ساحة عبدالمحسن الكاظمي تعتبر محوراً حيوياً في منطقة مطلع الكاظمية بمدينة بغداد، حيث تمثل نقطة التلاقي بين تاريخ العراق وحاضره. تتميز بتمثال شاعر العرب الشيخ عبدالمحسن الكاظمي في وسطها، مما يجعلها ملتقى حضاري يربط بين القديم والجديد، وتحمل في طياتها تاريخًا غنيًا يتجسد في مشهد الكاظمية.
تتألق مدينة السلام، بغداد، بمواقع تاريخية متميزة مثل الحريم الطاهري، القطيعة الزبيدية، محلة الحربية، وعبارة الكرخ، التي تعكس تراثًا غنيًا يمتد لأكثر من ثلاثة عشر قرنًا. هذه المناطق كانت مأوى لآلاف العلماء والمشاهير منذ تأسيس بغداد في عام 762 ميلادية. ورغم تطور الزمن، فإن كل شبر من أرض العراق يحمل تاريخًا غنيًا وتراثًا عظيمًا، كما يظهر ذلك في كتابات السيد سلام الشماع وابنته السيدة فائدة آل ياسين حول بيوت الكاظمية المعروفة في الأدب والعلم، مع التركيز على دورهما البارز في المحافظة على تراث المنطقة.
كنت أتمنى في مجلس الأمانة، الذي يضم مستشارين محترمين من مختلف الفئات في بغداد، أن يتم استشارتي حول بناء مرفق المجاري، خاصةً مع تاريخ وتراث بغداد الغني. يثير الأسف أن الموقع الحالي لمرفق المجاري كان يحمل في الماضي أهمية خاصة، إذ كانت “مشرعة الروايا” التي كان يُستقى منها ماء دجلة، وكانت تربط بينها وبين دار الخلافة وقصر الخلفاء في مدينة أبي جعفر المنصور. كما يشير التاريخ إلى قصة عبدالله بن طاهر بن الحسين، الذي رصد رائحة كريهة في المكان الحالي واتضح أنه بسبب خبز الجيران، فقام بإجراء يومين يُعرفان بأيام الكفايات، حيث قام بتوفير الحاجات الأساسية للسكان. يجب أن نستلهم من هذه الفترة فترة الكفايات والاهتمام براحة الأفراد.
منطقة الحريم الطاهري، المعروفة اليوم بساحة الكاظمي، تشكل مدخلاً حيويًا لمطلع الكاظمية في بغداد. يملؤ محيطها وجوها الروائح الفريدة من النتن والسهوكة والزهومة والصنان والجيفة. شهدت مشرعة الروايا تغيرات كبيرة في ماؤها وأسنتها على مر الزمن. في الماضي، كانت تعبق بالروائح الطيبة وتعطي نكهة خاصة عند مرور ترامواي الأيام القديمة.
ساحة عبدالمحسن الكاظمي تتمثل في تقاطع أربع مواقع تاريخية هامة في بغداد: الكاظمية والحريم الطاهري والقطيعة والحربية. الكاظمية تعد توأمًا لبغداد، تجري معها وتشترك في حوادثها وأحداثها. منطقة الكاظمية تحظى بشرف استقبال زوارها، خاصةً الذين يأتون لزيارة شاعر العرب عبدالمحسن الكاظمي. هناك تشتمل على علماء وشخصيات بارزة في الدين والعلم والأدب والتاريخ والتراث والخلافة والسياسة، مثل الإمام موسى الكاظم والإمام محمد الجواد والإمام أحمد بن حنبل وغيرهم الكثيرون، إلى جانب مواقع دينية مهمة مثل قبر زبيدة والأمين.
من بين دفناء الكاظمية العظماء يتألق أسماء مثل الزهري المدني ويحيى الراوية بن الحسين بن زيد، وابراهيم المرتضى، وموسى أبو سبحة، والحامض النحوي، والزاهي وابن الجعابي، والناشي، وابن قولوية، وابن الحجاج، والمفيد، والشريف الرضيان وغيرهم. هؤلاء الشخصيات البارزة هي فخر للكاظمية، حيث تحمل رفاتهم تاريخاً طويلاً من العلم والأدب والتراث.
