كيف تأسست جمعية الهلال الأحمر العراقية؟

كيف تأسست جمعية الهلال الأحمر العراقية؟

رحلة هنري دونان، رجل أعمال سويسري، إلى مدينة سولفرينو في شمال إيطاليا في 24 يونيو 1859، كانت متوقعة لتحقيق أرباح تجارية، ولكن ما انقلبت الأمور رأساً على عقب. بدلاً من التفكير في الأمور المالية، وقعت حروب وانفجارات، وتبدلت الأحوال، حيث هرب الناس بينما تعالت أصوات الفوضى والموت. في هذا السياق، كان هناك تواجد مروع يرافقه الخوف والهلع.

هرع هنري دونان بفزع وخوف إلى مكان الفوضى، يحاول فهم ما حدث، وسط صراخ المصابين وأصوات الانفجارات. ومع تجمع الناس الفارين، أصبح يشعر بمسؤولية تجاههم، حيث يشارك في مساعدة الناس وتقديم الدعم خلال هذه اللحظات الصعبة. بدأ هنري دونان يدرك بأنه وقع في قلب الحرب، تاريخ يكتنفه الخطر والخلود للذكرى.

شن الفرنسيون والإيطاليون هجومًا عسكريًا على النمساويين الذين احتلوا تلك المناطق، وفي هذا السياق، حاول هنري دونان تحفيز عزيمته لمواجهة الأحداث المروعة التي ستحدث. وخلال ساعات قليلة، شهد بنفسه مأساة لم يراها أحد، وسمع صوت الانفجارات وشاهد تدفق الدماء والخراب الذي حل بهذه الأماكن الجميلة. لم تكن للإنسان قيمة أمام النزاع بين الجانبين، وكانت الخدمات الصحية غير قادرة على تلبية حاجات الجرحى والمحتضرين.

في هذا السياق، أنقذ هنري دونان ضمائره ورفع عنها الخوف والهلع، حيث نادى بنداءات الإغاثة لسكان القرى المجاورة. استجاب الفلاحون الذين لازالت تربتهم خالية من الفساد بسماع نداءات الإغاثة، وجاءوا لمساعدة الجرحى بلا تمييز، ففي عيون هنري، كان الجريح والمحتضر والقتيل إنسانًا متساويًا بغض النظر عن جنسيته.

في تلك اللحظات الصعبة، اكتشف هنري أن ضمائر الناس هي مستودع خصب لبذور الخير والبطولة، وأن ثمارها، كالإنسانية، هي أساس الحياة التي لا يمكن أن تستمر بدونها.

عاد هنري دونان إلى سويسرا، حاملاً معه صورة مروعة للموت ورعب الحروب، ولكن أيضاً انعكاسًا لجلال الخير في قلوب الناس. بدأ يفكر بعمق في كيف يمكن تحفيز هذا الخير وتنميته في البشر ليتحول إلى خدمة إنسانية. بينما كان يراقب تأثير المستنبتات الإنسانية، وكيفية نمو نوازع الخير، تساؤل عن دور الوعظ والإرشاد في هذا السياق.

سجَّل هنري ذكرياته من (سولفرينو) في مذكراته، وبدأت الأفكار تتدفق في عقله. قام بتأليف كتاب نشره في عام 1863 بعنوان “تذكار سولفرينو”، قام بتمويله بماله الخاص وأرسل نسخًا منه إلى العائلات الحاكمة في أوروبا ورجال السياسة وتجار الحروب والمثقفين ورعاة الأخلاق.

كانت هذه الرسالة تحمل فعالية غير متوقعة، وكان لها تأثير عميق على الهيئات الإنسانية في أوروبا. في ذلك الوقت، قام محام يُدعى (غوستاف موانييه) بتأسيس جمعية خيرية في جنيف وأثرت قراءة الكتاب فيه بشكل كبير. انضم هنري دونان و(غوستاف) إلى لجنة أسست لتكون بداية للعمل الإنساني الواسع، أصبحت تُعرف فيما بعد بـ “اللجنة الدولية لإغاثة الجرحى”، وعُقد أول اجتماع لها في 17 شباط 1863.

كانت هذه اللجنة هي البذرة التي نشأت منها جمعيات الصليب الأحمر، وكانت أيضًا نقطة انطلاق لتطوير القانون الدولي الإنساني الحديث. ومن هذه اللجنة نشأت جمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر، لتشكل اليوم جزءًا حيويًا من العمل الإنساني العالمي.

