يعتبر جامع السيد السلطان علي من ابرز معالم شارع الرشيد, اول شارع حديث في بغداد, العاصمة العراقية, ولكن هذا الجامع الذي اعيد بناؤه بتصميم جديد, والذي يتوسط حيزا من المساحة الطويلة ، الفاصلة بين شارعي الرشيد ونهر دجلة, كان ولا ويزال موضع اختلاف, فمع انه يحمل اسمه منذ مئات السنين, ومع انه جدد في عهد السلطان العثماني عبدالحميد الثاني سنة 1210هجرية,
وجدد في العهد الملكي في الثلاثينيات, الا ان ذلك لم يقترن بالتأكيد التام من دقة وصحة هذا الاسم, ومن هو السيد السلطان علي؟ هل هو ينتمي الى سلالة الرسول صلى الله عليه وسلم؟ هل هو سلطان فعلا؟ هل هو بغدادي ام نزح الى بغداد من مكان اخر؟ ثم ان الجامع مشيد في موقع من ابرز مواقع الخلافة العباسية؟ فهل يعني ذلك انه ينتسب الى العباسيين؟ وقبل ان يمتلك العراقيون اجوبة محددة على هذه الاسئلة, كان الكثير منهم يعتقد ان لصاحب الجامع كراماته, وانه زاهد وتقي وله في قلوب الصالحين والاتقياء حرمة عظيمة ومكانة كبيرة, ولذلك وقفوا معارضين هدمه, او النيل منه عندما تم شق شارع الرشيد عام 1915 حيث اوقفوا نهاية الشارع عنده في مرحلته الاولى, ثم اكمل من قبل قوات الاحتلال البريطاني عام 1917 بشكل ظل فيه الجامع في مكانه, ولم يفقد من بنائه شيئا, ولم يتم نقله الى مكان اخر. منطقة وجامع ويمتلك جامع سيد سلطان علي مكانة خاصة في شارع الرشيد, فمع ان المنطقة التي يقع فيها الجامع تتوفر على العديد من المؤسسات والمواقع ذات الصلة بالمصالح اليومية للناس
الا ان هذا الجامع هو الغالب على هذه المنطقة وعلى ألسنة الناس, بحيث صار الناس ينسون اسماء المناطق القريبة منه, ويتعاملون معها على انها (منطقة سيد سلطان علي). وكانت تحيط بالجامع منتديات ومقاة عريقة, ومن ابرزها مقهى البرازيلية المعروف وقد اختفى, ولكن جامع سيد سلطان علي الذي اعيد تجديده في مراحل سابقة يتجدد في نهاية الالف الثاني للميلاد عام 2000 بشكل يكون فيه اكثر سعة وجمالا, اذ تضاف له مساحات اخرى, ويطل على شارع الرشيد بساحة مفتوحة, وذات اشجار, بعد ان كان يطل عليه بجدار عال, واصبح يتعالى في منارة تعلو قبة كبيرة, مشيدة في مكان غير قريب من الشارع, ولكنه ليس بعيدا عنه. وتروي بعض المصادر ان في جامع سيد سلطان علي مقبرة تضم مشاهيرا من بغداد في مراحل مختلفة, اذ نقل الى الجامع جسد العلامة الزاهد شاعر التصوف الامام محمد مهدي بهاء الرواس المتوفي سنة 1221هـ بعد هدم مسجده ومن قبله دفن في الجامع السيد عبدالغفور الحيدري مفتي الشافعية, وبداخل الجامع ايضا مقبرة لبيت الغرابي, ومن ابرزهم العلامة حسن الغرابي الذي درس في مدرسته كثير من العلماء, وكان محبوبا من اهالي بغداد, ويذكر له دور بارز في حادثة معينة, فقد قدم الوالي علي رضا ليأخذ مكانه حاكما لبغداد, ولكن الوالي المعزول امتنع وقاوم العزل, ونشب قتال بينهما واجمعت بغداد على انتخاب العلامة حسن الغرابي ممثلا عنها ليفاوض الوالي بالامتناع عن الحرب في بغداد, ونجح في مهمته, وكان من النادر ان تجمع بغداد لاختيار شخص يمثلها ويكون المعبر عنها في قضية معينة. ورغم مكانة هذه الشخصية وكونها شخصية بغدادية عريقة, فان السيد السلطان علي رغم الاختلاف المتواصل في تحديد هويته وانتمائه ظل هو البارز والمذكور وبقي الجامع لاسمه يحمل هذا الاسم, ويدل عليه, ويستدل به على امتداد اجيال واجيال.
والطريف ان المنطقة التي يقع فيها الجامع كانت من املاك العلامة الغرابي, وكانت مزرعته التي يقع الجامع فيها معروفة في المنطقة, ولكن كل ذلك وكل المكانة العلمية والاجتماعية للغرابي, لم تدفع الناس الى تسمية المنطقة باسمه, والمعلومات المتوفرة عن الغرابي لم تأت من السنة وروايات الناس, وانما جاءت من مصادر مكتوبة ومطبوعة, ولكن جامع السيد سلطان علي معروف لاغلبية العراقيين وليس لمن عملوا وسكنوا او مروا في الشارع الرشيد فقط. مؤرخون وروايات يعتبر الاستاذ المرحوم عباس العزاوي من المؤرخين العراقيين البارزين في الاربعينيات, وقد ذكر في كتاب له بعنوان (تاريخ العراق بين احتلالين) الظاهر ان شيخ علي هذا هو المنسوب اليه جامع السيد سلطان علي, فانه ولي بغداد وتوفي وفيها, وموضع الجامع في مرافق دار الخلافة العباسية وهو الانسب للسلاطين) وهذه المعلومة منقولة عن كتاب مؤلف باللغة التركية, وعنوانه (كلشن خلفاء) وهو من تأليف السيد مرتضى بن السيد علي البغدادي, ثم الرومي, الشهير نظم آل زادة, المتوفي سنة 1136 هـ 1723 ومما يذكر العزاوي نقلا عن هذا الكتاب (ان الشيخ علي هذا اعلن نفسه سلطانا في بغداد, وكان حكمها مدة, وهو ابن السلطان اويس الجلايري, حيث دامت سلطته سنة واحدة (785 ـ 786 هـ ( اذ قتله اخوه السلطان احمد وتسلطن مكانه. ولكن المؤرخ العزاوي لايكتفي بهذه المعلومات, ولايعتبرها قاطعة مؤكدة, وانما يذكر انه عثر على وثيقة لدى اصدقائه تفيد بان جامع السيد سلطان علي يعود الى ابي الحسن علي, وهو ابن يحيى بن ثابت بن حازم بن احمد بن علي بن رفاعة الحسن الملكي, ولد في البصرة عام 459 هـ توفي ابو السيد يحيى النقيب, وله سنة واحدة, وكفله اخواله الانصار وبنو خالته آل السيرفي, الامراء المشهورين في البصرة, وشب على التقوى, واخذ العلم والطريقة عن جده لامه الشيخ الكامل موسى ابي سعيد البخاري الانصاري شيخ البطائحيين, وكان يتردد الى البطائح لزيارة ابن خاله الشيخ الكبير السيد منصور الانصاري, وفي سنة 477 كانت البطائح بامر الشيخ منصور, وفي تلك السنة زوجه بأخته فاطمة الانصارية فأعقب منها اولادا مباركين اعظمهم شيخ الوقت امام الهدى السيد احمد الكبير الرفاعي, وكانت اقامة السيد ابي الحسن علي صاحب الترجمة بقرية حسن, من البطائح منطقة في جنوب العراق الى ان جاءت سنة 519 فوقعت الفتن الكثيرة بواسط والمشار اليه بين طوائف الصوفية والزهاد ورجال الغرة المحمدية, فأجمع الناس على سفره لبغداد, فتوجه ونزل بيت الامير مالك المسيب برأس القرية ـ وهي محلة مازالت تحمل الاسم نفسه في بغداد ـ وقد كتب بشأنه للخليفة مايلزم ان يكتب عماد الدين زنكي صاحب واسط, فاعزه الخليفة, ورفع مكانته. ثم مرض, وبعد اسبوع من مرضه توفي فعمل له الامير مشهداً برأس القرية, وهو الان يزار ويتبرك به, وله منزلة في قلوب العامة والمقصود هنا جامع سيد سلطان علي.
ويذكر المؤرخ العزاوي ان هذه الرواية موجودة ايضا في كتاب (روضة الاعيان في اخبار مشاهير الزمان) للعلامة المحقق المدقق محمد بن ابي بكر بن علي بن عبدالملك بن حماد. ويذكر الاستاذ هاشم محمد الرجب في دراسة منشورة في احد اعداد مجلة آفاق عربية ان الصديقي الدمشقي الشيخ مصطفى زار العراق سنة 1139 هـ ـ 1726 ودون تفاصيل رحلته في كتاب بعنوان (كشف الصدأ وغسل الزان في زيارة العراق وما والاها من البلدان) ويذكر في الرحلة واتينا قرب مزار سيد علي بن الامام موسى الكاظم) ويقصد جامع السيد سلطان علي. ويقول الاستاذ هاشم: وقد جاء على ذكر السيد سلطان علي الشيخ ابراهيم الرواي المتوفي عام 1947 اذ ذكر في كتاب بعنوان (مختصر القواعد المرعية في اصول الطريقة الرفاعية) الذي يتناول فيه اصحاب وطقوس الطريقة الرفاعية مايلي: ومنهم السيد علي رحمه الله, وهو الان مشهور فيما بين اهل بغداد بالسيد سلطان علي من المشايخ العظام والسادات الكرام, ومدفنه في بغداد, مأوى الغرباء ومجمع الفقراء. ولكن اغلب الروايات تؤكد ان جامع السيد سلطان علي يعود الى السيد علي ابن السيد يحيى الرفاعي, اذ قدم الى بغداد من اواسط عام 519 ليكشف للخليفة العباسي المسترشد الفتن الباطنية ويساعده على دفع مفاسدها, وتعلل المسترشد باستفحال امر السلطان محمود بالعراق فانزعج السيد الرفاعي لذلك ومرض, وبعد اسبوع توفي ببغداد وعمل عليه ابن السيب مشهدا كبيرا. وهذا ما يذكره بحث بعنوان (معالم تأريخية على شارع الرشيد) لكاتبه فؤاد طه محمد, وهو منشور في مجلة (التراث الشعبي) البغدادية العدد الفصلي الثاني ربيع 1988 في عدد مكرس لشارع الرشيد فقط, وهو بحث يعتمد على الكثير من المصادر. وهذا ما يؤكده الاستاذ هاشم محمد الرجب, اذ يشير الى كتاب بعنوان (مختصر اخبار الخلفاء) المنسوب الى علي بن انجب المعروف بابن الساعي المتوفي سنة 674 ـ 1276 الذي عاش قريبا من زمان السيد علي. اذ جاء في الكتاب (فانتظمت الاحوال ببركته, وحسن الامر, وسكنت الفتن, ورفع شرف آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم وبقيت قاعدة في البصرة, الى زمن ولد السيد يحيى, اعنى عليا ابا الحسن الملقب بالمكي دفين رأس القرية ـ محلة بغداد. وهذا هو الرأي الغالب وهو مأخوذ به في تحديد شخصية اسم السيد سلطان علي. اختلافات ورأي وهذه الروايات مع اتفاقها على الاسم, الا انها لم تتفق على المكان الذي جاء منه السيد علي الى بغداد, فهل جاء من واسط ام جاء من البصرة؟ وهي تتفق على انه من كبار الزاهدين والمتصوفة, وانه كان معروفا لدى الخلفاء والمتميزين في المكانة الاجتماعية, وانه من سلالة آل البيت, ولكنها لم توضح اسباب تسميته بالسلطان فهو لم يكن سلطانا في حياته, ولم يعمل للسلطنة. ولكن جامع السيد سلطان علي بحلته الجديدة, وبمعماره الجميل يؤكد ان السلطنة للذين اتقوا الله واحسنوا عبادته وسكنوا قلوب عباده بالذكر الطيب والعمل الصالح, وليس للذين تزخرفوا بها, واقاموا فيها وانتهوا صاغرين بنهايتها ولم يعد لهم بعدها مايذكرون به.