ولدت عفيفة إسكندر في مدينة الموصل من أب أرمني وأم يونانية في عام 1921، وبرعت في الغناء منذ نعومة أظفارها، ثم ما لبثت أن طوّرت موهبتها وارتقت إلى سُلَّم الفنانين الذين ذاع صيتهم في زمانها حتى أطلقت عليها ألقاب عديدة.
تنحدر عفيفة إسكندر من عائلة فنية أجادت الكثير من أنواع الفنون، إذ يقول الممثل المسرحي عضو نقابة الفنانين العراقيين محمد العمر إن والدتها “ماريكا ديمتري” كانت عازفة على 4 آلات موسيقية، وعملت مغنية في أحد نوادي بغداد الليلية حتى عام 1940، أما والدها فكان مغنيا وعاشقا لفنون الغناء والألحان.
ونظرا لشغف عائلتها بالفن، بدأت إسكندر الغناء وهي في عمر الخامسة، إلا أن محمد العمر يشير إلى أن أولى حفلاتها كانت في عام 1935 بمدينة أربيل (شمال العراق) وهي في الـ 14 من العمر، حيث لم يقف زواجها المبكر وهي في الـ 12 من العمر عائقا أمام طموحها.
ويضيف أن زوجها الموسيقي إسكندر إصطفيان شجّعها على الاستمرار في الغناء وفي تطوير موهبتها، فأحيت عشرات الحفلات في نوادي بغداد حتى دخلت أغانيها الإذاعة العراقية عام 1937، لينتشر فنها في كل مكان، ما أتاح حصولها على لقب (المونولوجست) من قبل المجمع العربي الموسيقي وذلك لإجادتها ألوان الغناء والمقامات العراقية، فضلا عن منحها لقب شحرورة العراق.
وعن إجادتها للمقام العراقي، يعلق العمر “يمكن اعتبار (عفيفة) إسكندر أول امرأة عراقية أجادت الغناء بالمقامات العراقية الصعبة، فضلا عن أنها أول من غنت القصيدة الفصيحة إلى جانب القصائد الشعرية الشعبية والجالغي البغدادي”.
رغم انتشار أغاني عفيفة إسكندر في العراق بالفترة التي سبقت سفرها إلى مصر، فإن البداية الفعلية لها وانتشار صيتها في الوطن العربي كانت بعدما سافرت إلى القاهرة عام 1938، حيث يشير العمر إلى أن طموحها ذهب بها إلى القاهرة لتعمل مدة طويلة مع فرقة “بديعة مصابني” الشهيرة في الأربعينيات، فضلا عن عملها مع فرقة الفنانة المصرية الراحلة تحيه كاريوكا.
أما الكاتب المخرج التلفزيوني محمد الهاشمي فينقل عن والده الذي عاصر عفيفة إسكندر في شبابها أنها كانت محبوبة من الجميع، واستطاعت اختراق قلوب العراقيين والعالم العربي واستحقت على إثرها ألقابا عدة مثل (شحرورة العراق) و(فاتنة العراق)
وعن فنها وأغانيها، يشير إلى أن مسيرة عفيفة الفنية كانت حافلة بـ 1500 أغنية في مختلف أنواع الغناء العراقي والمقامات، فضلا عن مشاركتها في الفيلم المصري (يوم سعيد) رفقة الفنان محمد عبد الوهاب وفاتن حمامة.
وأكد أنها ظُلمت حينها بعدما اقتطع المخرج محمد كريم أغنيتها من الفيلم بسبب طول مدته، حيث ينقل الهاشمي عنها قبل وفاتها أن اقتطاع أغنيتها تسبب لها بحزن كبير، ورفضت حينها إقامة دعوى قضائية ضد مخرج الفيلم متذرعة بأن تجربتها مع كبار الفنانين المصريين كانت حافلة.
كما شاركت في فيلم القاهرة – بغداد، وهو أول إنتاج عراقي مصري مشترك.
وعن أجمل أغانيها وأكثرها شيوعا حتى الآن، يرى الهاشمي في حديثه للجزيرة نت أن أغانيها “حرگت (حرقت) الروح” و”حبيبي عيدك مبارك”، وأن أغنية “يا يمه أنطيني (أعطيني) الدربين” كانت الأجمل ولا تزال تُغنى في مختلف المناسبات.
وأضاف “عدد أغانيها يزيد على أي فنان عربي مشهور، فحتى أم كلثوم لم تغن ربع عدد أغانيها، غير أنها لم تحظ بشهرة عربية واسعة”.
ويذهب في هذا الطرح المخرج الفني بيات مرعي، الذي يرى أنه لولا اقتطاع أغنيتها مع محمد عبد الوهاب في فيلم (يوم سعيد)، لكانت حققت شهرة منقطعة النظير، مؤكدا أن أغانيها التي وصفها بـ (الرائعة) مثل “يا عاقد الحاجبين” و”يا سكري يا عسلي” و”حرقت الروح” لا تزال حاضرة لدى العراقيين وأعاد الكثير من الفنانين غناءها.
ويعزو سبب شهرة هذه الأغاني إلى ثمرة تعاونها مع أبرز ملحني عصرها العراقيين مثل أحمد الخليل وخزعل مهدي وياسين الشيخلي، فضلا عن تنقلاتها ما بين مصر وسوريا ولبنان التي أتاحت لها الاطلاع على مختلف أنواع الغناء، وبالتالي كانت تغني الفصحى والعامية العراقية بمختلف ألوانها.
وكان آخر محطة فنية لعفيفة إسكندر قبل عام من وفاتها وهي في الـ 90 من عمرها عندما شاركت في مسلسل (فاتنة بغداد) الذي يعد امتدادا لمشاركاتها التلفزيونية والسينمائية فيما يقرب من 11 فيلما كان من أبرزها فيلما “القاهرة ـ بغداد” و”ليلى في العراق”.
ورغم الرصيد الفني الكبير وشهرتها في العصر الملكي، فإن سنوات عفيفة إسكندر الأخيرة كانت مليئة بالوحدة والعزلة والإهمال.
وأوضح الهاشمي أن صالونها الغنائي الذي أسسته في أربعينيات القرن الماضي ببغداد، شهد حضور كبار رجالات العهد الملكي والفنون والأدب، وكان رئيس الوزراء العراقي حينها نوري السعيد حريصا على حضور مجالسها كل يوم اثنين، فضلا عن إعجاب الملك فيصل الأول بأغانيها وحب الوسط الفني لها ولفنها.
إلا أن هذا الحب والدعم الملكي، انتهى بحسب الهاشمي مع الانقلاب الذي أطاح بالعهد الملكي عام 1958، حيث تسبب رفضها لقتل العائلة المالكة بمشكلات كبيرة لها وإهمال متعمد من قبل رئيس الوزراء العراقي آنذاك عبد الكريم قاسم، حيث لم تتحسن علاقتها مع الدولة إلا في عهد الرئيس العراقي عبد السلام عارف، كما يشير إلى أنها لم تلق أي اهتمام من الحكومات العراقية المتعاقبة ونقابة الفنانين وعانت في السنوات الأخيرة من عمرها من العزلة والوحدة والفقر.
ويذهب في هذا المنحى رئيس تجمع فناني العراق محمد اللامي الذي يؤكد أنه وعلى عكس مسيرتها الفنية، فإن عفيفة إسكندر شهدت في حياتها إهمالا كبيرا من قبل الحكومات العراقية إضافة إلى إهمال النقابات والجمعيات الثقافية الفنية المحلية والعربية التي اكتفت عند وفاتها بنشر التعازي على مواقع التواصل الاجتماعي وفي وسائل الإعلام المختلفة.
ويضيف اللامي في حديثه للجزيرة نت أنه رافقها مدة أسبوع حين تم نقلها إلى مستشفى الشيخ زايد وسط بغداد، ثم تم نقلها إلى مستشفى مدينة الطب بسبب نزيف حاد في الدماغ، لكنها توفيت هناك بعد يوم واحد فقط في 21 ديسمبر/كانون الأول عام 2012 دون أن تحظى بأي اهتمام يذكر.
ويختتم اللامي بأن من المفارقات الحزينة لحياتها أنه وعلى الرغم من أنها ماتت وحيدة ومنسية، فإن محرك البحث “غوغل” احتفى بيوم ميلادها العام الماضي ليذكِّر العراقيين بهامة فنية كبيرة لم يشهد العراق لها مثيلا حتى الآن.
Just took a look at this collection of engagement rings and I’m so impressed with the designs. See for yourself: Engagement Rings