“شمعتنا لا تنطفئ، فأساتذتنا الكبار سلموها ليدنا، ونحن سلمناها للأجيال التي أتت من بعدنا، ونتمنى أن يحافظوا عليها”، هذا ما قالته رائدة المسرح العراقي الفنانة العراقية فوزية الشندي خلال حوارها مع الجزيرة نت.
ولدت الشندي في مدينة بغداد في الأول من يوليو/تموز 1946، ولها مسيرة فنية تناهز 50 عاما، ولديها مئات الأعمال المسرحية والتلفزيونية والإذاعية والسينمائية، ومنذ عام 2001 تفرغت للتأليف والتدريس.
وللتعرف أكثر على تجربتها الغنية التي جعلتها واحدة من أهم ممثلات الجيل الذهبي في العراق، أجابت الشندي عن أسئلة الجزيرة نت:
دخلت معهد الفنون الجميلة عام 1960-1961، وتخرجت بعد 3 سنوات من الدراسة، وكنت ثاني طالبة تتخرج من المعهد، حيث سبقتني الفنانة آزادوكي ساموئيل بسنة واحدة.
“فيما وراء الأفق” من إخراج بهنام ميخائيل كان أول عمل لي، ثم شاركت في مسرحية “شهرزاد” لتوفيق الحكيم وإخراج جعفر السعدي.
تأثرت بالعمل مع الراحل إبراهيم جلال بداية من مسرحية “مصرع كليوباترا” لأحمد شوقي، فهو المحلل البديع للحوارات ولما خلف الكلمة وما خلف السطور، تعلمنا منه الكثير وغرس فينا معلومات لا يمكن أن تُنسى، ونحن نستفيد منها إلى غاية اليوم.
كما عملت مع عدد من المخرجين البارزين مثل جاسم العبودي في مسرحية “عطيل”، وجعفر علي أكبر في “الثري النبيل”، وسامي عبد الحميد في “تاجر البندقية”.
أول شهادة حصلت عليها كانت من معهد الفنون الجميلة عام 1964، وبعدها البكالوريوس من أكاديمية الفنون الجميلة وكان معي 14 طالبا وأنا الطالبة الوحيدة، وأيضا الماجستير بأكاديمية الفنون الجميلة في جامعة بغداد.
بعد التخرج عيّنت بالنشاط المدرسي، ودرّست في معهد المعلمات، وأخرجت 4 أعمال أهمها “كيف نقع في حبائلهم؟”، و”شمس النهار” لتوفيق الحكيم، ولم يكن هنالك عنصر رجالي في معهد المعلمات في الأعظمية ببغداد، وإنما كانت البنات يأخذن أدوار الرجال وكن يجيدن هذه الأدوار.
ويعتبرني الوسط الفني والثقافي أول مدرّسة تمثيل في العالم العربي، وتعاقدت معي جامعة اليرموك في الأردن، ودرّست فيها 8 أعوام في كلية التربية والفنون من عام 1990 وحتى 1998، ودرّست الدراما وتاريخ المسرح، والتمثيل المسرحي الواقعي، والصوت والإلقاء، ودرّست سيكولوجية المسرح، ودرّست الصامت والتمثيل الارتجالي، خرّجت نحو 8 أجيال في الأردن، وأنا اعتز بهم واعتز بطلابي في أكاديمية الفنون الجميلة وكل طلابي في معهد الفنون الجميلة وفي أكاديمية الفنون الجميلة بعد التخرج، وهذا هو الرصيد بالنسبة لي في الجانب الفني.
أقيم منذ 20 عاما في لندن، ولأنه لا توجد في بريطانيا شركات يعمل بها الفنان العراقي، أعوّض التمثيل بكتابة السيناريوهات لأفلام سينمائية ومسلسلات تلفزيونية، وأكتب قصة قصيرة أو متوسطة، إذ صدر لي الكتاب الأول بـ60 ساعة تلفزيونية، لكنه لم ينتج حتى هذه اللحظة لأنني أبحث عن شركة تستثمره أو تنتجه وتشغّل به ممثلين، لأن مواضيعه اجتماعية وكتبتها كلها باللغة البيضاء، أي لغة عربية فصحى بسيطة غير مقعّرة، وعندي كتاب سيصدر قريبا يقع في 57 قصة متوسطة، وإن شاء الله ألحقه بـثلاث قصص ليكون 60 قصة، تتكلم عن واقع المجتمع العراقي.
