في أغسطس 2007، ودعنا الرئيس العراقي السابق، الفريق عبد الرحمن عارف، الذي وُلد في عام 1916 وتوفي عن عمر يتجاوز التسعين عامًا. قاد العراق بعد وفاة شقيقه، المشير الركن عبد السلام عارف، الذي كان أول رئيس للجمهورية العراقية في عام 1966، وظل في السلطة حتى عام 1968.
أزاحه البعثيون عن السلطة في انقلابهم في 17 يوليو/تموز بالتآمر والاتفاق مع أقرب مقربين منه، وفي أقل من أسبوعين، خانه الضباط وغدروا به. نُفي عبد الرحمن عارف إلى تركيا مع تقاعده، حيث بقي حتى عام 1988 عندما عاد إلى العراق بدعوة من صدام حسين. في بغداد، بقي بدون حراك سياسي يُذكر، باستثناء تأييده المتكرر لصدام حسين.
رحل عبد الرحمن عارف عن العراق واستقر في الأردن نظرًا لشيخوخته وضرورة العلاج، وخطط للانتقال إلى دار البقاء في عمان، حيث سيُدفن في مقابر الشهداء العراقيين في قصبة المفرق الأردنية الصحراوية.
في ذكرى تأبين الرئيس عبد الرحمن عارف، الذي تناولته في فصل دراسي بكتابي “زعماء ومثقفون: ذاكرة مؤرخ”، وشاركت تفاصيل لقائي معه في 1979 في كتابي “الرهانات المستحيلة: العراق وعبد الناصر في التاريخ المعاصر”. يتعين علي أن أقف لأتأمل في حياة هذا الرجل الهادئ والمسالم، الذي حكم العراق وشهد اختلافًا في آراء العراقيين حياله. برغم الآراء المتباينة، أقدم هذه الكلمات كواجب للتأريخ، وأعيد نشر مقالي حول الرئيس عبد الرحمن عارف بإنصاف، ليس فقط احترامًا للذكرى التي أحملها، ولكن لأنه الرجل الذي يستحق مراعاة تاريخية صادقة.
أخطاء تاريخية في تقييم الرئيس عبد الرحمن عارف!
أتوجه بالتحية إلى الأصدقاء الذين شاركوا بآرائهم ورؤاهم حول الرئيس عبد الرحمن عارف، ولكن للأسف تم رصد أخطاء تاريخية في بعض الصحف والمجلات والمواقع العربية قبل رحيله أو بعده. يُؤسف للإشارة إلى أن الرجل لم يكن أصغر من أخيه الكبير عبد السلام عارف، بل كان أكبر منه بأربع سنوات، حيث وُلد عبد الرحمن في عام 1916 وعبد السلام في عام 1920. وقد لاحظت أيضًا أن العديد من المصادر قامت بالتباطؤ بين صورة عبد الرحمن وأخيه عبد السلام، وقد نشرت بعض الصحف صورة غير صحيحة لشخصية سياسية أخرى لا علاقة لها بالرجل.
وتنبيهًا إضافيًا، فإن البيان الأول لحركة 14 تموز/يوليو لم يذعه عبد الرحمن عارف، بل كان عبد السلام عارف هو الذي قام بإذاعته. ومن الأخطاء التاريخية الأخرى، أن الرئيس لم ينفي إلى تركيا بلبيك براتبه التقاعدي، بل عاد إلى العراق في عام 1988 بدعوة من صدام حسين. وخلال إقامته في بغداد، أظهر عبد الرحمن عارف اهتمامه بصدام حسين، ورغم تأييده له في بعض الأوقات، إلا أنه انتقد بشدة بعض مواقفه.
أشير أيضًا إلى أنني قمت بزيارة الرئيس عارف مرتين، الأولى كانت زيارة عائلية لتقديم الشكر لاهتمامه بوفاة والدي في عام 1968، وفي الزيارة الثانية، التقيت به في تركيا عام 1979، حيث كنت طالبًا للدكتوراه، ورصدت تفاصيل هاتين اللقائين في كتابي “زعماء ومثقفون: ذاكرة مؤرخ” و”الرهانات المستحيلة: العراق وعبد الناصر في التاريخ المعاصر”.
التعتيم التاريخي على العهدين القاسمي والعارفي
تختلف الآراء في تقييم الرئيس الراحل عبد الرحمن عارف، سواءً على أيام عهده أو على عهد البعثيين الطويل، ويظهر أن الاهتمام بما كتب عنه قليل نسبيًا مقارنةً بشخصيات أخرى كعبد الكريم قاسم أو صدام حسين، نظرًا لاختلاف تأثيرهم ونوعية حكمهم، وذلك نتيجة للاستقطابات الايديولوجية المختلفة. يبدو أن الإخوين عارف قد عتموا على تاريخهما منذ عام 1968، كما حدث مع العديد من الشخصيات العراقية الأخرى التي كان لها تأثير في السياسة خلال تلك الفترة.
من المهم الوقوف على شخصيات تلك الفترة ودراستها بشكل حيادي وموضوعي. رغم أن العديد قد انتقدوا عبد الرحمن عارف ببعض النقاط، إلا أن مسالمته ونزاهته وترفعه عن الطائفية والتحزب كانت ملموسة. على الرغم من أن بعض التصريحات عنه قد اعتبرت عادية بالنسبة للبعض، كان يُنظر إليه بالاستنكار بسبب انتظاره للساعات الست اليومية وتفاصيل أخرى.
رغم تلك النقاط، فإن العراق كان يعاني من غياب ثقافة مؤسساتية، حيث كان يعتمد على رئيس الوزراء في القرارات الحكومية بشكل أساسي. وعلى الرغم من هذه الجوانب، كانت فترة حكمه محط انتقاد وتحديات، حيث كان الصراع بين الأجنحة المدنية والعسكرية يسيطر على العراق، وقد تركت تلك الفترة آثارًا تاريخية يجب دراستها بعناية لفهم السياق بشكل صحيح.
عبد الرحمن عارف: إنسان عادي في عالم السياسة
يُعتبر الرئيس الراحل عبد الرحمن عارف شخصًا عاديًا في عالم السياسة، وليس عيبًا أن يستمع ويستشير آراء الآخرين من السياسيين والضباط الكبار. يُظهر تواضعه وعقلانيته، فهو إنسان يدرك قيمة الاستشارة، ولا يُعتبر ذلك دليلًا على ضعف في اتخاذ القرارات. يُشدد على أنه ليس الاستثناء في تاريخ سُدة الحكم في العراق خلال القرن العشرين، ويُقارن برئيسي الوزراء الأمير فيصل الأول وحفيده فيصل الثاني اللذين لم يصدروا أحكامًا بالإعدام لسياسيين عراقيين.
عبد الرحمن عارف لم يكن غبيًا أو ضعيفًا في اتخاذ القرارات، بل يُعتبر إنسانًا يعرف قدر نفسه، وكان يمتلك تواضعًا لا يُلام عليه. تأكيدًا على عدم التهور والسفاهة، وكانت حياته اليومية بسيطة، حيث كان يُشدد على أنه لا يكترث بالمظاهر الفارهة والتظاهر، مما يميزه عن بعض القادة الآخرين. يعتبر مُشتركًا مع شقيقه عبد السلام في نزاهة اليد، حيث لم يملكا سوى رواتبهما التقاعدية بعد تركهما الحكم.
وراثة الحكم في العراق: عبد السلام إلى عبد الرحمن
قام عبد السلام عارف بتولي رئاسة الجمهورية في العراق على وريثه في عالم السياسة. كان هذا التحول السياسي غير شرعي وبعيد عن الانتخابات العامة، إذ أُسس على تنصيب عبد السلام كرئيس جديد للجمهورية في أعقاب الانقلاب البعثي عام 1963 وتنفيذهم لإعدام عبد الكريم قاسم.
موت عبد السلام عارف في حادث طائرة مروحية غامض عام 1966 أثار الصراع على السلطة، حيث تقسمت القوى بين الجانب العسكري والجانب المدني. كان الجانب العسكري بقيادة اللواء عبد الرحمن عارف يسعى للحفاظ على سيطرته، بينما كان الجانب المدني بقيادة رئيس الوزراء عبد الرحمن البزاز يسعى للسيطرة على السلطة.
في اجتماع عاجل لمجلس الوزراء ومجلس الدفاع الأعلى في أبريل 1966، تم اختيار اللواء عبد الرحمن عارف ليصبح رئيسًا للجمهورية. كان الصراع حادًا، ورغم فوز البزاز في الدورة الأولى، إلا أن الضغط العسكري جعل عبد الرحمن عارف يفوز في الدورة الثانية.
هذا الحدث لا يعكس فقط التحول في الحكم بل والصراع بين الأطراف المختلفة في العراق ذلك الوقت، حيث كانت الجبهة العسكرية والجبهة المدنية تتصارعان على السلطة وتتنافسان بقوة.
إمتداد النفوذ العارفي في مصر
قد سُجِلَت ونُقِدَت المعلومات التاريخية التي كتبها السفير المصري في بغداد آنذاك، أمين هويدي، حول دور الرئيس جمال عبد الناصر في تنصيب عبد الرحمن عارف. انتقد كل من عبد المجيد فريد وأمين هويدي عبد الرحمن عارف أثناء استقبالهما له في مطار المثنى، حيث قالا له إنه سيكون رئيسًا للعراق قبل أي اجتماع رسمي لاختيار الرئيس.
وعلى الرغم من أنه وُصِفَ بالضعف وعدم القدرة على إدارة شؤون البلاد، فإن عبد الرحمن عارف تولى رئاسة الجمهورية. بقي البزاز رئيسًا للوزارة، وكان نظام عبد الرحمن عارف امتدادًا لنظام أخيه عبد السلام، واستند إلى الحرس الجمهوري.
شهدت فترة حكم عبد الرحمن عارف صراعًا بين الأجنحة المدنية والعسكرية، حيث لم يكن العسكريون راضين عن وجود البزاز كرئيس للوزارة، مما دفع بالبزاز في النهاية إلى تقديم استقالته تحت ضغط من العسكريين في أغسطس 1961.
عبد الرحمن عارف، الذي دُعي بلقب “الحمل الوديع”، كان يتسم بالتواضع والتفاهم. وعلى الرغم من النقد الذي تعرض له، فقد أظهر حنانًا عندما أوصى القوات العراقية بعدم قطع الأشجار أثناء انسحابها في 1967.
عبد الرحمن عارف، الرئيس الذي لم يجد قدمًا ثابتة في عراق صعب، فلم يكن قادرًا على البقاء في السلطة بسبب عدم ملاءمته للحكم في ظروف صعبة. رغم مسالمته ووطنيته، لم يستطع تغيير نمط الحكم أو بناء مؤسسات قوية. مغادرته للسلطة عام 1968 شكلت بداية لفترة صعبة في تاريخ العراق.
في الوقت الذي كان يتمتع فيه بتواضع وتفاهم، ورغم حنانه عندما أوصى القوات العراقية بالامتناع عن قطع الأشجار خلال انسحابهم في 1967، إلا أن تأثيره على تغيير الوضع في العراق كان ضعيفًا. رحيله جعل العراق يسلك مسارًا آخر، يعيش فيه كل كوارث وأهوال تلك الأيام.
وفيما يتعلق بمقتل الرئيس السابق عبد السلام عارف، فإن التاريخ سيظل يكتب ويكشف عن حقائق جديدة حول هذا الحدث المأساوي الذي وقع في عام 1966. رحم الله عبد الرحمن عارف، الذي دخل التاريخ وخرج منه دون إرادته، والذي لم يجد العدالة من قبل شعبه.
على الرغم من تأكيد قيس عارف أن ما حدث لعمه عبد السلام كان قضاء وقدرًا، إلا أن مستقبل الكثيرين متعلق بمعرفة حقائق دقيقة حول تلك اللحظات الحاسمة. يظل المستقبل هو الذي سيسجل ما حدث ويكشف الستار عن حقائق غير معروفة حول هذا الحادث.
تم انتخاب عبد الرحمن عارف رئيسًا للجمهورية في عهد جمهوري ثانٍ، بدعم من القياديين وبتأييد الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، خلفًا للرئيس عبد السلام عارف. عبد الرحمن عارف، الذي يتسم بالقومية والوحدوية العربية، لم يستطع البقاء في السلطة لأسباب تتعلق بطبيعة حكم العراق والظروف الصعبة.
تحدث العميد المتقاعد قيس عبد الرحمن عارف، الابن الأكبر لعبد الرحمن عارف، عن حياة وسيرة والده. وُلد عبد الرحمن في بغداد عام 1916 في محلة سوق حماده، ونشأ فيها. في شبابه، أظهر اهتمامًا بالخدمة الوطنية، والتحق بالكلية العسكرية، حيث تخرج وتقدم في الرتب العسكرية، وفي يوليو 1966، تم ترقيته إلى رتبة فريق.
تناولت المقابلة مع قيس عارف فترة حكم والده الرئيس عبد الرحمن عارف، وكيف شغل منصب رئيس الجمهورية في العراق من 1966 إلى 1968. كما تطرقت إلى جوانب حياته الشخصية، حيث كان أبًا لولدين، قيس ونبيل، وثلاث بنات.
أظهرت بطاقة الرئيس الراحل أنه ينتمي إلى أسرة دينية في بغداد، ويعود نسبه إلى عشيرة جمبلة العراقية. ولد في سوق حماده وترعرع فيها، حيث سجل في المدرسة الابتدائية، واستمر في التعليم حتى التخرج بتفوق من الثانوية المركزية.
ظهر اسم عبد الرحمن عارف بشكل ملحوظ في عام 1963، عندما اختاره شقيقه الرئيس عبد السلام عارف ليكون رئيس أركان الجيش العراقي. وعلى الرغم من توليه مسؤوليات عسكرية كبيرة، لم يسعَ عبد الرحمن للحصول على شارة الأركان بتصميمه على احترام السياقات العسكرية.
تعكس حياة وتفاصيل الرئيس عبد الرحمن عارف تأثيره في فترة زمنية حرجة في تاريخ العراق.