانوا بالعمال العراقيين تحت اشراف المهندسين البريطانيين، وبعد ان استوردت المديرية مختلف الآلات والأدوات اللازمة لذلك ثم تم بناء محطة مركزية للبدالة في محلة السنك.تضم البدالة المركزية (5000) رقم وكانت قابلة للزيادة الى (10.000) رقم اخرى أي ان الطاقة العليا (للقابلو) كانت (10.000) رقم وكان عدد المشتركين في العاصمة (2000) شخصاً فقط.وقامت مديرية البريد بتنظيم عمل البدالة ووضع آلة خاصة على اجهزة الهاتف لتسجيل عدد مرات التخاطب لغرض استيفاء الاجور حسب تكرار المخاطبات. وفي عام 1943 تم تشغيل بدالة الغرب الأوتوماتيكية في جانب الكرخ بسعة (5000) رقم وكانت قابلة للزيادة الى (12000) رقم وبذلك ازداد عدد المشتركين في الهواتف.
كانت معاملات البريد والبرق والهاتف تنجز حسب تعليمات تلغراف العراق التي وضعها القائد العام للقوات البريطانية سنة 1920 حتى صدور قانـون المواصـلات السلكية واللاسلكية المرقم 29 لسنة 1943 فحل محل القانون الاول. الامر الذي ساعد على مد خطوط الاتصالات (السلكية واللاسلكية) بين بغداد ودول العالم بشكل مباشر، فتم سنة 1946 فتح الاتصال المباشر بين دمشق وبغداد لتبادل البرقيات كذلك بين بغداد وصنعاء في السنة نفسها، وتم فتح اتصال مباشر بين بغداد والقاهرة في1 مايس 1948. كذلك تم نصب بدالة أوتوماتيكية في الاعظمية في 31 آب 1949، سميت بدالة الشمال بسعة (2000) رقم هاتف وازداد عدد الهواتف في العام المذكور الى 14596 وازدادت الأجور الى (177520) ديناراً.
وفي بداية الخمسينيات شهدت المواصلات البرقية والهاتفية توسعاً كبيراً بفعل التطورات الاقتصادية والاجتماعية التي طرأت على المملكة فتم تأسيس مصلحة تلفون لاسلكي مع مصر، لندن، ايرلندا،فرنسا، سويسرا، الولايات المتحدة الامريكية، كندا، هولندا،بلجيكا، وبوشر بتبادل البرقيات بين بغداد – ونيويورك بتاريخ 19 شباط 1951، وبين بغداد – عمان بتاريخ 1 حزيران 1951 وبين بغداد – لندن بتاريخ 1 تموز من السنة نفسها، وكانت خطوط المواصلات السلكية واللاسلكية الموجودة في العراق لغاية 1952 بين بغداد وعواصم الدول العربية والاجنبية هي:
بغداد – عمـان.
بغداد – طهران.
بغداد – دمشـق.
بغداد – الرياض.
بغداد – القاهـرة.
بغداد – لنـدن.
بغداد – نيويورك.
بغداد – صنعـاء.
وبعد منتصف عقد الخمسينيات تطورت اتصالات البريد والبرق والهاتف بشكل كبير بين بغداد – والمدن العراقية من جهة، ومع عواصم الدول العربية والاجنبية من جهة اخرى.
اما اجهزة الاتصال الاخرى التلكس (وهو,عبارة عن جهاز يشبه الإله الطابعة يتصل بجهاز اخر مماثل داخل القطر وخارجه وما تطبعه احد الالتين تطبعه الاخرى بعد اجراء اتصال عن طريق البدالة بنفس اسلوب الهاتف وهو يجمع محاسن الهاتف والبرقية وفي العهد الملكي كانت تستعمل الخطوط الهاتفية لاجراء اتصال التلكس..) والمايكرويف، وهي من وسائل الاتصال الحديثة، فقد اقتصر وجودها على مدينة بغداد دعماً لمركزها السياسي والاقتصادي لعقد الصفقات التجارية الفورية بشكل وثائقي.
يتضح لنا مما تقدم ان الاتصالات الحديثة قد تركزت في مدينة بغداد حصراً لا غيرها من المدن العراقية الاخرى مما كان له الاثر الفاعل في الحياة الاقتصادية والاجتماعية لتوفير الخدمات الضرورية لابناء المجتمع البغدادي المواكب للتطور الذي كان يشهده العالم انذاك وفق مقاييس الحقبة الزمنية موضوع الدراسة.