يعود تاريخ الآشوريين، الذين يعتبرون قومًا ساميًا، إلى الألف الثالث قبل الميلاد، حيث كانوا يقيمون في شمال العراق. امتهن أمراءهم السعي للاستقلال في مدنهم، محاولين التخلص من حكم الدول الواقعة في جنوب العراق. خضعوا لحكم المملكة الأكدية، وبعد ذلك استقل بعض أمرائهم في العهد الكوتي، لكنهم خضعوا مرة أخرى لملوك سلالة أور الثالثة. ظهرت في تلك الحقبة ملوك أقوياء، حيث كانت مملكة آشور القديمة دولة مستقلة حتى وجود حمورابي ملك بابل الذي قضى عليها.
في فترات مختلفة، سيطر الجنوب أحيانًا على بلاد الملوك الآشوريين، وسادت أنظمة حكم مختلفة، وتاريخهم توارثه قوائم ملوك مشهورة، مثل قائمة خرسباد التي جرى توثيقها في زمن سرجون (722 – 705 ق.م). امتدت هذه الحقبة الزمنية لفترة طويلة، وبما أنها شهدت العديد من الحوادث والأحداث، فقد قام علماء الآثار بتقسيمها إلى عهود مختلفة.
فترة العهد الآشوري القديم تمتد من بزوغ تاريخ الآشور حتى نهاية فترة حكم سلالة بابل الأولى. في الألف الثالث قبل الميلاد، لم يكن للآشوريين كيان سياسي مستقل، بل كانوا تحت تأثير حضارة السومر وسيطروا عليهم الحكومات والإمبراطوريات المحلية. ووفقًا لتوثيقات الملوك، كانت السبعة عشر حاكمًا الأولين من الآشوريين ينحدرون من سكنة الخيام، ثم دانوا للحكم الأكدي وشاركوا في نشر الحضارة العراقية وتعزيز التجارة نحو الأقاليم الشمالية.
في العهد الكوتي، استقل بعض أمرائهم، وتم ذكر أسماء بعضهم في السجلات الآشورية القديمة. على سبيل المثال، ذُكر الأمير “كيكيا” بأنه شيد أسوار مدينة آشور، بينما قام الأمير “أوشبيا” ببناء معبد لإله آشور. كلا الاسمين لهما أصول سومرية. يشير هذا إلى أن الآشوريين، الذين كانوا يعيشون في شمال شرق الرافدين، تأثروا وتداخلوا مع العناصر السومرية ليشكلوا العنصر الآشوري.
بعد ذلك، خضع الآشوريون لحكم الجنوب خلال فترة سلالة أور الثالثة، حيث ذكرت السجلات أن “زار يقوم” الآشوري كان معاصرًا للملك امارسن من سلالة أور الذي حكم في حوالي (2045 – 2037 قبل الميلاد). ومن ثم، شهدت بلاد آشور تقدمًا نحو الاستقلال تدريجيًا. في زمن “ايلوشوما”، الذي كان معاصرًا لمؤسس سلالة بابل الأولى والذي حكم في حوالي (1894 – 1881 قبل الميلاد)، أصبحت بلاد آشور مستقلة، وامتد نفوذها إلى الجنوب. كما حققت مملكة آشور القديمة نفوذًا عظيمًا في زمن “شمشي أداد” (1815 – 1782 قبل الميلاد)، الذي فتح العديد من المدن في وسط العراق وعلى ضفاف نهر الفرات، مثل مدينة مارى (تل الحريري اليوم). وفي أواخر حكمه، قضى حمورابي على استقلال بلاد آشور.
كانت عاصمة العهد الآشوري القديم مدينة آشور، وهي من أقدم المدن الآشورية وأقدسها، تقع على بعد نحو ثمانين كيلو مترًا جنوب الموصل، على يمين نهر دجلة. أجرت بعثة متحف برلين الألماني بحفريات في الموقع خلال اثنتي عشرة سنة من بداية القرن الحالي، كشفت فيها عن معابدها وقصورها وقبور ملوكها وسائر معالمها. وعثرت على آثار تعود إلى الفترات السومرية والأكدية والآشورية.
الفترة الوسطى للعهد الآشوري تبدأ من نهاية مملكة بابل الأولى، تمتد خلال حكم الكشي، وتنتهي في بداية القرن التاسع. بقيت بلاد آشور تحت الحكم البابلي حتى سقوط بابل بيد الحثيين في القرن السادس عشر قبل الميلاد. بعد انحسار الحثيين، احتلها الكشيون وأسسوا دولة الكشيين التي حكمت جنوب العراق. في الشمال، ظهرت أمراء آشوريون قويون نجحوا في تثبيت السلطة خلال القرن الخامس.
خلال هذه الفترة، واجه الآشوريون تحديات كبيرة من قبل القبائل الآرامية والشعوب الجبلية مثل الحوريين. كانت المملكة الميتانية قوية في وسط العراق، في منطقة كركوك، بالإضافة إلى مواجهتهم للدولة الحثية في الأناضول التي كانت تسيطر على نهري الفرات الأعلى والخابور. تعبيرًا عن طموحهم، سعى ملوك الكشيين القويين لتوسيع نفوذهم شمالًا.
استمرت هذه الظروف السياسية المعقدة لخمسة قرون، خلالها تغلب الآشوريون على التحديات والصعوبات، نشأوا بعدها بقوة ونموا تنمية كاملة على الصعيدين السياسي والاقتصادي. في هذا السياق، انعمت الدولة الآشورية الوسطى في زمن: [الفترة التي لم يُحدد اسمها].
آشور أوبلط (1365 – 1330 قبل الميلاد) هو الشخصية التي انطلقت منها فترة العهد الآشوري الوسيط. قام بإلحاق المملكة الميتانية وسط العراق بالدولة الآشورية، وكان له علاقات طيبة مع الحثيين والفرعون أخناتون في مصر. أيضاً، عمل على توسيع نفوذه في بلاد بابل، حيث زوج ابنته من الملك الكشي.
فيما بعد، تولى شلمنصر الأول (1274 – 1245 قبل الميلاد) الحكم، حيث اتسع نفوذ الدولة الآشورية شرقاً، خاصة في المنطقة الجبلية، وامتد نحو الغرب والجنوب. اشتهر هذا الملك ببناء عاصمة جديدة تُعرف اليوم بـ”كالح”، والتي تُعرف حاليًا باسم نمرود. وبعد فترة حكمه جاء ابنه توكلتي ننورتا (1244 – 1208 قبل الميلاد)، الذي حارب الكشيين وفتح بلاد بابل، لكن وقعت فتنة في آشور، حيث تم قتل الملك، وبدأت فترة من الاضطرابات والانحطاط.
وفي منتصف القرن الثاني عشر، هاجم العيلاميون بابل، إنهاء حكم الدولة الكشية ونهبوا كنوز المعابد والنقوش، بما في ذلك مسلة حمورابي الشهيرة. استمرت فترة التراجع في آشور، حيث حدثت صدامات بين الآشوريين والبابليين في زمن الملك نبوخذ نصر الأول، وأخيرًا تسلمت الحكم في آشور: [الملك الذي لم يُحدد اسمه].
تجلى تبلاسر الول (1115 – 1077 قبل الميلاد) كملك حازم أعاد إلى الدولة سيادتها، حيث استولى على المناطق الشرقية والشمالية في نواحٍ نائية مثل نائري وأرمينيا، ووصل إلى البحر الأسود. ثم اتجه غربًا نحو سواحل آسيا الصغرى وفينيقيا. في تلك الفترة، كانت الموجات البلقانية تقترب من سواحل آسيا الصغرى وسوريا، وقاد تجلا تبلاسر هجومه على بلاد بابل (المعروفة آنذاك باسم “كاردنياش”) وأخضعها في عام 1100 قبل الميلاد. حكم تجلا تبلاسر شمال البحر الجنوبي إلى البحر الشمالي وسواحل البحر المتوسط.
بعد وفاته، وبتولي حكام ضعفاء، تدهورت أحوال المملكة في ذلك الوقت. في القرنين الحادي عشر والعاشر، اندلعت صراعات مع القبائل الآرامية التي تحركت نحو الشرق، مما سبب عقبة قوية للتقدم الآشوري نحو الغرب وتسبب في ضعفهم. استوطنت هذه القبائل حدود المملكة الآشورية غربًا وفي سوريا، حيث شكلت دويلات آرامية متفرقة.
واستمرت فترة التراجع في بلاد آشور حتى تيسر قيام ملوك استطاعوا دعم كيان الدولة وتأسيس جيش آشوري جديد كنواة للجيوش الغازية في عصر الإمبراطورية.
العهد الآشوري الحديث ينقسم إلى فترتين، الإمبراطورية الأولى والثانية، وبينهما فترة انتكاس، وينتهي هذا العهد بسقوط نينوى في عام 612 قبل الميلاد.
