استُخدمت النفط الخام والقار على مر العصور، حيث كانت الينابيع النفطية معروفة في بلدان مثل العراق وإيران وأذربيجان. السومريون يُعتقد أنهم استخدموا القار لتلبيس قواربهم المصنوعة من البردي قبل خمسة آلاف سنة.
في العصور القديمة، استفاد البابليون من القار كحاجز للرطوبة عند بناء زقوراتهم وجدران عاصمتهم بابل، وهي جنة معلقة تُعد واحدة من عجائب الدنيا السبع. ويُقال أن القار استُخدم أيضًا في تبليط بعض طرق بغداد خلال بنائها عام 762 ميلادي.
تاريخ القار يمتد إلى العصر الجاهلي، حيث كانت ذكرى الإبل الحبيبة ومعالجتها بزيت النفط جزءًا لا يتجزأ من الشعر العربي. في القرن التاسع، نجح الكيميائي محمد الرازي في الحصول على الكيروسين من تقطير النفط، واستُخدم للإضاءة. يُعتقد أن هذه العملية نُقلت إلى أوروبا في القرن الثاني عشر عبر الحضارة الإسلامية في الأندلس، حيث
استمرت في استخدامها في مصافي النفط الحديثة.
استمر جمع النفط والقار في مناطق مثل كركوك والقيارة وبلكانا وهيت في العراق على مر العصور. كان جمع النفط يتم عن طريق ملء قرب تحمل على ظهور الحمير والخيول ونقله إلى مناطق الاستخدام. في القرن السابع عشر، بدأ تأجير منابع النفط في المنطقة، حيث حصلت عائلة النفطجي في كركوك على تعاقدها بناءً على فرمان خاص من السلطان العثماني. شملت التعهدات منابع النفط في منطقة كركوك واستمرت حتى اكتشاف النفط في حقل كركوك العملاق في عام 1927، حيث بدأ التدفق الحديث للنفط من الأبار في وادي النفط المجاور.
حتى عام 1886، كان استخدام النفط يقتصر أساسًا على إنتاج الكيروسين للإضاءة وبعض الزيوت للمحركات البخارية المستخدمة على نطاق واسع في ذلك الوقت. إلا أن الألماني كارل بنز قام في عام 1885 بتصميم وبناء أول سيارة تعمل بواسطة محرك احتراق داخلي، وسجل براءة اختراع في عام 1886، جعلتها أول سيارة في العالم. بعده مباشرة، قام رودولف ديزل وكوتلب ديملر الألمانيان وهنري فورد الأمريكي بإنتاج سياراتهم، مما زاد من الطلب على وقود السيارات والنفط الخام بشكل كبير. قبل الحرب العالمية الأولى، انتشر استخدام محركات الاحتراق الداخلي في الحافلات وسيارات النقل والطائرات والسفن والأدوات الزراعية والمصانع، مما أدى إلى تنافس الدول الصناعية للحصول على امتيازات لاستكشاف النفط واكتشاف مصادره. أصبح النفط على رأس المتطلبات الاستراتيجية للدول الكبرى لضمان تشغيل آلاتها الحربية في ظل التوتر الدولي قبل الحرب العالمية الأولى.
سباق البحث عن النفط في الشرق الأوسط شكّل حدثًا عالميًا بعد اكتشاف حقل تكساس في عام 1901، حيث تدفق النفط بشكل هائل من بئر (سبندلتوب) إلى ارتفاع 46 مترًا بمعدل 100,000 برميل يوميًا. هذا الاكتشاف أثار إعجاب الدول الكبرى وشركاتها، دفعتها إلى إطلاق حملات استكشافية في مناطق الشرق الأوسط. ونظرًا للدلائل القوية على احتمال وجود النفط في المنطقة، قادت بريطانيا وألمانيا وفرنسا حملات استكشاف لتحديد مصادرها الغنية. في الوقت نفسه، أرسلت بعثات تجارية إلى استانة وطهران للحصول على عقود امتياز للاستكشاف واكتشاف النفط، بدعم كبير من دبلوماسيتها في العاصمتين.