من بين الشخصيات البارزة في المنطقة كانوا ابن البواب الخطاط، استاذ الكتبة والخطيب البغدادي المؤرخ الكبير، وابن الشبل الشاعر والعلاف، والجواليقي اللغوي، وأبو الفرج ابن الجوزي المؤلف المؤرخ المتعدد المواهب. وتتميز الكاظمية بأنها تحتضن قبور عديدة لأعلام من جميع المذاهب والتوجهات، مما يعكس تنوعًا كبيرًا في المنظر الديني والفكري.
تشتهر الكاظمية بقبر موسى بن جعفر، الذي يُعتبر من المواقع المقدسة والمباركة. قال الشيخ الحنابلة أبو علي الخلال: “ما همني أمر فقصدت قبر موسى بن جعفر فتوسلت به إلا سهل الله تعالى ما أحب”، وقال الإمام الشافعي: “قبر موسى بن جعفر ترياق مجرب لإجابة الدعاء”.
تظل الكاظمية مركزًا حيويًا للعلم والأدب والدين واللغة والتراث. خدمت هذه المنطقة المعرفة والعلوم والفنون من خلال العديد من البيوت العلمية، حيث خرجت عشرات الأسر ومئات من العلماء والأدباء والشعراء والمفكرين والمؤلفين.
ثراء الكاظمية يتجسد في ماضيها العريق وحاضرها النابض بالحياة. تحتضن ترابها آثار أبنائها وذريتهم، إلى جانب بيوت وعشائر عربية معرقة. تألقت هذه المنطقة بمواهب شاعر العرب الشيخ عبدالمحسن الكاظمي النخعي، الذي ألمّ بفراق العراق وأعرب عن حنينه له بكلماته الشاعرية المؤثرة.
الكاظمية تحمل في ثناياها إرثاً يعبر عن تفردها وأهميتها التاريخية. كانت هذه المنطقة استثناءً من بعض الأحكام التي فُرضت على بغداد، وكرمت بمزيتها الخاصة التي جعلتها مركزًا مقدسًا ومحط جذب للزوار قديمًا وحديثًا.
تألقت الكاظمية القديمة بماضٍ يفتخر به التأريخ العراقي، حيث أرسل الخليفة الناصر العباسي رسولًا إلى صلاح الدين الآيوبي يحمل هدية العراق وبغداد بعد وقوع معركة الرمل وفتح شقيف أرنون. كان هذا الرسول نقيب الكاظمية، الشريف فخرالدين، وقد تم استقباله بالاحترام والاكرام من قبل السلطان الآيوبي، وذلك بدلالات على أهمية هذه المنطقة وتأثيرها البارز في الساحة التاريخية.
أُرسل مع الشريف فخرالدين، نقيب الكاظمية، خمسة من النفاطين الخبراء في صناعة الاحتراق بالنار إلى جيش صلاح الدين، حيث استفاد الجيش من هذه الكوادر المتخصصة. نتيجة لهذا التعاون، اشتعلت أبراج الفرنج الثلاثة في عكا، وسقطت وتلفت، وقدم صلاح الدين بشر عن النصر والفتح إلى ديوان الخلافة.
لا تنسى الكاظمية، بل تعبر بلسانها الشاعر، أبناءها الأمجاد والفخر. في ساحة الكاظمي، يستقبل شاعر العرب زوارها بكرم واحترام، جاذبيتها الثقافية تشمل الحريم الطاهري، الذي يرتبط باسم طاهر بن الحسين من عظماء دولة بني العباس. ومع أصالة هذه المنطقة، يظل لسان الحال يشير إلى مكانتها في القلب: “وطني أنت كل ما أتمنى.”
تاريخ الحريم الطاهري يمتد بشموله لمؤسسه عبدالله بن طاهر بن الحسين، الذي أسسه كمرفق للشرطة ببغداد، وكانت المنازل في الحريم مخصصة لآل طاهر. وقد كان قصر ببغداد والحريم جزءًا من المرافق الشمالية المعروفة في المدينة.
تأتي أيضًا الحربية في محلة باب حرب ببغداد، محلة شهيرة تعود لحرب بن عبدالله، أحد قادة المنصور. وتشتهر الحربية بأسواقها المتنوعة وتعد واحدة من المحال الكبيرة المشهورة في خطط مدينة السلام.
يُنسب للحربية العديد من أهل العلم، من بينهم ابراهيم بن إسحاق الحربي، الزاهد والعالم اللغوي والفقيه الذي وافته المنية في سنة 285 هجرية، وكان له العديد من التصانيف. “باب التبن”، محلة كبيرة على الخندق مقابل قطيعة أم جعفر، يحتضن قبر عبدالله بن أحمد بن حنبل. اختار أحمد بن حنبل دفنه هنا بموجب وصيته، معبّرًا عن رغبته في القرب من النبي موسى بن جعفر الكاظم من آل البيت. وهذا المكان يعرف بعدة أسماء، منها “مشهد باب التبن” و”المشهد الكاظمي” و”المشهد بمقابر قريش”، إلى آخره.
قطيعة أم جعفر، والتي تُعرف أيضًا بالزبيدية، كانت محلة كبيرة عند باب التبن. كانت هذه المنطقة مأوى لخدم زبيدة أم جعفر، وكانت في مرتفع أعلى من البلدة. الخندق الطاهري، المتسع بين القطيعة والبناء المتصل بالمدينة من الغرب والشمال، يُعرف أيضًا بالحريم الطاهري، وهو مرتبط بقائد جيش المأمون، طاهر.
القطيعة، بوصفها موقعًا تاريخيًا، استضافت أهل النقد أبو عيسى وأبو محمد القطيعي وغيرهم. وأعتبر شاطئ دجلة في العطيفية بالقرب من شارع المحامين هو موقع شخصي يثير الفخر، مع الإشارة إلى الجسر الذي تم بناؤه بين مشرعة الروايا ومشرعة الحطابين في الجانبين الغربي والشرقي (الاعظمية) في سنة 448 هجرية، والذي عُطِل في سنة 450 هجرية.
يعتبر جسر بغداد، بطرازه الفريد كما كانوا يصفونه، مكانًا يُختار بعناية لعقد المناسبات الهامة. يعكس دجلة الزاهية بالزوارق، المعروفة باسم السميريات المعبرانيات، جزءًا من تراث بغداد الذي يحمله ميدان عبد المحسن الكاظمي في مدخل الكاظمية، شمال مدينة السلام في بغداد.
تتعدد الروايات والقصص حول جسر بغداد والأماكن المختارة لاحتفالاته، ومن بينهما القول عن علي بن الفرج والمحسن التنوخي. كما كانت دجلة تستضيف آلاف الزوارق في أيام الخليفة الناصر، حيث كانت عدتها تبلغ 30,000 زورق.
ساحة عبد المحسن الكاظمي في مدخل الكاظمية تعتبر جزءًا مهمًا من تراث بغداد، حيث تحمل في ذاكرتها تاريخ المدينة. اللقاء مع السيدين الكريمين، أمين بغداد ووكيله، ورجال الأمانة، كان مليئًا باللطف والمودة، مما يعكس الحب والاهتمام الكبيرين بمدينة السلام بغداد.
بالإضافة إلى ذلك، يشير الكاتب إلى تأثير كتابه “صورة بغداد في التراث”، الذي قدّمه في مناسبة اجتماع منظمة العواصم والمدن الإسلامية عام 1986، وكذلك قصائد “بغداد مدينة السلام” و”تحية بغداد للعواصم العربية والإسلامية” التي قدّمها كهدايا لمدينته الحبيبة.
بهذه الكلمات، يرسم الكاتب صورة مشرقة عن بغداد في قلوب أهلها، سائلاً الله لها السلامة والنجاح.