الراحل شريف يوسف (1907-1998) يعتبر واحدًا من رواد الحركة الهندسية والاثارية في العراق، حيث خلّد إرثاً معمارياً وفكرياً يميزه كشخصية بارزة في التنوير الفكري في العراق الحديث. لاحظت جماليات مسيرته الهندسية والاثارية في لقاءات متعددة، فكشفت هذه المحادثات العديد من الجوانب الرائعة لتاريخه الطويل.
ولد في مدينة العمارة بديار بكر، ينحدر من أصول عربية خاصة من ديار بكر. جده حسين افندي كان رفيقًا لمدحت باشا وكان من الشخصيات الكفء التي رافقت الوالي المصلح في زيارته إلى بغداد عام 1869. تم تعيين حسين افندي قائممقامًا لقضاء قلعة صالح في لواء العمارة في تنظيم الولايات في العراق. عاش في مدينة العمارة مع رفاقه، مثل إبراهيم بك والد المرحوم يوسف إبراهيم وجميل افندي والد المرحوم فؤاد جميل. تشكلت محلة شهيرة باسم “السنية” في مدينة العمارة وكانت مقربة من سراي الحكومة.
انطلق في رحلة تعلم ملهمة حين قامت القوات البريطانية بتحتل مدينة العمارة عام 1914، حيث اعتقل والده، وكان محكومًا بالنفى إلى الهند لأربع سنوات. تأثر بشكل كبير خلال تلك الفترة، وبعد إنهاء فترة النفى، أتم دراسته الابتدائية في مدرسة “الأليانس” بالعمارة، والتي كانت متقدمة في مناهجها. اكتسب هناك معرفة باللغات الإنجليزية والفرنسية، وكشفت له عوالم اليهود ومؤامراتهم. لكنه لم يتابع دراسته في “الأليانس”، حيث انخرط في المدرسة الابتدائية الجديدة التي أقامتها الحكومة، وتخرج بنجاح بعد أداء امتحان البكلوريا في البصرة
بفضل نجاحه، أُرسل شريف يوسف في بعثة إلى بيروت. عند عودته، انضم إلى دار المعلمين الابتدائية في بغداد عام 1921، لكنه لم يستكمل دراسته هناك. اضطر إلى العودة إلى العمارة وتولى وظيفة كموظف في متصرفية اللواء حتى عام 1923. بفضل تشجيع من أصدقائه، عاد إلى الدراسة في بغداد والتحق بالثانوية المركزية. قد تعلم فن الطباعة أثناء تواجده في مدرسة الأليانس، وتقدم بطلب لتعيينه في الثانوية المركزية، الأمر الذي تم قبوله، وانتقل إلى الدراسة المسائية.
عند اكتمال المرحلة المتوسطة (الثالث ثانوي)، تولى مهام مأمور المكتبة العامة، فقرر ترك الدراسة والتفرغ للقراءة في الموضوعات التي قررت دراستها في الصفوف التالية. شارك في الامتحانات الخارجية لنيل شهادة الثانوية، وشهد صديقه المرحوم يونس السبعاوي (المعلم في عنه) دخوله لهذه الامتحانات أيضًا. يتذكر شريف يوسف أن طه الهاشمي، الذي خلف الحصري كمدير للتعليم العام، كان يزور المكتبة العامة بانتظام أثناء تأليفه لكتب حول أحوال العراق الجغرافية والعسكرية. كان معجبًا بشريف يوسف كموظف في المكتبة، وكان يعرف حرصه على الدراسة وتطلعه نحو مستقبل مشرق.
تألق شريف يوسف وحصوله على تفوق دراسي جعله مُرشحًا لبعثة من وزارة المعارف إلى الجامعة الأمريكية في بيروت. انتخب لدراسة الهندسة والبناء في عام 1929، حيث كان رئيس القسم أحد أشهر المعماريين اللبنانيين في تلك الفترة، والذي صمم بناية مجلس النواب اللبناني، والتي تُعد من بين أجمل المباني في بيروت.
كانت زملاء دراسته في الجامعة يشملون المرحومين أمين المميز وهاشم جواد وعوني الخالدي وعبد المنعم الكيلاني. يتذكر شريف يوسف زيارة رئيس مهندسي أمانة العاصمة المرحوم علي رافت (علي مي) للطلاب العراقيين في بيروت، وقد طلب منه العمل في أمانة العاصمة بعد تخرجه.
عندما عاد إلى بغداد وحصل على شهادة الهندسة، عُين مدرسًا في الثانوية المركزية في عام 1934 لمدة سنة واحدة. بعد انتهاء تلك الفترة، تم نقل خدماته إلى أمانة العاصمة في عهد أمينها المرحوم محمود صبحي الدفتري.
برزت مواهب الهندسة الاستثنائية والأفكار المبدعة لشريف يوسف، حيث لعب دورًا بارزًا في تنفيذ العديد من مشاريع أمانة العاصمة. شملت هذه المشاريع تحول منطقة الوزيرية من مكان مرعب إلى محلة سكنية عصرية، والمشاركة في تخطيط مناطق مهمة مثل السعدون، وفتح شوارع رئيسية مثل الاعظمية والشيخ عمر ودمشق وموسى الكاظم وأبي نؤاس. ساهم أيضًا في تنفيذ بهو أمانة العاصمة وغيرها من المشاريع الهندسية البارزة.
بعد ثلاث سنوات من الخدمة في أمانة العاصمة، تم نقل خدماته إلى مديرية الآثار في عهد مديرها ساطع الحصري، حيث اكتشفوا فيه كفاءة لا مثيل لها، وإخلاصًا نادرًا، ورقيًا وطنيًا فائقًا. شُكلت له فرصة للإشراف على بعثة أجنبية تقوم بالتنقيب في التلال السومرية في منطقة ديالى، لمتابعة العمل والاطلاع على الآثار التي تجمعها.
بعد فترة، تم تكليفه برئاسة العمل التنقيبي في مدينة سامراء بالقرب من قصر العاشق، حيث اكتشف آثارًا هامة، بما في ذلك القصر المعروف بقصر الجص، وشارك في ترميم وإحياء العديد من المواقع الأثرية مثل القصر العباسي وخان مرجان وملوية سامراء وقصر الأخيضر ودار الإمارة في الكوفة.
نتيجة للجهود الجادة والمتعبة في العمل الآثاري في ظروف طبيعية قاسية، أُصيب شريف يوسف بمرض الديزانتري، مما أدى إلى إعفائه من العمل في المجال الآثاري. تولى بعدها وظيفة مدرس في الثانوية المركزية، ثم تم تعيينه مديرًا لها. بعد سنة، تم تعيينه مديرًا لدار المعلمين الابتدائية، وبعدها شغل منصب مدير التعليم المهني، وأخيرًا عميدًا لكلية الهندسة حتى أحيل إلى التقاعد في عام 1960.
بعد التقاعد، انتخب مديرًا في منظمة الأوبك في جنيف، ويرجع الفضل في هذا الانتخاب إلى الراحل محمد سلمان، وزير النفط السابق. عاد بعد سنتين إلى وطنه لينشر مؤلفاته ويكرس جهوده للبحث والتأليف. ترك وراءه مؤلفات قيمة، منها “فن العمارة الإسلامية والعربية” و “مساجد بغداد” و “تاريخ فن العمارة العراقية في مختلف العصور”، الذي أعيدت تحريره ليتضمن محتوى إضافي. وقد كتب العديد من المقالات والبحوث في ميداني الهندسة والعمارة والآثار والتربية. يتحلى هذا النص بوفاء ذكرى شريف يوسف، الذي قدم إسهامات جليلة ومفيدة لوطنه. يعد نشر الطبعة الثانية لكتابه “تاريخ فن العمارة العراقية” خطوة تعبيرية عن هذا الوفاء، والتي سبق لها أن مهدت لنشرها دار الشؤون الثقافية العامة في وزارة الإعلام.
تحية طيبة؛
اشارة جميلة ومهمة للاشارة عن الاستاذ شريف يوسف.. واود من الاستفسار حول هذه الشخصية العراقية بشكل اكبر اذا امكن التواصل عبر الايميل .
Living in Stockholm is all about comfort and safety at home. If you’re ever in need of a trusted electrician, Hbel.se is the way to go. They provide excellent service and ensure peace of mind!
Fantastic article! Speaking of home upgrades, if anyone in Stockholm needs reliable electrical services, check out Hbel.se. They’re known for their professionalism and attention to detail.