في عام 1864، اجتمع ممثلو عشر حكومات في جنيف للتوصل إلى اتفاق يشكل الأساس للعمل الإنساني، ونتج عن هذا الاجتماع نصٌ قانوني أصبح يُعرف لاحقًا باسم “اتفاقية جنيف الأولى”. على هذا الأساس، ازدادت عدد الحكومات الملتزمة بهذه الاتفاقية، ووقعت أربع اتفاقيات جديدة في عام 1949. تركز هذه الاتفاقيات على احترام الجوانب الإنسانية خلال النزاعات المسلحة، وتحث على حماية غير المشاركين المباشرين في المعارك، سواء كانوا مرضىً أو جرحىً أو أسرى.

وتنص الاتفاقية الرابعة التي وُقِّعَت في عام 1949 على حماية الأفراد المدنيين في أراضي العدو والأراضي المحتلة. وبموجب هذه الاتفاقيات، التزمت الدول بالنقاط الرئيسية التالية:

  1. تقديم العلاج للأصدقاء والأعداء على نحو متكافئ.
  2. احترام الإنسان وكرامته، واحترام حقوق الأسرة والمعتقدات الدينية، وتوفير حماية خاصة للأطفال.
  3. حظر المعاملات اللاإنسانية مثل احتجاز الرهائن والابادة والتعذيب والإعدام بدون محاكمة، والنهب وتدمير الممتلكات الخاصة بدون مبرر.
  4. السماح لمندوبي اللجنة الدولية للصليب الأحمر بزيارة الأسرى والمحتجزين المدنيين ومقابلة المعتقلين دون وجود رقيب.

مع تطور الإنسانية عبر السنوات وانبعاثهم من وحشية الحياة الحيوانية، وجدوا أن الاتفاقيات التي عقدت في عام 1949 لم تكن كافية لتطوير النزعة الإنسانية لديهم. في عام 1965، اجتمع ممثلو عشر حكومات خلال المؤتمر العشرين في فيينا، حيث أعلنوا عن سبعة مبادئ أساسية للجنة الدولية، ترتكز على الأخلاق والإنسانية والحياد والاستقلال والتطوع والوحدة والعالمية.

بعد سنوات عديدة، تم اقتراح إضافة نصوص جديدة، وهكذا في عام 1977، وقع مؤتمر دبلوماسي في جنيف على بروتوكولين لاحقين لاتفاقيات جنيف الأربع السابقة، يصلحان للعمل في حالات النزاع المسلح الدولي وغير الدولي. ويعترفان بحق اللجنة الدولية في التصرف أثناء نشوب الحروب وتقديم خدماتها للمتقاتلين، وبحقها في اتخاذ مبادرات إنسانية في الحالات التي لا تشملها الاتفاقيات أو البروتوكولات.

في وقت الحرب والحروب الأهلية والاضطرابات أو التوترات الداخلية، تتدخل اللجنة الدولية كوسيط محايد بشكل خاص، تسعى لتقديم الحماية والمساعدة للمدنيين والعسكريين المتضررين بسبب هذه الأوضاع. وهكذا بلور نظام اللجنة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر، ونص النظام يشير إلى أن اللجنة هي جمعية خاصة مستقلة وسويسرية، محايدة على المستويات السياسية والدينية والأيديولوجية، وتكتسب طابعاً دولياً بناءً على مهمتها الراسخة في اتفاقيات جنيف.

تعتبر المنظمة، بعد مسيرتها التاريخية المليئة بالخدمات الإنسانية، منظمة فعّالة تعمل على مدار الساعة في جميع أنحاء العالم، ورغم تباين نشاطها بين التفوق والتعثر، يعكس ذلك الأوضاع السياسية وأنظمة الحكم في كل بقعة.

تواجه العاملون في المنظمة تحديات مستمرة تشمل الاختطاف والمواجهات، وأحيانًا حتى التعرض للإهانة والاعتقال، ويتعرضون لعراقيل تعيق أداء واجباتهم. ومع ذلك، أعلنت المنظمة أنها استطاعت زيارة أكثر من نصف مليون سجين سياسي في 95 بلدًا مختلفًا، وفي حملة أخرى بين عامي 1980 و1985، قام مندوبو اللجنة بزيارات إلى 12,250 مركز اعتقال متنوعة. سجلت المنظمة حوالي 1,510,000 معتقلا سياسيًا خلال تلك الفترة.