بعد حصول البريطاني وليام دارسي على امتياز من شاه إيران لشركته “النفط الإنجليزية الفارسية” في 1901، نجح بعد جهود استكشافية طويلة في اكتشاف النفط بغزارة في منطقة مسجدي سليمان عام 1908، وهو أول اكتشاف تجاري عالمي للنفط في الشرق الأوسط. تم اتخاذ قرار بإنشاء مصفاة في عبادان للتنافس مع شركة روكفلر الأمريكية المحتكرة لسوق الشرق الأوسط للكيروسين، متطلبًا رؤوس أموال كبيرة. ولم تتمكن الشركة من توفير هذه الأموال، لذا قدمت الحكومة البريطانية التمويل اللازم وفي عام 1914، حصلت على حصة تبلغ 51% من الأسهم، مما جعلها تسيطر على الشركة وتحقق هدفها الاستراتيجي في تأمين احتياجاتها من النفط لتشغيل أساطيلها الحربية والتجارية. ونتيجة لذلك، تم إلغاء اسم الشركة وتأسيس شركة بديلة باسم “النفط البريطانية الفارسية” أو ما تعرف حالياً بـ “شركة النفط البريطانية”.
في العراق، كان التنافس شديدًا بين ألمانيا وبريطانيا، الدولتين الكبيرتين في ذلك الزمان، للحصول على امتياز من الإمبراطورية العثمانية لاستكشاف النفط. نجحت شركة سكة حديد الأناضول، المملوكة للبنك الألماني، في الحصول على امتياز لبناء سكة حديد في تركيا، وبعد ذلك تم تعديل شروط الامتياز في عام 1903 لتمديد السكة إلى بغداد، المعروفة بخط سكة حديد برلين بغداد الشهير. منح هذا الامتياز أفضلية لشركة سكة حديد الأناضول في استكشاف المعادن على جانبي المسار. في عام 1904، حصلت الشركة على موافقة أولية للاستكشاف، وعلى الرغم من ذلك، لم تلتزم ببعض الشروط، مما أدى في عام 1907 إلى إلغاء الامتياز.
بعد ذلك، فشلت ألمانيا وبريطانيا في الحصول على امتياز للاستكشاف بشكل فردي، الأمر الذي أدى في النهاية إلى توحيد جهودهما في إنشاء شركة مشتركة برأسمال ألماني وبريطاني، سُميت “شركة النفط التركية”. استمرت المناقشات بين الحكومتين الألمانية والبريطانية والمساهمين في هذه الشركة، لتنتهي في مارس 1914 بتوزيع الأسهم بنسبة 47.5% لشركة النفط البريطانية الفارسية، و25.0% للبنك الألماني، و22.5% لشركة شل، و2.5% لكولبنكيان.
تحققت جهود الشركة الجديدة بفعل ضغوط منسقة من الحكومتين الألمانية والبريطانية، حيث أرسلت حكومة الإمبراطورية العثمانية في 28 يونيو 1914 رسالتها المشهورة إلى السفير البريطاني في إسطنبول. أُعلِمَ فيها بموافقة وزير المالية على تأجير ترسبات النفط في ولايتي الموصل وبغداد لشركة النفط التركية، مع الاحتفاظ بحق المشاركة وتحديد الشروط. صارت هذه الرسالة أهم وثيقة بيد الشركة، استنادًا إليها للمطالبة بحقوق الامتياز حتى بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية.
على الرغم من أن الحرب العالمية الأولى اندلعت قبل وقت قصير من إرسال الرسالة، فإنها أدت إلى تعليق المفاوضات بشكل تام. دخلت الإمبراطورية العثمانية الحرب إلى جانب ألمانيا، لكنها خسرت، وفقدت سيطرتها على البلاد العربية.
انعقد مؤتمر سان ريمو في أبريل 1920، واتخذ قراراته حول توزيع الغنائم من ممتلكات الإمبراطورية العثمانية، وأضع العراق تحت الانتداب البريطاني. جاءت هذه الفترة بقرارات سرية تخص حصة البنك الألماني في شركة النفط التركية، حيث انتقلت إلى فرنسا، وتم منح العراق حق المساهمة بنسبة 20%.
وفقًا لاتفاقية سان ريمو، حصل العراق على استقلاله تحت الانتداب البريطاني، وأُقيمت حكومة وطنية، حيث أصبح فيصل الأول ملكًا على العراق في عام 1921. في أوائل عام 1922، قدم المندوب البريطاني السامي، سير بيرسي كوكس، رسالة إلى الملك فيصل الأول، يوصي فيها بمنح امتياز لشركة النفط التركية للتنقيب عن النفط بناءً على الرسالة التي حصلت عليها من الحكومة العثمانية.
عقب ذلك، قدَّمت شركة النفط التركية طلبًا رسميًا، يرافقه مسودة اتفاقية، إلى الحكومة العراقية للحصول على امتياز لاستكشاف النفط. ووافقت الحكومة العراقية على هذا الطلب، مباشرة في سبتمبر 1923، مما أدى إلى بدء المفاوضات بين الحكومة العراقية وشركة النفط التركية.
رغم أن المفاوضات جرت في ظروف صعبة للحكومة العراقية التي كانت تحت الانتداب وسيطرة المندوب السامي البريطاني، فقد برع المفاوض العراقي بصموده في المطالبة بالمشاركة في ملكية الشركة، دون علمه بالرسالة السرية لمؤتمر سان ريمو التي أعطته الحق في المشاركة بنسبة 20%. استمرت المفاوضات عبر لجان متعددة لحكومات عراقية مختلفة دون التوصل إلى اتفاق. كانت الشركة تلتزم بمسودة الاتفاقية التي قدمتها بدعم من الحكومة البريطانية.
وبالرغم من مطالب اللجان العراقية المتعاقبة بشروط أفضل، واجهت رفضًا من الشركة وتهديدات متواصلة، بالإضافة إلى تهديدات مبطنة في كثير من الأحيان وصريحة في حالات قليلة من قبل الحكومة البريطانية بنقل ولاية الموصل إلى تركيا إذا استمرت في موقفها العنيد عدم الموافقة على مسودة الاتفاقية. ونجحت تلك الضغوط أخيرًا، حيث وافقت الحكومة العراقية، برئاسة ياسين الهاشمي، على الاتفاقية التي قام بتوقيعها مزاحم الباجه جي، وزير المواصلات، نيابة عن الحكومة في 14 مارس 1925.
احتوت الاتفاقية على بنود وشروط مفصلة، حددت سعر النفط بأربعة شلنات (ذهب) للطن الواحد، قابلة للتعديل بعد 20 سنة. علمًا أن الجنيه الاسترليني يحتوي على عشرين شلنًا، وأن الطن الواحد يحتوي على 7.578 برميل، وأن البرميل يحتوي على 35 غالونًا بريطانيًا، يكون سعر البرميل الواحد يساوي 0.0264 جنيهًا استرلينيًا أو ما يوازي 38 برميلًا للجنيه الاسترليني الواحد. يذكر أن سعر البرميل الواحد في الوقت الحاضر يقترب من 100 دولار أمريكي، أو ما يعادل تقريبًا 60 جنيهًا استرلينيًا. وكانت مدة الامتياز 75 سنة، والشركة م
تواصلت مفاوضات شركة النفط التركية مع الحكومة العراقية للحصول على الامتياز، في حين كانت هناك خلافات حادة بين الحكومات البريطانية والفرنسية والأمريكية حول توزيع ثروات نفط العراق. خلاف بين الحكومتين البريطانية والأمريكية، ناتج عن مؤتمر سان ريمو الذي لم يخصص لها حصة في شركة النفط التركية، استمر لعدة سنوات وانتهى باستبدال اسم الشركة بشركة نفط العراق في أكتوبر 1928.
تأثرت الشركة بتغيرات جوهرية، حيث نجحت الحكومة الأمريكية في التفاوض للمشاركة في الشركة بنسبة 23.75%. بالإضافة إلى ذلك، خلال هذه الفترة، شهد اكتشاف حقل كركوك أهمية كبيرة، حيث قامت الشركة بإيقاف بعض عمليات الحفر في مناطق أخرى لتسريع عمليات تقييمه وتطويره.
في عام 1931، بعد عدم التزام الشركة بشروط اتفاقية 1925، دخلت الحكومة العراقية في مفاوضات جديدة مع شركة نفط العراق. ورغم تعقيد المفاوضات، نجح الجانب العراقي في تحقيق مكاسب هامة، من بينها فرض ضريبة سنوية، وتحديد عائدات النفط الحكومية السنوية، وتأمين احتياجات العراق من المشتقات النفطية بأسعار محددة، وتحديد مساحة الامتياز. بالإضافة إلى ذلك، قلصت مدة الامتياز من 75 إلى 70 سنة، ولم يطرأ تغيير على سعر النفط المحدد.