يظل قصر القائد البارز في ثورة عام 1920 ضد الاحتلال البريطاني، الشيخ عبد الواحد آل سكر، إحدى المعالم الأثرية البارزة في قضاء المشخاب بمحافظة النجف جنوب بغداد. يعتبر القائد آل سكر، الذي وُلد في عام 1880، شخصية قيادية ذات تأثير كبير في ثورة العشرين، حيث كان له دور فاعل في تحقيق استقلال العراق وتأسيس المملكة الهاشمية في عام 1921.
حفيد الشيخ عبد الواحد آل سكر، الشيخ عبد العزيز راهي، يشير إلى أن جده كان إحدى الشخصيات السياسية البارزة والحنكة، حيث جاهد وتضحية بماله وحياته من أجل تحرير بلاده. يُظهر راهي أن قصر جده الأول تضرر جراء قصف الطائرات البريطانية في عام 1921، مما أسفر عن سقوط ضحايا وخسائر مادية كبيرة. ويشير إلى أن القصر الثاني الحالي، الذي تم بناؤه في أربعينيات القرن الماضي، يقع ملاصقًا للقصر الأول.
أمير آل فتلة يؤكد أهمية تاريخية كبيرة لقصر جده، حيث كان مكان استقبال الملك فيصل الأول وفيصل الثاني، والوصي عبد الإله، إضافةً إلى استقبال جمع غفير من الوزراء وعلماء الدين وشيوخ العشائر.
يشير إلى أن من بين الأحداث البارزة التي شهدها القصر، تأتي الاتفاقية التي وقّعها السادة وشيوخ العشائر لطرد الاستعمار البريطاني من العراق. يظهر هذا القصر بوصفه شاهدًا على مقاومة الاحتلال الإنجليزي، حيث أصبح مركزًا لقيادة “ثورة العشرين” في تلك الفترة.
من جهته، يقول الشيخ منير عبد العزيز، حفيد آل سكر، إنه “بعد التوافق مع زعماء وشيوخ العراق، بدأت مقاومة الاستعمار البريطاني، وتعرض قصر آل سكر للقصف باعتباره نقطة انطلاق للثورة. وقد استهدف القصف أفراد عشائر آل فتلة والعشائر المتحالفة مع جده عبد الواحد آل سكر. في هذا السياق، قرر جده تسليم نفسه إلى قوات الاحتلال البريطاني، بهدف إيقاف قتل أبناء عشيرته وأفراد من العشائر الأخرى”.
يشير عبد العزيز إلى أنه بعدما قدّم جده نفسه، سأله البريطانيون: “ما هي مطالبكم لإيقاف المقاومة؟”، فأجابهم بقوله: “نريد تأسيس دولة عراقية وخروج الاحتلال البريطاني”. تحقق هذا الهدف في عام 1921، حيث تم تنصيب الملك فيصل الأول في هذا القصر.
يتحدث آل سكر عن طراز القصر، موضحًا أن تصميمه تم بالتعاون مع مهندس لبناني، وقد بني على مساحة تبلغ 5 آلاف متر مربع. ومع ذلك، عانى القصر من التخريب أثناء حكم صدام حسين بعد إعدام الشيخ راهي عبد الواحد آل سكر ومصادرة أمواله. بعد الغزو الأميركي في عام 2003، تعرض القصر للحرق والتدمير، إلا أن العائلة قامت بترميمه بشكل فردي، وتستمر عمليات الترميم حتى اليوم.
فيما يتعلق بذلك، يشير الباحث والكاتب في التاريخ العربي الحديث جواد عبد الله الفتلاوي إلى أن “عبد الواحد آل سكر يمثل زعيمًا وطنيًا، وقصره كان مقرًا للزعامة الوطنية التي قادت مقاومة الاحتلال البريطاني”. ويضيف في حديثه للجزيرة نت أن الإنجليز سعوا لطمس هذا القصر ورمزيته الوطنية من خلال تدميره، في إطار سياسة تمتد لأكثر من مائة عام، وما جرى عام 2003 كان امتدادًا للاحتلال البريطاني.
الفتلاوي يُشير إلى أن “القصر كان شاهدًا على تتويج الملك فيصل الأول عام 1921، الذي جلب من الحجاز، وفي 1932 زار الملك غازي هذا القصر وأجرى لقاءات جماهيرية أمامه”. ويُظهر أن عائلة آل سكر قررت عدم تسليم القصر لدائرة الآثار، وبدلاً من ذلك، قامت بإصلاحه وتطويره، وهذا العمل لا يزال جاريًا حتى اليوم.
الجنابي يرى أن هذا القصر ليس مجرد هيكل عادي، بل كان مركزًا عسكريًا، فضلاً عن تبنيه لقضايا الإصلاح الاجتماعي وتحقيق الصلح بين العشائر، مما منحه دورًا وطنيًا هامًا في تعزيز الوحدة الوطنية والمشاركة في قضايا العراق.
إمكانية تحويل قصر آل سكر إلى متحف تعود إلى مسؤولية وزارة الثقافة، حسب ما يشير الصحفي حيدر الجنابي، الذي يعتبر أن القصر جاهز لتحوله إلى متحف، ويؤكد على ضرورة إدارته بشكل جيد وتزويده بمقتنيات تعكس تاريخ ثورة العشرين، مثل الأسلحة والسيوف والفالة والمكوار، وتحقيق فعالية أكبر لهذه الأماكن التاريخية بدلاً من تركها في حالة الإهمال.
الناشط أحمد الحسيني يدعو إلى الحفاظ على التراث الثقافي من خلال التعريف بالآثار والتراث الثقافي في العراق، مستشهداً بأهمية قصر آل سكر كشاهد على تاريخ تأسيس الدولة العراقية الحديثة. ويؤكد على أهمية ترميم مثل هذه القصور وإدراجها في برامج تطوير السياحة للتعريف بالثقافة العراقية وجعلها معلما جاذبا للزوار الداخليين والخارجيين.
الناشط أحمد الحسيني يشدد على أهمية دعم حكومي لترميم قصر آل سكر، مع التأكيد على أن ملكيته يمكن أن تظل للعائلة مع الحفاظ على جوهره الثقافي والاجتماعي. ويرفع قلقًا بشأن احتمال انهيار المبنى بفعل العوامل الطبيعية، مما يستدعي برنامجًا خاصًا للترميم والحفاظ على هذا المعلم التاريخي.