حمامات بغداد : شيء من الماضي يستعـيد بريقه بطقوسه وحكاياته

حمامات بغداد : شيء من الماضي يستعـيد بريقه بطقوسه وحكاياته

أخذت حمامات بغداد حيزا كبيرا من الذاكرة الشعبيه البغدادية ويكاد يؤكد المؤرخون أن لا احد من البغداديين لم يدخل (حمام بغداد) كما اطلق عليه.

ولا يوجد حمام من حمامات بغداد له طقوس تختلف عن غيره ، لكن طباع البغداديين تكون مختلفة عموما فكل واحد يستمتع بدخول الحمام حسب مزاجه لذلك يختار البغدادي حمامه الخاص ومقهاه الخاصة وصحيفته المفضلة وحزبه وزعيمه الخاص به وشيخه الذي يفضله على الآخرين .

جزء من الحياة البغدادية

وتعتبر الحمامات في بغداد جزءا من الحياة البغدادية والحافلة بالمعتقدات والعادات الشعبية والحكايات ، اذ لا يوجد ومنذ بداية القرن الماضي من ليس له حمامه العام الخاص الذي كان يرتاده قبل ان تصبح الحمامات شيئا من الماضي كون البيوت البغدادية أيام زمان نادرا ما تجد فيها حماما خاصا إلا عند الميسورين منهم الذين بنو قصورا ومنازل حديثة.

أصــــل كلمــــة «حمـــــــام»

كلمة (حمام) أصلها(حمى) بالللغة العربية وتعني الحرارة المفرطة وقد وردت بصيغة (حمام تركي) لدى البعض على الرغم من أن الأتراك لم يستخدموا الحمامات حينما كانو بدوا في موطنهم الاصلي بأسيا الوسطى لكنهم استخدموها بعد دخولهم الآسلام 

اقسام ومحتويات الحمام

تتكون اغلب الحمامات من ثلاثة اقسام الاول”المنتزع”او حوش الحمام وهو بداية مدخل الحمام حيث يجلس الزبون على “لوح” مرتفع في مدخله وحوله ما يشبه الرفوف فيها المناشف والصابون ومستلزمات الحمام الاخرى. وتحيط بالمكان دكة مفروشة بالحصير والبسط يجلس عليها الزبائن ويضع كل واحد منهم”بقجة”اشبه بالحقيبة يضع فيها اغراضه وملابسه.

والقسم الثاني من الحمام قسم”التعرق”وهو قاعة ثانية بدرجة حرارة مناسبة في وسطها “دكة” يتمدد فيها الزبون كي يتعرق.. واذا اراد الزبون”مدلكجي” – وهو شخص يقوم بتدليك الجسم – فطلبه موجود حتما. والقسم الثالث قاعة “الاغتسال” وهي قلب الحمام الساخن حيث تتصاعد الحرارة العالية مع بخارها وحولها احواض الغسل.

روث الحمير..وقود الحمامات،

مايثير الدهشة ان وقود الحمامات كان”روث الحمير” حيث يوجد الى جوار كل حمام”تل” من”روث الحمير” يشترونه من”النكاكيب”وهم باعة الطابوق والجص والقصب والحصران. ولهؤلاء الباعة عدد من”الحمير” فاذا”روثت” حملوا”الروث” الى الحمامات وباعوه لاصحابها. وينشأ من هذا”الروث”بعد احراقه لتسخين ماء الحمام ، نوع من الرماد شديد الزرقة كان اصحاب الحمامات يبيعونه لبائعي المواد الانشائية الذين يخلطونه “بالنورة” فينشأ منه ماهو أشد قوة من الاسمنت.

ذكريات من الماضي

يحتفظ البغداديون بذكريات جميلة من حمامات بغداد..ويقول الحاج عبود السلطاني الذي مازال يتردد على احد حمامات منطقة الكرادة ، ان الحمام البغدادي كان ملتقى اجتماعيا يجمع ابناء المحلات المتقاربة ويتميز بفوائد عديدة لاتقتصر على الاغتسال والنظافة ، انما كان منتجعا للترفيه والطبابة والتعارف والاسترخاء وحتى الغناء اثباتا للموهبة والهواية. ويقول ان الحمام كانت له طقوس وعادات واجواء زاخرة بالطرافة والفكاهة.

اشهر الحمامات

ومن اشهر الحمامات في بغداد حمام”الباشا” وحمام “السراب” وهما في محلة “الميدان” وسط بغداد. وحمام “عيفان” وحمام “المالح” ويقع في منطقة “الفضل”. وحمام”كجو” وحمام “بنجة علي” وحمام “الكمرك” في محلة “باب الاغا”. وحمام “القاضي” وحمام “حيدر” الذي يضرب به المثل ويقع في شارع المستنصر قرب محلة “رأس القرية” وينسب الى حيدر الجلبي من أغنياء بغداد وموسريها وهو أحد بقايا عشرة آلاف حمام في بغداد وحدها.

وبعض الحمامات تكاد تكون خاصة للمستحمين لايتردد غيرهم عليها. ومنها التي لاتتسع لاكثر من اربعة اشخاص وهي تقع داخل البيوت.ومن أشهر الحمامات التي مازالت شاخصة في بغداد حمام “الجوادين” ويقع في منطقة الكاظمية وشيد في مطلع الستينيات من القرن الماضي مزودا ب 30 غرفة مجهزة بماء ساخن وبارد ويعمل فيه تسعة عمال ولم يستغن الناس عنه حتى بوجود حمامات حديثة في منازلهم.

حمامات النساء

واذا ذكر حمام الرجال فلابد من ذكر حمام النساء ويسميه اهل بغداد حمام “النسوان” الذي اشتهر في الامثال البغدادية الشعبية كمكان يضج بالاحاديث الصاخبة للمستحمات ولايفهم من احاديثهن شيئا، وحمام النساء هو نفسه حمام الرجال الاأن ذلك الحمام يترك نهارا لاستحمام النساء ويعمل ليلا في خدمة الرجال المستحمين.

وتتذكر الحاجة بدرية صورا من الماضي وتقول “اذا ضاق خلكك تذكر ايام عرسك “وتستذكر الحاجة بدرية التي تجاوزت عقدها السابع من العمر احلى ايام عمرها وتقول ان العروس كانت تأتي الى الحمام برفقة صاحباتها فيتحول المكان الى احتفال تتعالى فيه الزغاريد والاغاني حيث تكون”الطاسة الصفر”(اناء لسكب الماء مصنوعة من المعدن)في مقدمة آلات العزف المصاحبة للغناء.

ممنوع دخول الاطفال،

وللبغداديين قصص طريفة عن ايام طفولتهم وهم في سن الخامسة او السادسة من العمر حيث كانوا يذهبون مع امهاتهم الى حمام”النسوان” وبعضهم لايسمح له بالدخول بالرغم من ان عمره كان دون السابعة لاعتقاد بعض النسوة ان هؤلاء الاطفال قد يسترقون “النظر المحرم”لان عيونهم ربما تزيغ هنا او هناك بقصد او بدون قصد،

اترك تعليقك


لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *