جسر الموصل القديم

جسر الموصل القديم

تتوسط مدينة الموصل (المعروفة بمدينة الأوس والخزرج) ربوة على الضفة اليمنى لنهر دجلة، مما يحميها بشكل دائم من خطر مياه الفيضان. على الجهة الأخرى، تمتد الضفة اليسرى كسهل منبسط يصل إلى خرائب نينوى، ولهذا كانت هذه الجهة عرضة لتأثيرات مياه الفيضان، حيث قد يؤدي ارتفاع المياه في بعض السنوات إلى غمر السهل وانقطاع وسائل النقل، مما يعزل المدينة عن القرى والمدن المجاورة في تلك المنطقة حتى شهر نيسان.

تواجه مدينة الموصل في بعض الأوقات انخفاض منسوب المياه، وبناءً على ذلك، قررت الحكومة العثمانية في عام 1854 إيجاد حلاً لتلك الظروف الصعبة. قامت ببناء جسر يتألف من قناطر حجرية تمتد إلى نقطة عالية بعيدة عن تأثيرات الفيضانات في الضفة اليسرى.

بعد التفكير الجاد في الأوضاع الحرجة التي تعانيها المدينة، قررت الحكومة تنفيذ هذا المشروع وشيّدت القناطر بطول يصل إلى كيلومتر وعرض تقريبًا ثمانية أمتار، وارتفاع يبلغ عشرة أمتار. كان تصميمها يتيح الانحدار التدريجي نحو المنطقة العالية، وقد تم إنشاؤها باستخدام تكنولوجيا متاحة في تلك الفترة، وقاموا بتثبيت جسر خشبي عائم لربط الضفتين نظرًا لعدم توفر التكنولوجيا لحفر قاع النهر كما يحدث في العصر الحالي.

أثر هذا المشروع الذي قلّل بعض المصاعب التي كانت تواجه مدينة الموصل، ومع ذلك، فإن الجسر العائم كان يعاني من انقطاعات عند اشتداد الفيضانات، مما دفع الناس للعبور من جانب الجسر الحجري باستخدام القوارب. استمرت هذه العملية برغم التحديات حتى فترة الاحتلال البريطاني، حيث شُيد جسر عائم قوي متصل بعوامات ثقيلة وهياكل فولاذية عائمة لمواجهة ارتفاع منسوب المياه.

بعد تأسيس الحكم الوطني، فكرت الحكومة العراقية في بناء جسر حديدي ثابت لربط كلتا الضفتين. تولت مديرية الأشغال العامة تنفيذ المشروع بعد تحديد الموقع والطريقة وحجم الهيكل الحديدي اللازم. بدأت الأعمال في أوائل عام 1932 وانتهت في يونيو 1934، حيث افتتحه الملك غازي الأول. شهد الافتتاح احتفالية فخمة عكست الفرح والبهجة لدى أهالي الموصل الذين رحبوا بإنجاز هذا المشروع بترحاب لا مثيل له.

في أعقاب افتتاح الجسر الحديدي، تم رفع الجسر العائم القديم، وظلت القناطر الحجرية على حالها، لكنها كانت تبعد عن الجسر بنصف كيلومتر تقريبًا. بعد فترة، قرر المهندسون هدمها، حيث كانت وسط النهر تعيق جريان المياه خلال موسم الفيضانات، ما يمكن أن يؤثر على سلامة الجسر الحديدي.

في عام 1935، شهدت الموصل فيضانًا هائلًا لم يشهده أهلها منذ فترة طويلة، وعلى الرغم من عدم تأثر الجسر بأي حادث، إلا أن المياه طغت على الضفة اليسرى، حالت دون الوصول إليها. تعرقلت طرق المواصلات وقُطعت تمامًا، ورغم أن المياه انخفضت بعض الشيء، إلا أن مدخل الجسر في تلك الضفة ما زال محاطًا بالمياه. في مواجهة هذا الموقف، قامت مديرية الأشغال العامة ببناء قنوات حجرية على مجى نهر الخوصر، ثم قامت بتعلية الطريق بين الجسر وتلك القنوات، لتقديم حلاً يزيل خطر انقطاع المواصلات. كما قامت مديرية الري العامة بإنشاء سدة على ضفة نهر الخوصر اليسرى لمنع تدفق المياه.

تعتبر هذه ملخصًا لتطور حالة المواصلات بين ضفتي بلدة الموصل. والآن، دعونا نلقي نظرة تفصيلية على هياكل الجسر الفنية: يتألف الجسر من ثمانية هياكل حديدية، يبلغ طول كل منها 120 قدمًا، وتستند إلى سبع دعامات. تتكون هذه الدعامات من اسطوانتين حديدتين متقابلتين، قطر كل منها تسعة أقدام، وقد ركزت عمقًا يبلغ 44 قدمًا تقريبًا باستخدام عملية الهواء المضغوط. تم تأسيسها على طبقة قوية من الصلصال الأزرق والصخور. عرض سطح الجسر بلغ 18 قدمًا، مما يسمح لوسائط النقل بالتنقل في كلا الاتجاهين. وجُهز ممر للمشاة على جانبي الجسر بعرض خمسة أقدام لكل ممر.

يمكن للجسر تحمل نقل يصل إلى 25 طنًا، موزعة على طول الجسر البالغ 30 قدمًا. بلغت تكلفة إنشاء هذا الجسر 665515 دينار، ومديرية الأشغال العامة قامت بتشييدها بشكل مأمون بإشراف المهندس ماتيك ومساعده المهندس السيد فخر الدين الجميل وآخرين من المهندسين العراقيين.

اترك تعليقك


لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *