تعرف على محمد فاضل الجمالي أبرز رجالات العهد الملكي بالعراق

تعرف على محمد فاضل الجمالي أبرز رجالات العهد الملكي بالعراق

الجمالي مكن الزعيم التونسي الحبيب بورقيبة عام 1954 من دخول الأمم المتحدة لعرض القضية التونسية بعدما مُنع من دخولها لعدم تسنمه صفة رسمية. وبسببها قال بورقيبه للجمالي “لا أنا ولا بلدي تونس سننسى لك صنيعك هذا”.

يعد المفكر والسياسي العراقي الدكتور محمد فاضل الجمالي أحد أبرز رجالات العهد الملكي، حيث تسنم العديد من المناصب السياسية والدبلوماسية الرفيعة وترأس الحكومة، كما مثّل العراق في حفل تأسيس منظمة الأمم المتحدة عام 1945، وأسهم في وضع النظام الأساسي لجامعة الدول العربية.

وبعد رحلة حافلة بالإنجازات والمواقف المشهودة، توفي الجمالي في تونس يوم 24 مايو/أيار 1997 عن عمر ناهز 94 عاما، وترك إرثا مهما من المؤلفات والأفكار القيّمة.

في العهد الملكي

ويصف الأكاديمي والباحث في العلوم السياسية الدكتور ياسر عبد الحسين الفقيد بأنه أيقونة الدبلوماسية العراقية الخالدة، لكون هذا الاسم ارتبط بتاريخ ومحطات وتحولات السياسة الخارجية العراقية في مراحل التحول التأسيسية لمشروع الدولة .

ويضيف -في حديثه للجزيرة نت- بأن الجمالي ولد في محلة القطانة بمدينة الكاظمية في بغداد 1903، ونشأ في أسرة دينية وعلمية، وقد درس في الجامعة الأميركية في بيروت وجامعة كولومبيا العريقة في الولايات المتحدة، وهو أول شخصية عراقية يحمل دكتوراه تربية من هارفارد.

ويشير إلى أن شخصيته تأثرت بالتعليم الديني حيث حفظ القرآن الكريم ودخل مدرسة الخالصي في الكاظمية، ثم مدرسة المفيد الابتدائية عام 1910، وبعد تخرجه عين معاون مدرس في مدرسة الكاظمية، ثم لاحقا دخل دار المعلمين، وقد أثرت هذه المراحل في كتاباته ومؤلفاته ذات البعد الديني والتربوي.

وعن تدرجه الوظيفي وأبرز مناصبه بالعهد الملكي، يقول الدكتور عبد الحسين إن الجمالي عمل في السلك التعليمي مديرا عاما في المعارف وعضوية المجمع العلمي العراقي، ثم دخل عالم السياسة الأوسع بين رئاسة الوزراء ومجلس النواب ووزارة الخارجية، وظلت النزعة القومية العربية حاضرة في مواقفه، وخصوصا دعم القضية الفلسطينية.

وينوه إلى أن الجمالي تقلد منصب وزير الخارجية 6 مرات في 6 وزارات بين عامي 1946 و1953، كان التأثير الأكبر لدبلوماسية الجمالي في عهد رئيس الوزراء الأسبق نوري السعيد بسبب علاقته مع الأخير فضلا عن كفاءة الجمالي.

ومع نهاية الحرب العالمية الثانية وأواخر العهد الملكي، دخل الجمالي مجلس النواب ممثلا عن لواء الديوانية لأكثر من دورة نيابية، وأصبح وزيرا ثم رئيسا للوزراء مرتين قبل نهاية العهد الملكي في العراق.

ويعزو الدكتور عبد الحسين أسباب نجاح الجمالي، في تقلد العديد من الوزارات ورئاسة الوزراء ورئاسة البرلمان، إلى كونه من الشخصيات الاستثنائية في تاريخ العراق الحديث، بل على المستوى الإنساني أيضا، حيث وصفه الدبلوماسي المخضرم الراحل الشاذلي القليبي بأنه من عمالقة التاريخ العربي الحديث، فهو رجل دولة وتربوي ودبلوماسي محترف.

