لا يزال اسمها يتردد في الاوساط الفنية وكانها توفيت حديثا زهور حسين المطربة التي خلفت وراءها عشرات الاغاني زهرة عبد الحسين، ولدت في منطقة الكاظمية في العراق ومصادر اخرى تؤكد ان ولادتها كانت في كربلاء.. بدأت الغناء عام 1938،
وبرعت في أداء أطوار غنائية مهمة مثل الدشت وكذلك اشتهرت في أداء مقام العنيسي والمحبوب والمستطيل، وكانت في بداياتها الفنية تعمل كمغنية في ملاهي بغداد خلال عقدي الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين، وكانت ماهرة في أداء غناء الريف والمدينة معاً. وكان من المقربين لها من الفنانين المطربة سليمة مراد وعفيفة اسكندر ونرجس شوقي وصديقة الملاية. تحتفظ دار الإذاعة العراقية بمجموعة فقيرة من أغنياتها الكثيرة التي ذهبت أدراج الرياح عندما كان البث الإذاعي حيا ومباشرة على الهواء..
اشهر أغانيها. غريبة من بعد عينج يايمة. يم أعيون حراكه. جبت لهل الهوى. هلة وكل الهلة. طفولتها والغناء السيرة الذاتية.
اشتركت في غناء افلام قليلة بداية السينما ولم يتهيأ لها دراسة الموسيقى او بعض الطرائق الغنائية اذ لم يكن في الاربعينيات و ما تلاها مدارس غنائية و انما هناك الموهبة والممارسة مع من يسبقها من المطربات و لكنها كانت ميالة للغناء الشعبي الذي كان يعرف خلال مناسبات الزواج و القبولات و غيرها.
كانت تغني منذ الصغر و تحيي الحفلات النسائية الغنائية الخاصة. برعت في أداء أطوار غنائية مهمة مثل الدشت وكذلك اشتهرت في أداء مقام العنيسي والمحبوب والمستطيل. وبدأت تعمل كمغنية في ملاهي بغداد خلال الخمسينيات والستينيات، وكانت ماهرة في أداء غناء الريف والمدينة معاً.. من أشهر أغانيها التي ما زالت حتى الآن تردد أغنية: غريبة من بعد عينج يايمة.
انطلق صوت زهور حسين فجأة يغرد على مسرح ملهى الفارابي حيث أحييت حفلا غنائيا بسرعة لا فتة،إذ حقق مكانة مرموقة،فقد قدمت وصلات غنائية أدائية مذهلة نالت الإعجاب واستحوذت على قلوب ومسامع الحاضرين،ومنذ الفرصة الأولى أتيحت لها في ذلك الملهى بدأت زهور الانطلاق وظهرت أكثر من مرة في تلك السهرات وسارت في خط تصاعدي،وعندما بدأت ملكاتها الفنية تنمو وتتطور استطاعت أن تفرض صوتها على الملحنين في تلك الفترة،مما حدا بهم إلى أن يقدموا ألحانهم لها. أمثال رضا علي وخضر الياس وسعيد العجلاوي،ثم راحت تشدو بألحانهم حتى دخلت الإذاعة عام 1942م وغنت أجمل ما عرفت به هو مقام (الدشت) التي كانت تؤديه بالشعر العربي الفصيح. وأخذت شهرتها تتسع على نطاق أوسع من خلال المذياع.. ومن خلال تواجدها في دار الإذاعة تعرفت على الملحن القدير عباس جميل فانسجم الاثنان أيما انسجام، حتى أصبحت له علاقة روحية صميمية معها،مما جعله يلحن أكثر أعماله لها التي تقدر بـ(60) أغنية منها: (أخاف أحجي وعليّ الناس يكلون)، فكانت هذه أول أغنية قدمها لها عام 1948م و(آني إللي أريد أحجي) و(يم اعيون حراكه) و(هله وكل الهله) و(جيت يهل الهوى) و(غريبة من بعد عينج يايمه) و(سوده شلهاني) و(لوله الغرام حاكم) والعديد من الأغاني لا يتسع المجال لذكرها. وتجدر الإشارة إلى أن آخر لحن قدمه لها هو من كلمات (الشاعر الغنائي الراحل عبد الكريم العلاف:
وين ابن الحلال الشاف محبوبي
يردلي لهفتي وحظي ومطلوبي
زهور حسين وحادث الموت
رحلت بحادث سيارة اودى بها الى مهاوي الصمت القاتل، وهي في الاربعين، ليخطف الموت اجمل اصوات العراق احساسا وطربا وتحديدا في يوم 24/12/1964 قرب الحلة (بابل) وهي في طريقها الى زيارة زوجها السجين، كأنها في تلك النهاية تصل الى لحظة تراجيدية لطالما كانت اغنياتها منذورة لحزنها المديد.
رحلت زهور حسين في عنفوان شبابها وفي أوج شهرتها في الغناء بحادث سيارة بين بغداد والحلة في عام 1964 عندما كانت تقود سيارتها ومعها شقيقتها لزيارة اخيها الموقوف في سجن الديوانية.
ونقلت هي إلى المستشفى، وبقيت غائبة عن الوعي قرابة العشرة أيام فارقت الحياة بعدها في 24 ديسمبر 1964.
زهور حسين أو زهرة عبد الحسين، المولودة في العام 1924 والتي لم يتهيأ لها دراسة الموسيقى، انما الموهبة التي صقلتها بالمران والمعرفة المكتسبة من تجربتي الغناء والحياة معا، كانت بدأت مشوارها في اجواء الغناء الشعبي على هامش المناسبات الاجتماعية النسوية، بينما كانت لحظة الحقيقة الفنية بالنسبة لها، هي الممثلة بميول زوج والدتها، المحب للموسيقى والمقتني لاسطوانات قرّاء المقام العراقي: نجم الشيخلي، رشيد القندرجي، و حسن خيوكة، و اهل الطرب العربي: فريد الاطرش، اسمهان و ام كلثوم. و هو من انتبه لاحقا لحلاوة صوتها، فشجّعها على الغناء، حتى وجدت طريقها لدار إذاعة بغداد، بعد ان استمع اليها الاخوان المؤسسان: صالح وداود الكويتي فانبهرا بصوتها وبحّته المميزة، وبإحساسها في أدائها لأغانيها، وعرضا عليها العمل في ملهى الفارابي يوم كانت “الملاهي” مسارا ثقافيا ليس بالضرورة قرينا بالرذائل. وفي عام 1944 ساعدها صالح الكويتي في أداء أولى حفلاتها الغنائية من دار الاذاعة العراقية، حين كانت حفلات للكثير من المطربات والمطربين تذاع على الهواء مباشرة ولساعة يوميا..
لزهور حسين، رصيد من الاسطوانات في شركة جقماقجي البغدادية الرائدة في صناعة النغم المعاصر، برزّت فيه اصوات المطربين الرواد مثل حضيري ابو عزيز، وناصر حكيم في الغناء الريفي، ومحمد القبانجي ويوسف عمر من مؤدي “المقام العراقي، مثلما كما كان لها حضور قوي في اذاعة بغداد، فضلا عن امسيات الغناء الحي، حين كانت تغني في ملهى أبي نؤاس في الباب الشرقي ببغداد جاذبة اسماع معجبين بصاحبة الصوت الذي صار اجمل من غنى مقام الدشت في اول اغنية لها و كان ذلك في ملهى الفارابي عام 1938 و مطلعها: اذا أنت تعشق ولم تدر ما الهوى فكن حجراً من يابس الصخر جلمداوهناك من رآى انها اختصت بقراءة مقام الدشت، وقد ابدعت فيه، وان الكثير من اغاني المطربة الكبيرة كانت ممنوعة لانها استخدمت كلمات فارسية، وهو أمر كان دارجا في اداء القديم من الالحان واداء القراءات الحسينية في الكاظمية، المنطقة التي تربت فيها و ترعرعت، وبخاصة استخدام مقام الدشت في هذه المناسبات.ويرى الشاعر والصحفي زهير الدجيلي انه وصل الاعجاب بغناء زهور حسين وبطريقة ادائها مقام الدشت في مقدمة أغانيها، وحين تدخل بعض المقاطع باللغة الفارسية مع العامية العراقية، حد أنها اصبحت مطربة العراق الأولى بعد سليمة مراد ومنيرة الهوزوز وزكية جورج وعفيفة اسكندر. ولم تعد مجالس الأنس والطرب في بغداد لدى العامة والخاصة منذ اربعينيات القرن حتى مطلع الستينيات مكتملة، من دون حضور زهور حسين التي تلهب مشاعر الحضور حماسا وطربا ونشوة، وصارت مؤنسة المجالس بغنائها وخفة روحها وضحكتها التي تنطلق مع بحة صوتها وغنجها.وقال عنها، الملحن الذي ارتبط بصعودها نجما غنائيا ساطعا، الراحل عباس جميل لحّنت لها أكثر من ثمانين أغنية، وقرأت في صوتها بحّة تسيل رقة وحناناً وشجى، تلامس بها أرق عواطف الانسان. حوربت كثيراً رحمها الله، من قبل بعضهن بمختلف الحجج والبعض الاخر من الفنانات حاولن منافستها في طورها فلم يلحقن بها ويلامسن جرفها، كانت متفردة رحمها الله وقد شكلنا معا ثنائيا كبيرا و كانت تربطني بها علاقة روحية حميمة، و هذا ما جعلني انسجم معها في اللحن الذي اقدمه لها و لا انسى انها بكت بكاء مرّا حينما غنت غريبة من بعد عينج يا يمة، اول مرة و كذلك في اغنية جيت لاهل الهوى. لقد كانت رحمها الله تتفاعل مع اللحن والكلمة بشكل يمنحني القدرة على العطاء اكثر و هي مطربة كبيرة بكل المقاييس. ويشير المطرب والملحن الراحل رضا علي، الى ان زهور حسين اجتهدت بحسب ثقافتها الشعبية، فكانت تغني بعفوية، اثناء ادائها الاطوار والبستات الشائعة، غير انها عندما بدأت تغني من الحان عباس جميل وألحاني، صارت تحسب لأهمية حفظ الكلمات وإتقان اللحن. مع ذلك ظلت بصمتها هي تلك البحّة والفطرة في الغناء، وسماعها في اي وقت، يبعث الطرب في النفس. ومع هذا التغير الذي يشير اليه علي، الا ان الناقد الراحل عادل الهاشمي يصف صوت زهور حسين بقوله إن “معدن صوتها غير نفيس، إنما يغشاه في الغالب رخص يزداد بتقطيع صوت يميل إلى الابتذال وتنعدم فيه روح التعبيرية تمامًا”. وهو بذلك يشير الى الطابع الفطري في غنائها، الذي لم تتهذب ملامحها حتى مع ما صاغه لصوتها، ملحنون خبروا الموسيقى المعاصرة واصولها السليمة.
الراحل عباس جميل يؤكد انها في أخاف أحجي وعليّ الناس يكلون، حوّلت زهور الخط الغنائي الذي كانت تسير عليه حسين، من الميزان الثقيل إلى السريع، لذلك وجدت لها شخصية متميزة لم ينافسها فيه سوى لميعة توفيق ووحيدة خليل، لأن الفنانتين كانتا تقدمان اللون الغنائي الريفي وهو الأقرب إلى لون زهور حسين. فتمكنت من أن أخلق نوعًا من المنافسة بين المطربات، وذلك عن طريق توزيع ألحاني على أكثر من صوت. وصوت زهور حسين تتخلله بحة محببة للقلوب، كانت تضيف إلى أذن المستمع الحنان والتعاطف. ومن أشهر الأغاني التي لحنتها لها آني اللي أريد أحجي، غريبة من بعد عينج يا يمه، يم عيون حراقة وعشرات غيرها.