في الفترة من 912 إلى 745 قبل الميلاد، تميزت الامبراطورية الآشورية الأولى بالتقدم والازدهار بعد فترة من الانتكاس. قاد ملوكها حملات ناجحة أسفرت عن القضاء على الدويلات الآرامية في سوريا، وتأمين المناطق الجبلية في الشمال والشرق، بما في ذلك بلاد أرمينيا.
شيدوا حصونًا استراتيجية في النقاط الجبلية الحيوية لضمان سلامة الإمبراطورية وحماية طرق التجارة والمواصلات. سجل ملوك هذا العصر تفاصيل رحلاتهم وحملاتهم العسكرية على مناشير وأساطين من الفخار أو الحجر، تم عرض العديد منها في القاعة الثانية عشر في المتحف العراقي.
من بين ملوك هذا العهد:
(912 – 891 قبل الميلاد) أداد نيراري الثاني، الذي أولى اهتمامًا خاصًا بتقوية الجيش الآشوري وتوسيع نفوذه، وأقام تحالفًا مع بابل.
تولاه بعده:
(884 – 858 قبل الميلاد) آشور ناصر بال الثاني، الذي أمن طرق التجارة والحرب، ونشط في توسيع نطاق الإمبراطورية.
(858 – 824 قبل الميلاد) شلمنصر الثالث، الذي قاد حملات ناجحة في المناطق الشمالية والشرقية، وركز على بناء قلاع استراتيجية.
(824 – 811 قبل الميلاد) أداد نيراري الثالث، والذي نفذ حملات عسكرية ناجحة وأحيا التجارة والأمان في المناطق المجاورة.
عهد الإمبراطورية الآشورية الثانية (745-612 ق.م) انطلق بفترة حكم تجلاتبلاسر الثالث، حاكم عظيم استعاد للإمبراطورية قوتها ومجدها. اعتمد على سياسة اللين والتسامح مع الولايات الفرعية، قبل أن يتجه جنوبًا ويحقق النجاح في مواجهات مع القبائل الآرامية والكلدانية. كما فتح مدنًا عديدة، بما في ذلك دمشق والمدن الساحلية، وصولاً إلى الحدود المصرية. اعتمد على سياسة التهجير لدمج الشعوب وخلق أمة موحدة. بعد وفاته، تولى ابنه شلمنصر الخامس الحكم، ومعه كانت مواجهة ملك إسرائيل هوشع.
بعد فترة وفاته، ظهرت شخصية سرجون الثاني (722-705 ق.م)، الذي فتح العديد من المدن، وأكمل فتح السامرة وسطح المملكة الإسرائيلية. كما واجه تحديات من الملك الكلدياني مردوك بلادان، ورغم فشله في المرة الأولى، نجح في تأمين الإمبراطورية الآشورية وتوسيع نفوذه في الشمال وغرب آسيا الصغرى. أسس عاصمة جديدة دور شاروكين وزينها بالتماثيل والنقوش. رغم نجاحاته، توفي سرجون في إحدى غزواته، وخلفه ابنه لتولي الحكم.
في فترة حكم سنحاريب (705-681 ق.م)، خلف والده سرجون واختار عدم استخدام الهياكل التي بناها والده. انتقل إلى نينوى حيث أعاد بناءها، محولاً إياها إلى فردوس زرع بحدائقه وشبكة المياه.
سنحاريب كان حاكمًا حازمًا وسياسيًا ماهرًا، استخدم القوة والشدة في حروبه وأدخل ابتكارات في استراتيجياته الحربية. واجه تمردًا في بابل قاده مردوك بلادان، لكنه نظم حملات ناجحة في آسيا الصغرى وعلى سواحل بحر إيجة، مسهمًا في تبادل الثقافة بين الشرق والغرب.
قاد حملة تأديبية في بابل بعد تمرد السكان والرجال الدين لعدم احترامه لعبادة إله مردوك بلادان، مدمرًا المدينة وحرق قصورها. ثم نزل جنوبًا لمحاربة القبائل العربية التي دعمت التمرد في بابل، ثم انتقل صوب البحر الأبيض المتوسط ووصل قرب غزة، ولكن تعبه أجبره على التراجع عند مواجهة جيش فرعون مصر.
إلى جانب إنجازاته العسكرية، اشتهر سنحاريب بأعماله العمرانية، حيث حفر الترع وبنى الأقنية لجلب المياه إلى نينوى. في نهاية فترة حكمه، تم اغتياله من قبل أحد أبنائه بمساعدة رجال الحكم، مما أدي إلى نهاية حقبة حكمه.
في الفترة من 681 إلى 669 قبل الميلاد، تسلم إسرحدون الحكم بعد وفاة والده سنحاريب. ولدى مقتل والده في جبال أرمينيا، توجه إلى نينوى حيث فتح المدينة وأنهى التمرد فيها. تبنى إسرحدون سياسة المصالحة مع بابل، وقام بإعادة بناء المدينة وتعيين ابنه الأكبر على عرش بابل. حارب جنوبًا للتصدي لحركة قادها مردوك بلادان وتحقق النصر عليه.
في عام 676 قبل الميلاد، توجه إسرحدون نحو سوريا وسواحل فينيقية، فتح جميع المدن وتلقى هدايا من الأمراء واليونانيين. اشتهر بغزوه لمصر، حيث قاد حملة قوية لهزيمة الجيوش المصرية في سوريا وفلسطين، وحارب الفرعون طاهرقا في عام 673 قبل الميلاد. بعد سنتين، هاجم من جديد مصر، انتصر وفتح طيبة، وأسس سلطنته الأشورية على مصر.
في حكم إسرحدون، شهدت المنطقة تحركات قومية، وتشكلت دولة الميذيين في شمال إيران. تعاون إسرحدون مع شماش شم أوكن في حكم بابل لمدة عشرين عامًا. وفي أواخر حكمه، حدثت خلافات حول وراثة العرش، وعين ابنه آشور بانيبال وليًا للعهد. قاد حملة لقمع تمرد في مصر وفتحها بنجاح. وقد أظهر اهتماماً بالفنون والآداب، وقام بترجمة النقوش وجمع الكتب في مكتبته في نينوى. انتهى حكمه بشكل غامض في السنوات الأخيرة، ويرجح أن تكون في عام 629 قبل الميلاد.
بعد وفاة آشور بانيبال، حدثت صراعات على العرش الآشوري، حيث نجح ابنه آشور تيل ايلاني في الفوز بالحكم. لكنه لم يظهر بنفس الحزم الذي كان يتمتع به أسلافه، واعتمد في قمع الفتن الداخلية والمواجهات الخارجية على قائده “سن شر لشر”. شهدت المملكة الآشورية تراجعًا حادًا حيث انفصلت العديد من المقاطعات بسبب ضعف المملكة، مثل مصر وبعض المدن الساحلية في فلسطين وسوريا.
ظهر الأمير الكداني نبوبو لصر في بلاد بابل وأسس سلالة مستقلة عام 626 قبل الميلاد، وعرفت بالسلالة البابلية الأخيرة أو المملكة الكلدانية. في نينوى، تمرد القائد الآشوري سن شر لشر على الملك آشوراتيل ايلاني، وعزله. ومع انقسام المملكة وحروبها الداخلية، استفاد الأمير كي اخسار من تقويض السلطة الآشورية.
سقطت نينوى في 612 قبل الميلاد، وبدأت نهاية الآشوريين. في بلاد بابل، أسس الأمير نبوبو لصر سلالة جديدة، وكانت هذه الفترة تعرف بالسلالة البابلية الأخيرة. حدثت حروب داخلية، وتمكن شمش شر اشكن من الانتصار على الثائر سن شر لشر وسكن في نينوى. تأثرت السمعة الآشورية بالحروب الداخلية، وأدت إلى انفصال أجزاء أخرى من المملكة.
ظهر الأمير الكداني كملك لبابل وحاول السيطرة على المدن الآشورية. قام شمش شر اشكن بتمرد على الملك آشوراتيل ايلاني وعزله في نمرود. لكن أخوه سن شر اشكن قاتل الثائر وسيطر على السلطة واستقر في نينوى.
حدث توغل آخر غربًا بقيادة نبوخذ نصر، ابن نبوبو لصر، وتحديداً عبر نهر الفرات. وخلال هذه الفترة، قام فرعون مصر بالتقدم بمساعدة الآشوريين، لكن تقدمه كان بطيئًا، ما أدى إلى تأخره في فتح مدن فلسطين وسواحل سوريا. نجح نبوخذ نصر في هزيمة الجيش المصري قرب مدينة كركميش في عام 605 قبل الميلاد، مما أدي إلى انكسار الجيش المصري وتراجعه إلى حدود بلاده.