من احداث حركة مايس 1941ذكرت الملكة عالية أنه في أواخر مايس جاءت طائرة وألقت في حديقة القصر الملكي كيساً تبين إنه يحتوي على رسالة من الوصي عبد الأله وحال وصوله الى الارض هرع اليه الكثير من الجنود والضباط، وبعد أن عثر عليه أحد الجنود ,
وأخذه الى الضباط فهم إن ضباطهم سيصلوه الينا، وفي تلك اللحظة أخذ الملازم (نبيه) الذي جيء به من فوج الحراسة خصيصاَ لمهمة مراقبة القصر يتصل تلفونياَ بوزارة الدفاع وعلى أثر ذلك جاءت السيارة و ركب فيها رئيس أمر سرية الخيالة في الحرس الملكي الرئيس حمزة سعيد مستصحباً معه الكيس وما حواه ,
ولكن في تلك المدة تمكن الضباط فتح الكيس وقراءة فحوى المكتوب بصوت عالي الأمر الذي مكن أحد الجنود من سماع مضمونه , ولما أصبح معلوم له إن الكتاب لم يصل الينا، لاسيما بعد أن أمرنا رئيس المرافقين وكان يومها (عبد الوهاب عبد اللطيف السامرائي) ان يطلب الرسالة منهم فلم يعيروا طلبه، إجتهد ذلك الجندي في إيصال مضمون الكتاب الينا، وظهر ان مضمون الرسالة التي كانت من الامير عبد الاله وهذا نصها:
« اختي عالية..
في 14 حزيران سأكون مع الجيوش الانكليزية في بغداد فألتقي بكم وبالعزيز فيصل عبد الاله المقيم في معسكر الانكليز في الحبانية «.
وعند ذلك قررت حكومة الدفاع الوطني برئاسة رشيد عالي الكيلاني نقل العائلة المالكة وبضمنهم الملك فيصل الثاني الذي كان – وقتذاك – طفلا صغيراَ الى احد مصايف اربيل بحجة الخوف عليهم من ان تصيبهم قنابل الطائرات البريطانية المغيرة على بغداد يومياً فقد تعمدت هذه الطائرات بالإغارة على القصر الملكي وضربه بالقنابل وقتل من فيه , وبالتالي تحميل حكومة الانقلاب مسؤلية ذلك , ويدعون أن بعض قطعات الجيش العراقي هي التي القت بقنابلها على القصر للتخلص من الملك والعائلة المالكة, أو قد تقع أحدى القنابل التي ترميها الطائرات المعادية التي تلقي قنابلها على الاحياء السكينة ودور المواطنين يوماَ ,لذلك فقد اتخذت الإجراءات الرسمية في تسفير العائلة المالكة , وتم إشعارهم بذلك بعد ان فرغ لهم (ملا أفندي) والد النائب عز الدين الملا بيته وهي دار كبيرة على درجة عالية من الفخامة , وتم اتخاذ الاحتياطات والاجراءات الامنية اللازمة التي تكفل لهم الأمان والاستقرار ,من دون ان يمسهم سوء , وقد مكثت الملكة وإبنها الملك وبقية أفراد الأسرة الملكية فيها تحت إشراف وحماية قوة عسكرية خصصتها الحكومة العراقية, اتخذت التدابير اللازمة بعدم الاتصال بهم إلا وفق التعليمات التي وضعتها الحكومة وعلى ذلك صدر الكتاب المؤرخ في 27مايس1941 من آمر فوج الحراسة.
ويبدو من خلال هذا الاجراء ان حكومة رشيد عالي ارادت ابعاد الملكة عالية والملك فيصل الثاني عن بغداد منعا من اتصالهم بالوصي اولا وكذلك حتى لايتعرف الشعب على موقف الملكه عاليه من الانقلاب ورفضها له وبالتالي قد يؤثر الموضوع على شعبية الانقلاب وتذكر الملكة عالية حول تسفيرها واسرتها الى مصيف صلاح الدين:كانت الرسالة التي القيت مساء يوم الاثنين المصادف 26 مايس1941 من الطائرة هي السبب المباشر في اجبارنا على ترك القصر. ففي صباح يوم الاربعاء 28 مايس 1941 حضر الى القصر (صالح زكي) ويرافقه يوسف الكيلاني بصفته نائبا عن وكيل رئيس الديوان فدخلا القصر , واستقبلا رئيس المرافقين , وبعد لحظة من دخولهما طلع علينا رئيس المرافقين وقال: ان صالح زكي ويوسف الكيلاني جاءا يخبرانا بأنهما حاملين امراً من الجهات العليا وخلاصته هو أن «تستعد جلالتكم , وجلالة الملك على السفر الى مصيف صلاح الدين , على أن يكون السفر سرياَ , وأن يكون من الساعة التاسعة من مساء هذا اليوم , وكان مجيئهم في حوالي الساعة العاشرة صباحاَ , فكان وقع ذلك الخبر في نفسي وقعاَ اليما» وعندما سمعت الملكة عالية بهذا الاجراء اخبرت رئيس مجلس الاعيان السيد محمد الصدر الذي كان يتردد في ذلك الوقت ويجتمع بالملكة عالية للتداول معها في شؤون البلاد ومستقبلها , واخبارها بالتطورات والمشاكل التي تحصل في الخارج وكانت الملكة تخبره بكل المضايقات التي تتعرض لها وقد حذرته قائلة « اعتقد ان هؤلاء سيمنعونك من ان تصل الينا في المرة القادمة لأني علمت انهم بصدد إجراءات جديدة سيتخذونها بشأننا فاذا ما حصل لنا اي مكروه لا سماح الله سوف أبعث لك أحد الخدم وفي يده خاتمي هذا اذا ما أعطاك إياه فأعلم بأنه رسولنا « فلما حضر كل من صالح زكي ويوسف الكيلاني عند ذلك راسلت الخادم الى السيد الصدر ليخبره بموضوع الترحيل طالبة استشارته فما كان يرى من المصلحة اخلاء القصر او العصيان للبقاء وبعد ساعتين جاءها الخادم واخبرها بإشارة الصدر بالسفر وقد تبين فيما بعد بأنه لم يكن رأى الصدر وانما كان رأى الحرس.
وافقت الملكة عالية على السفر في الوقت المحدد وبدأت الملكة عالية وشقيقاتها الاستعداد للرحيل وحملت معها مسدساً وجمعت مجوهرات العائلة ومجموعة من الوثائق لإرسالها الى الكويت, ويشير دي غوري الى ذلك بمانصه:” قامت الملكة عالية بتسليم المجوهرات ومجموعة وثائقية وأوسمة منها الوسام الهاشمي ووسام فكتوريا ومسدس أهدي الى الملك غازي من هتلر مصنوع من الفضة الى القوة الجوية البريطانية لأرسالها الى الكويت.. ولكن تلك الممتلكات لم تصل الى الكويت بسبب سقوط الطائرة التي نقلتها في مياه الخليج العربي ولكن هناك اعتقادات بأن البريطانيين هم من سرقها” وبعد ان افرغت دار ملا افندي , وتم اتخاذ الإجراءات والاحتياطات والاجراءات الامنية التي تكفل لهم الاستقرار والامان , دون ان يمسهم مكروه وفي مكان ثاني تستطرد الملكة عالية فتقول: في المساء بعد التاسعة حضر الى القصر المقدم صالح زكي وبعض الضباط وجنود أخرون من فوج الحراسة مع سيارات من سيارات الجيش لنقل العائلة والحاشية الى محطة قطار باب المعظم صباحاً, وفي الساعة الحادية عشر نبهت صاحب الجلالة من منامه وحملته على كتفي ونزلت به الى السيارة , وبعد ان ركبنا السيارة واستعد رئيس المرافقين قبله وقال انه مأمور للمحافظة على صاحب الجلالة وعليه ان يركب بسيارة جلالته. فما كان منه الا ان قام بواجبه وركب بجنبه عندما رأى صالح زكي لم يراع حرمه جلالة الملك , ومما هو جدير بالذكر ان مضايقتهم بارزة الى درجة حتى انها لم تخف على صاحب الجلالة وهو في سنه هذه , إذ ان جلالته عندما خرجت بنا السيارة من باب القصر وادى الحرس التحية لجلالته التفت الى رئيس المرافقين قائلا: عبد الوهاب بيك راح يخلونه نطلع؟؟؟ فوجه صالح زكي الذي كان بجانب رئيس المرافقين في المعقد الامامي قائلا: ان جلالته لم يأخذ فكرة صالحة. فأجبته: ان جلالته قد رأى كل شيء فلا يحتاج الى تنبيه !.
وبعد ان اوصلتنا السيارات الى محطة قطار باب المعظم , لم نجد هناك سوى مفارز من الحرس , فنزلنا من السيارات وركبنا القطار وسافرنا في الساعة العاشرة من صباح يوم الخميس 29 مايس 1941 وصلنا كركوك , وقد بقينا في القطار اكثر من ساعة ونصف , حتى ان الحر اثر على جلاله الملك , فطلبنا ان نسافر فلم يوافق صالح زكي على السفر الا بعد ان يخرج جنود الحرس امتعتهم من قطار ويشحنوها في السيارات لكي يسافروا معنا , فعليه لا بد من بقائنا في القطار الى ان يتم ذلك ,. وقد استغرق ذلك نحو الساعة والنصف كما تقدم وبعد ذلك احضروا سيارتنا التي كانت قد تقدمتنا الى كركوك فركبناها وعند ركوبنا وجلالة الملك في سيارتنا الخاصة تقدم صالح زكي وركب في المقعد الأمامي بجانب السائق بدون أن يراعي حرمة المكان فلم يكن من رئيس المرافقين الا الركوب بجانبه كما تقدم وسافرنا من كركوك بين الساعة التاسعة عشر والواحدة صباحاَ , وبين التون كوبري وكركوك أخبرنا صالح زكي أن وجهه السفر ليست الى صلاح الدين وانما هي الى قصر ملا افندي الواقع قرب اربيل فلما سألناه السبب قال: ان المكان هناك لا يزال بارداَ فلم يكن أمامي الا الموافقة بعد الاعتماد على الله.
وبعد الفجر وصلنا الى قصر (ملا افندي) الذي عينوه محلا لأقامتنا وفي الليلة التالية من وصولنا , تبلغنا بانهزام رشيد عالي وبطانته ورجوع الحق الى اهله وزوال الخطر عنا , فحمدنا الله على ذلك . وتقول الملكة عالية: فلقينا من جانب صاحب الدار الكريم وحسن الضيافة يظهر ان صالح زكي قد علم بانهيار الوضع فقد أخبر أمر الحماية هناك انه ربما إضطر الى نقلنا فأجابه امر الحماية بأنه لا يستطيع نقلنا مالم يتلق أوامر صريحة بذلك وإن أمر الحماية اتصل بالضابط طالباَ تأييدهم برفض نقلنا فيما لو أراد صالح زكي هذا النقل فلبوا طلبه.