في أربعينيات القرن الماضي، اكتشف أهالي بغداد شخصية ذات ملامح أعجمية ولهجة غريبة، وكانت تتميز بتصرفات وسلوك غامض. تبين فيما بعد أنها إحدى الشخصيات الأجنية المهاجرة، قدمت إلى بغداد قادمة من مدينة تفليس في جورجيا، التي كانت تابعة للاتحاد السوفيتي المنحل، هربًا من بطش السلطة بعد ثورة بلشفيك عام 1917. وقد حمل معه شهادة جامعية في اختصاص نادر في العراق.
هذه الشخصية وجدت في مدينة بغداد مأوى آمنًا وحضنًا دافئًا، وبسرعة تكيفت وتأقلمت لتصبح جزءًا من مواطني بغداد، بعد أن احتضنته دار السلام وأوفرت له الأمان والاستقرار، وفقًا للطيبة المعروفة عن أهل المدينة تجاه العرب والأجانب. نجحت هذه الشخصية في فك عقدتها وكشف غموضها، إذ برزت ببراعة وتفوق في مجالات متعددة، خاصة في فن النحت وإقامة التماثيل. أصبحت ألكسندر الروسي جزءًا من المجتمع بعد حصوله على الجنسية العراقية، كتعبير منه عن وفائه للبلد الذي استضافه.
قام بتصميم وتنفيذ عدة نصب وتماثيل جميلة ووضعها في أماكن بارزة في مدينة بغداد، مما شكل حدثًا هامًا أثار إعجاب سكان هذه المدينة التاريخية.
بعد إعجاب الأستاذ أرشد العمري، أحد أمناء العاصمة السابقين، بأعمال النحت المتميزة للفنان أسكندر الروسي، وبمحبته للفن والفنانين، أصدر العمري أمرًا إداريًا يعين بموجبه أسكندر الروسي كنحات دائم برتبة أولى، وخصص ورشة خاصة لصنع ونحت التماثيل. قام الروسي بتنفيذ العديد من النصب والتماثيل التي أصبحت جزءًا من المعالم البارزة في شوارع بغداد والساحات المرموقة.
من بين هذه التماثيل الشهيرة التي زينت ساحة السويدي الشهداء حاليًا في جانب الكرخ، أبرزها التماثيل الشاخصة للسباع، والتي تظل إلى اليوم رمزًا تراثيًا في ساحة السباع. هذه الساحة تقع بين منطقتي أبو شيل وقرة شعبان في بغداد القديمة. كما قام أسكندر بتصميم وتنفيذ العديد من التماثيل والنصب المنتشرة في قصر الرحاب، الذي كان محل سكن للوصي على عرش العراق، الأمير عبد الاله، والذي حكم البلاد طويلاً خلال العهد الملكي. تم هدم القصر بعد ثورة الرابع عشر من تموز في عام 1958.
برز أسكندر الجورجي بجانب اهتماماته الفنية كمدرب ومعد لرياضيي بغداد المتحمسين، خاصة في رياضة رفع الأثقال. تكليف بتدريب أبطال النادي الرياضي الأولمبي الملكي، الذي كان واحدًا من الأندية الرياضية المثالية آنذاك، أضفى عليه مكانة مرموقة. بعد ثورة 14 تموز 1958، تحول النادي إلى نادي الأعظمية، ثم مركز شباب في ثمانينيات القرن الماضي، ليعود بعد ذلك إلى تسميته القديمة كنادي الأعظمية. حاليًا، يظل هذا النادي رمزًا في ساحة عنتر في منطقة الأعظمية.
بالإضافة إلى تدريبه لفرق الأندية، أشرف أسكندر على تدريب أبطال نادي الهواة الرياضي، الذي كان من بين أبرز أندية العراق لرياضة رفع الأثقال. وقام أيضًا بتدريب محبي وعشاق الرياضة من وجهاء بغداد، حيث حوّل بيوتهم الكبيرة إلى صالات تدريب. ومن اللافت، أن النحات والرياضي أسكندر قام بصنع أقراص الأثقال بنفسه بطريقة بدائية مبتكرة، باستخدام صب الأسمنت في تلك الفترة.
من بين أبرز الرياضيين القدامى الذين استفادوا من خبرة البطل العالمي ناصر الغافقى والجراح الماهر يوسف النعمان والدكتور فيض الزهاوي في بغداد، تألق النحات والرياضي متعدد المواهب، أسكندر الروسي. بفضل تلقيه تدريبًا من هؤلاء الخبراء والأبطال، انتقل الروسي إلى مجموعة من المهن والأعمال الحرة والتجارة، حقق فيها نجاحًا ملحوظًا. تألقه وشهرته لم تقتصر على عالم الرياضة فقط، بل امتدت أيضًا إلى مجال النحت وأقرانه في هذا الفن.