تمكنت المنظمة من جمع شمل مئات الآلاف من العائلات المشردة وتقديم المساعدات للآلاف من المقعدين في مناطق مختلفة، وقد وزعت مساعدات على ضحايا النزاعات بقيمة تقدر بحوالي ملياري فرنك سويسري.

وفي المجال الصحي، تسعى المنظمة إلى الوقاية ومكافحة الأمراض المعدية بين المتضررين من الكوارث واللاجئين والمشردين والأسرى والمعتقلين. تقوم بتقديم التوعية الصحية، والرعاية الصحية الأولية، وتأمين العيادات والمستشفيات، وتقديم الدعم النفسي وإدارة مخيمات اللاجئين. كما تعمل على توفير المأوى وإدارة مخيمات اللاجئين، وتقديم المياه النقية ورعاية البيئة. تروج للقانون الدولي الإنساني والمعايير الإنسانية وتبني مبادرات متعددة للدعم الإنساني.

يتعاون الاتحاد الدولي مع عدة منظمات عالمية، منها “أوكسفام”، وصندوق إنقاذ الطفولة، وأطباء بلا حدود، ومجموعات كنسية، ومنظمة العمل الدولي لمكافحة الجوع، ومنظمات حقوق الإنسان، ومنظمة الصحة العالمية، وبرنامج الأغذية العالمي، ومفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. في عام 1994، وبالتعاون مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر وست منظمات غير حكومية، وضع الاتحاد مدونة سلوك مهنية، تحتوي على معايير أخلاقية عالمية للمساعدة الإنسانية. تهدف هذه المدونة إلى تعزيز استقلالية وفاعلية العمل الإنساني، وتعتمد على التصميم الخاص بكل منظمة لاحترام المعايير الإنسانية عند تنفيذ برامج الإغاثة.

تأسست هيئة مركزية لجمعية الهلال الأحمر العثماني في بغداد أثناء الحرب العالمية الأولى، حيث جمعت التبرعات وأسست مستشفى للهلال يحتوي على 300 سرير في بناية الأعدادية العسكرية. أقيم مستشفى آخر في العمارة يحتوي على 300 سرير، ونقلت سفن نهرية تحمل 80 سريرًا لكل منها. ساهمت السيدات العراقيات في جمع التبرعات وصنع الملابس لعائلات الجنود والضباط الذين شاركوا في الحرب.

تأسست جمعية الهلال الأحمر العراقية في عام 1932، بعد استقلال العراق، وقبل انضمامه إلى عصبة الأمم المتحدة، برعاية الملك فيصل الأول. دعا أمين العاصمة آنذاك، السيد أرشد العمري، وجهاء وأشراف ومفكري الدولة، إلى اجتماع لمناقشة فكرة تأسيس جمعية للهلال الأحمر. وبعد المداولة، تم انتخاب هيئة تأسيسية ووضع نظام أساسي للجمعية.

جمعت الهيئة العامة في تاريخ 1 مارس 1932 وانتخبت هيئة إدارية تضم ثمانية أفراد لإدارة شؤون الجمعية والتفرغ لمسؤولياتها، مع التركيز على تطوير مواردها لتقديم الخدمات بكفاءة وفقًا لنظام الجمعية. تحديد أهدافها كانت كالتالي:

في الحروب:

  • مساعدة جرحى الحرب والمنكوبين، وتخفيف معاناتهم بكافة الوسائل الممكنة بالتعاون مع الهيئات الصحية والعسكرية.
  • تقديم المعونة الصحية لمرضى الحرب وجرحاها دون تمييز بين صديق وعدو، وفقًا للاتفاقيات الدولية.

في أوقات السلم:

  • الإسعاف للمنكوبين الذين يتعرضون لنوازل مفاجئة داخل البلاد وخارجها.
  • فتح مستوصفات ومراكز إسعاف أولي لرعاية أفراد الشعب في الظروف الطارئة.
  • تدريب المتطوعين في مجالات الإسعاف والتمريض، وتأهيلهم لحالات الطوارئ.
  • المشاركة عند الحاجة في الجهود المشتركة مع الجمعيات الخيرية الأخرى.

تمتلك الجمعية فروعًا في معظم المحافظات تعمل وفق مبادئ الهلال وتتبع توجيهاته، كما تتناغم مع المركز العام في بغداد. هناك أيضًا فروع نسوية في بعض مراكز المحافظات تقدم خدمات اجتماعية متنوعة وتشارك في أعمال الإنقاذ والإسعاف في حالات الطوارئ الناتجة عن الكوارث الطبيعية والحروب.

اترك تعليقك


لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *