تقع مدينة نينوى، آخر عواصم الإمبراطورية الآشورية، في الجانب الشرقي من الموصل الحالية. يختبئ تحت ركام الأتربة الذي تجمع عليه ليظل غالبًا مختفيًا عن الأنظار لمدة تزيد عن أربعة وعشرين قرنًا. على هذا التل المرتفع في جنوب نينوى، أقام الملك الآشوري أدد نيراري الثالث بن شمش أدد الخامس، الذي حكم من العام 805 إلى 782 قبل الميلاد، قصرًا ضخمًا يتناسب مع عظمة حكمه. بعد أن أسر حدون، الذي حكم من 680 إلى 669 قبل الميلاد، هذا القصر تحول إلى مخزن للأسلحة ومربط للخيول.
عند سقوط نينوى في عام 612 قبل الميلاد، دُمرت المدينة ومعها القصور والمعابد، وكان لقصر أسر حدون نصيبه من الدمار. لكن بعض سكان نينوى اعتبروا الموقع فرصة لإعادة الاستيطان، فأقاموا مساكن ومعابد فوق هذا التل، محيطين إياه بجدار، فأصبح معروفًا باسم “الحصن الشرقي”. وتذكر المصادر التاريخية الإسلامية وجود معبد للأصنام على السفح الغربي من التل، وبعد توبة سكان نينوى إلى الله، قاموا بتحطيم الأصنام وهدم معبدهم في اقترابهم من الله.
في عصور الاحتلال الفارسي، أقام الفرس المعبد الزرادشتي، المخصص لعبادة النار، على تل يُعرف بتل الرماد، الذي بات معلمًا فريدًا على أرض نينوى. بعد انتشار المسيحية في المنطقة، حوّل المسيحيون المعبد المجوسي إلى دير، أطلقوا عليه اسم دير النبي يونان بن أمتاي، والمعروف أيضًا باسم دي النون، مشيرين به إلى الحوت الذي التهم يونان، حيث نجا بتوبته. مع توسع انتشار الإسلام، حظيت هذه المنطقة بقدسية، وأصبحت تل التوبة محل عبادة المسلمين.
عند فتح المسلمين للحصن الشرقي، أسسوا مسجدًا جديدًا على أطلال المعبد المجوسي، بجوار دير يونان بن أمتاي، وأصبح يُعرف باسم مسجد التوبة. تطور هذا المسجد مع مرور الزمن ليضم دورًا وسقايات ومطاهر، وأصبح مكانًا مقدسًا يعتبره المسلمون موقع وقوف النبي يونس. في أواخر القرن الرابع للهجرة، أعيد بناء هذا المسجد بفضل جهود السيدة جميلة، ابنة ناصر الدولة الحمداني، وأقيمت عليه أوقاف كبيرة. تحول المسجد ليصبح مكانًا روحيًا مهمًا ويستمر المسلمون في زيارته لأداء الصلوات والتبرك فيه. في نهاية المطاف، أصبح المعبد المجوسي وتل التوبة مكانًا ذا قيمة تاريخية ودينية.
في عام 1365م، قام جلال الدين إبراهيم الختني، أمير الموصل آنذاك، بتجديد المشهد التاريخي والديني عند تل التوبة. أقام محرابًا فيه حفظته الأزمنة، وحوّله إلى جامع يسمى جامع النبي يونس. وقام بتوفير أوقاف وتعيين ناظر للجامع. اللافت هو اكتشافه لضريح النبي يونس أثناء بناء الجامع، حيث أقام فوقه قبة ووضع صندوقًا عليه.
تظهر بعض المصادر التاريخية رواية تفيد بأن تيمورلنك هو الذي أظهر القبر وبنى قبة عليه، خلال احتلاله للموصل في سنة 1393م وسنة 1401م. ومع ذلك، يُظهر وقفي جلال الدين الختني أنه الشخص الذي أظهر القبر وبنى القبة، وقام بتخصيص الأوقاف وتعيين الناظرين، وذلك قبل وصول تيمورلنك بنحو عقدين من الزمن.
جامع النبي يونس الحالي يتألف من قسمين مفصولين بشارع، وكان يربط بينهما نفق تحت الأرض الذي تم إزالته في 1952 أثناء توسيع الشارع الفاصل بينهما.
الجامع النبي يونس يعبر عن تاريخ طويل يمتد إلى القرن السادس للهجرة، حيث يُظهر القسم الأول مطاهر وسقايات يرتبط بالمرحلة الأولى للجامع، ويركز على وجود ناعورة لرفع المياه وسط غياب المعالم التاريخية. أما القسم الثاني، فيحتوي على المصلى والحضرة، ويتميز ببناء مربع وأروقة متقابلة، بالإضافة إلى فناء المطبخ الذي كان مخصصًا لتحضير الطعام للفقراء.
يعني يتألف المصلى من أربعة أقسام، حيث تختلف محاريب كل منها في الحجم والزخرفة. يبرز القسم الوسطي كأقدم أقسام المصلى، مشيرين إلى أنه قد أُقيم فوق بناء قديم، وتم توسيعه في القرن العاشر للهجرة. وقد أضاف الأمير جلال الدين الختني محرابًا رائعًا في سنة 767هـ/1366م، ويعتبر من بين أفضل المحاريب في العراق، حيث استُخدم الرخام الأزرق في تصميمه، وتزين صدره بنقوش جميلة وتفاصيل نباتية.
يُظهر جامع النبي يونس في الموصل الجمال المعماري والتأريخ العريق، حيث تتنوع معالمه بين المصلى والحضرة والمنارة. الحضرة تحتوي على قبر النبي يونس عليه السلام، وتتميز بالمقرنسات والزخارف الجبسية الجميلة. يُلفت النظر محراب الحضرة الغني بالزخارف الهندسية والقوقعة، مع قناديل نافرة في الرخام.
تعتبر المنارة المبنية في القرن العشرين جزءًا أساسيًا من جامع النبي يونس، حيث بُنيت على أساس منارة سابقة. يتنوع بناء المنارة الحالية بالحجر الحلان الأسمر، وتعتبر الثالثة من نوعها في الموصل. تحمل المنارة الذكريات التاريخية، وتحيط بها جدران قديمة تكشف عن أثر الزمن بتفاصيل مسمارية. كما كان الجامع موطنًا للمدرسة اليونسية، التي أشرفت على تعليم العلوم والقرآن، مع تجديد شامل للجامع في الثمانينات، يُظهر احترام الموصليين لتاريخهم وثقافتهم الدينية.