في فترة من الفترات أصبح المسرح العراقي يعاني من الركود، ونحن نبحث عن كل شيء جديد، وأتيت إلى لندن لمشاهدة المسرح ثم أعود إلى بغداد، ولكن يبدو أن الجلسة طابت لي، وأخذنا الزمن هنا، رغم أنني غير مضطهدة في العراق، وأنا في سلام دائم مع نفسي والجميع، وأزور العراق باستمرار.
آخر عمل لي صدر عام 2001، وسابقا كان لدي 380 ساعة تلفزيونية في 50 سنة عمل، و59 عملا مسرحيا، وألفت أعمالا إذاعية لا تعد ولا تحصى و7 أفلام سينمائية.
أما أبرز البرامج كان برنامج “الشعر ديوان العرب” من تأليف عدة مؤلفين، وكان يُذاع في الساعة 12 ظهرا بتوقيت بغداد، وفي 12 ليلا، أنا والمرحوم الفنان الكبير طعمة التميمي، وكنا نقدمه في الأستوديوهات الإذاعية في بغداد، يضاف لذلك الأعمال العاطفية والاجتماعية ومسلسلات مختلفة. كما كتبت للتلفزيون مسلسل “جنوح الأحداث”، الذي أثار ضجة كبيرة وقتها، وأتمنى أن تتبنى إحدى شركات الإنتاج عملي الجديد “من نافذة الحياة” ويُنتج، لأنه عمل جيد حسب قراءات بعض المختصين الذين اعتمد على آرائهم من مخرجين.
المسرح هو مدرسة الشعب كما يقال، ومن خلاله تتطور المجتمعات وتشخّص الأخطاء، ليتنفس المجتمع الصعداء.
والعمل بالمسرح صعب جدا، فأنا لا أتكلم عن الأعمال التجارية من رقص وغناء والجمل التافهة والمتداولة، لكنني أتكلم عن المسرح العالمي الفكري والشامل والإنساني.
المسرح حياة كاملة وصعبة، ولكنه يحتاج لإنسان متفرغ، وأنا كنت أعمل المستحيل، وكان زوجي -رحمه الله- يأتي معي للبروفات، ويقف على صعوبة المسرح الذي نعمل به، لأن أساتذتنا المخرجين كانوا يصرفون جُل أوقاتهم مع الممثل، دربونا وعلمونا ما هو الصح والخطأ بالمشاعر والحركة وغيرها، هذه أمور هندسية وعلمية، وعلمناها لأجيالنا في الجامعات.
المسرح الجيد يأتي من الاستقرار، فإذا لم يكن البلد مستقرا كل الأمور تتراجع، والمسرح العراقي اليوم أصبح تجاريا، ولذلك أتمنى أن ترجع له الصحة وأن تتبنى الدولة ونقابة الفنانين والسينما والمسرح هؤلاء الممثلين الشباب والشابات، والعراق لا يخلو من المواهب، فبالتأكيد تعاد الصحة للمسرح العراقي ويستعيد مكانته التي كان عليها في السابق، رغم الظروف الصعبة حاليا.
ويجب أن تعمل الدولة على إخراج الممثل من الشركات، لأن الشركات تتحكم في الممثل ونوع العمل، في حين الدولة لا تستطيع أن تنتج شيئا أقل من مستوى المشاهد.
أكيد، عندما يكون لديك تاريخ فني جيد، ولك حظوة لدى الجمهور ويعرفون الشخص الفلاني أنه مثّل في مسرحية أو فيلم أو دراما جيدة، بعدها لا ينبغي أن يخرج بأعمال هابطة يرفضها الناس، لذلك كونك فنانا جيدا يجب أن تبتعد عن الأعمال الهابطة، وهذا هو سبب ابتعادي عن العمل في الساحة العراقية.
الذي يهاجر خارج بلده لا يستطيع العمل بسهولة لعدم وجود شركات إنتاجية. وبالنسبة لي في لندن أعمل في أكاديمية الفنون والتربية والتراث العربي، وأنا أدرس بها بنظام تقديم الكورسات مع طلاب مسرح من مختلف البلدان العربية، وأنا سعيدة جدا بهم.