تشهد رياضة “بناء الأجسام” في العراق أو كما يطلق عليها بالعامية “كمال الأجسام” إقبالاً متزايداً من قبل الشباب العراقي سواء أكانوا من المحترفين أم الهواة، لاسيما بعد عام 2003، لكن في غياب الضوابط العامة كالمراقبة والإشراف.
دخلت رياضة بناء الأجسام إلى العراق في ستينيات القرن الماضي وتأسس أول اتحاد لها عام 1972، واحترفها كثير من العراقيين وحققوا ألقاباً عالمية آنذاك، كان أشهرهم علي الكيار وعباس الهنداوي وطالب شهاب. “عفية بيك (جيد أنت)، حلو يا بطل (جميل أيها البطل)، شد يا وحش (أدفع بقوة أيها الوحش)”، وغيرها من الجُمل تتردد عالية في أرجاء إحدى قاعات بناء الأجسام أثناء ممارسة روادها لرياضتهم المفضلة، من أجل إضفاء جو حماسي لبعضهم البعض.
بأنفاس عميقة وجهد كبير انشغل محمود حسين عبد الله، وهو عاطل عن العمل منذ تخرجه من جامعة بغداد كلية اللغات قسم اللغة الفرنسية منذ نحو عامين تقريباً، بدفع ما بين يديه من أقراص حديدية تصل أوزانها إلى عشرات الكيلوغرامات في تمرين يطلق عليه أسم “النشر الجانبي”.
“متنفس وحيد” لقضاء أوقات الفراغ
ويمارس عبد الله هواية بناء الأجسام منذ نحو عام ونصف العام من أجل القضاء على أوقات فراغه التي يمليها عليه روتين الحياة اليومية في بغداد في ظل انعدام فرص العمل للعاطلين ونقص الأماكن الترفيهية، فضلاً عن رغبته الشديدة في بناء جسمه بطريقة سليمة.
ويقول عبد الله (26 عاماً)، الذي يقضي نحو ساعتين إلى ثلاث ساعات يومياً في ممارسة تمارينه الرياضية في قاعة “المستقبل” بمنطقة الشعب شرقي العاصمة بغداد، في حوار مع DW عربية إن “القاعة تعد المتنفس الوحيد لي، في ظل عدم وجود فرص العمل للعاطلين، ومكان ألتجأ له مع الانقطاع المستمر للتيار الكهربائي”. ويضيف عبد الله والذي بدا مفتول العضلات: “أخضع لدورات تدريبية لبناء جسمي. من أجل أن أواكب الموضة العالمية في ارتداء الأزياء الحديثة والتي تتطلب عضلات”، فبناء الأجسام بات موضة في العراق، كما يقول.
يشار إلى أن الإنتاج اليومي للطاقة الكهربائية في العراق لا يغطي أكثر من 50 بالمائة من الطلب المحلي، إذ أن معدل إنتاج الطاقة الكهربائية لا يتجاوز 7 آلاف كي في، فيما يقدر الطلب اليومي للكهرباء باكثر من 12 ألف كي في، وفي موسم الصيف يرتفع الطلب إلى أكثر من 14 ألف كي في.
حصد الألقاب لنيل العالمية
الشهرة العالمية والمحلية عن طريق تقوية العضلات أحد الأسباب التي تدفع محبي هذه الرياضة لممارستها، كما هو الحال مع علي فوزي عبد الأمير، الذي يمارس هوايته “لنيل النجومية والشهرة وحصد الألقاب على الصعيدين المحلي والعالمي”. وبينما يقوم عباس (33 عاماً) بممارسة تمارين الإحماء الخاصة بحصته التدريبية “العنيفة” كما يصفها، والتي تلقاها باستشارة من مدرب القاعة، يقول عبد الأمير في حديث مع DW عربية إن”هذه الرياضة تلهمني بالحيوية والنشاط وتشكل حافزاً لشهرتي مستقبلاً”.
ويوضح عبد الأمير الذي يمارس هوايته منذ عام 1997 ويطمح أن يشارك في بطولة عالمية بعد أن حصد عدة ألقاب محلية أن تولي الحكومة العراقية اهتماماً أكبر بهذه الرياضة التي “أخذت مكانة كبيرة بين الشباب في العراق”. ويُستدل إلى مكان هذه القاعات من خلال الملصقات الكبيرة التي توضع على واجهات القاعات لكبار الرياضيين المشهورين عالمياً في هذه الرياضة في حركات تجذب المارة بصورة عامة والهواة على وجه الخصوص.
لكن على الرغم من هذه الطموحات الواسعة فإن خبراء يرون أن هذا النوع من الرياضة لا يخلو من الجوانب السلبية والمتمثلة بتعاطي المنشطات والعقاقير المحفزة هرمونياً من قبل بعض ممارسيها والتي تسرع من نمو عضلاتهم في فترات قياسية. وهذه المنشطات تسبب غالباً أمراضاً خطيرة للجسم.
مواكبة الموضة على حساب الصحة
من جانبه يعزو اللاعب السابق في المنتخب الوطني العراقي للشباب لبناء الأجسام بهاء كامل عبد الرزاق إقبال الشباب على هذه الرياضة إلى “الرغبة التي تعتريهم (الشباب) في تقليد أبطال الأفلام في بناء عضلات قوية ليظهروا مفاتن أجسامهم”. وبينما ينشغل عبد الرزاق بكتابة برنامج تمارين رياضية لأحد الشباب الراغبين في ممارسة رياضة كمال الأجسام، يوضح في حديثه مع DW عربية قائلاً: إن “القاعات التي تعود لرياضيين معروفين في هذه المجال تشهد إقبالاً أكبر من مثيلاتها التي يملكها أشخاص لا علاقة لهم بهذه الرياضة والذين غالباً ما ينصحون روادهم بتعاطي العقاقير المنشطة”، عازياً السبب إلى “أن الأولى تكون مجهزة بكافة المستلزمات المطلوبة فضلاً عن نظام تدريبي علمي يرافقه برنامج غذائي مناسب”.
وينوه عبد الرزاق وهو مدرب في إحدى القاعات الرياضية في بغداد إلى”ضرورة تدخل أجهزة الدولة الرقابية بشكل فعال لمنع استيراد عقاقير المنشطات الرياضية التي أفسدت كل شي في هذه الرياضة على خلفية سهولة تعاطيها بين الشباب وبأسعار زهيدة”.
وإلى جانب هذه القاعات انتشرت أيضاً المحال التجارية وبعض الصيدليات الخاصة بتوفير المركبات الغذائية المكملة لرياضيي وهواة بناء الأجسام، وهي عبارة عن بروتينات معلبة تحوي على مواد غذائية كاملة تساعد في بناء الأجسام، قادمة من العديد من دول العالم. لكن كثيرة هي التحذيرات التي أطلقتها وزارتي الشباب والرياضة والصحة، والتي حذرت فيها الرياضيين من خطر تعاطي المنشطات المحفزة هرمونياً والخاصة بنمو العضلات، نظراً لاحتواء قسم كبير منها على المواد “الضارة والمسرطنة”.
نتائج وخيمة سببها المنشطات
وفي هذا الصدد يقول مدير الطب الرياضي التابع لوزارة الشباب والرياضة الدكتور حيدر رحيم وهاب إن وزارته حذرت رياضيي وهواة اللعبة من تعاطي المكملات الغذائية والمواد المنشطة “لاحتوائها على مواد تضر بصحتهم”. وعن الأضرار التي يتعرض لها متعاطي تلك العقاقير والحبوب والمواد المنشطة وأبرزها (Daenbl، Cruz، Anabolic،AD3)، يضيف وهاب في حوار مع DW عربية أن “تلك المنشطات تسبب العقم والسرطان والفشل الكلوي وتلف الأنسجة وغيرها من الأمراض التي تفتك بمتعاطيها نتيجة احتوائها على الهرمون الذكوري بنسب عالية جداً”.
وبالرغم من عدم وجود بيانات أو إحصائيات عن عدد الضحايا في عموم العراق، إلا أن وهاب وهو خبير في شؤون الطب الرياضي، يوضح بالقول إن مركزه الذي افتتح حديثاً “يستقبل نحو خمس إلى ست حالات يومياً في العاصمة بغداد وحدها”.