الدبلوماسي الجريء

وعرف الجمالي بعمله الدبلوماسي المتميز في المنظمات الدولية ومشاريع العراق المتعلقة بالتحالفات والمواقف، وكان -بحسب الدكتور عبد الحسين- قد تميز بنشاطه الدبلوماسي واهتمامه بالسياسة الخارجية، وهو في هذا التوجه انسجم مع نوري السعيد في التحرك نحو بلدان المشرق، فأخذت مسألة الاتحاد العراقي السوري والاتحاد العراقي الأردني جهده الأكبر، وانصبت سياسته على مثل هذه المشاريع، حتى كان وزیر خارجية أكثر من كونه رئيس وزراء، حيث إن أهم ما ميز حكمه هو مشاريعه الخارجية واهتمامه بالاتحاد العربي.

وعن تمثيله العراق في احتفال تأسيس الأمم المتحدة، يقول الباحث السياسي إن الحكومة خولت الجمالي بالتوقيع على ميثاق الأمم المتحدة باسم العراق، وقد اشترك في صيانة الميثاق الأممي من خلال اشتراكه في لجنتين مهمتين من لجان المؤتمر، وهما اللجنة التي صاغت مجلس الأمن، وتلك التي صادقت على الجمعية العمومية، ومن خلالهما نجح في وضع المادة رقم 78 من الوثيقة في لجنة الصياغة والتي تضمنت استقلال الدول المشاركة بالمؤتمر، والتي لم تكن قد حققت استقلالها بعد.

ويتابع عبد الحسين حديثه أنه من خلال الجمالي، سعى العراق -عن طريق اللجان التي شارك فيها بالمؤتمر- إلى وضع مادة خاصة بحق الفلسطينيين، حيث كانت مشاركة العراق في مؤتمر سان فرانسيسكو مرحلة مهمة بتاريخ العراق السياسي الحديث، ويسجل للدكتور الجمالي الدور الكبير في هذا المحفل فضلا عن زملائه من الوفد العراقي.

دوره باستقلال تونس

وعن دور الجمالي في استقلال تونس، قال الأكاديمي والباحث في التاريخ الدكتور منير عبود جديع حمادي إن الجمالي هو الذي خطط لإدخال الحبيب بورقيبة -أول رئيس للجمهورية التونسية- إلى مبنى الأمم المتحدة مع الوفد العراقي عام 1954، حيث تحدث الجمالي أمام الأمم المتحدة بصفته رئيس الوفد العراقي، ثم أحال الكلمة قائلا “سأحيل الميكرفون إلى أخي الحبيب بورقيبة للتحدث باسم دولة تونس الحرة”.

ويتابع حمادي حديثه للجزيرة نت: ثم صمت جميع من في القاعة وغادر الوفد الفرنسي معترضا، لكن بورقيبة ألقى خطابه في القاعة فأعجب به جميع الحاضرين، ثم قال بورقيبة إلى الجمالي “لا أنا ولا بلدي تونس سننسى لك صنيعك هذا”.

الانقلاب والمنفى

بدوره يرى الكاتب السياسي شامل الأعظمي أن تأسيس المملكة العراقية فتح أمام الجمالي والكثير من أمثاله فرص التطور الذاتي، حيث كانت الدولة في بداية تأسيسها حديثة تاركة خلفها قرونا من التخلف.

وفي حديثه للجزيرة نت، ينوه الأعظمي إلى أن نشاط الجمالي ولقاءاته الدولية كانت محل انتقاص الأحزاب الأيديولوجية من اليسار الشيوعي والقومي مستغلة جهل المجتمع بأمور كهذه وقتها، فكانت هذه الأحزاب تشيع بأن اجتماع الجمالي بمسؤولي العالم يعد بمثابة خيانة وعمالة.

ويتابع: بعد حدوث انقلاب 14 يوليو/تموز 1958 أصبح الجمالي مطاردا من قبل الانقلابيين، ويروى أن شخصا كان يشبهه مرّ قرب وزارة الدفاع، فتقدمت دبابة الانقلابيين لتسحق الرجل المسكين من دون سماع دفاعه أو توسلاته.

ويبين الأعظمي أن الجمالي هرب إلى بستان أحد أصدقائه في محيط بغداد، وفي يوم 17 يوليو/تموز 1958 ألقي القبض عليه، وزج به في السجن وسيق لمحكمة الثورة، وحكم عليه بالإعدام بتهم العمالة، لكن بسبب دوره المساند للقضايا العربية وبالأخص دول المغرب العربي وأثناء زيارة محمد الخامس ملك المغرب لبغداد، يقال إنه قال لعبد الكريم قاسم “لن أبرح بغداد قبل أن أصطحب معي الجمالي” وكان له ذلك، فسافر لبيروت ثم سويسرا، وبعدها وبطلب من الرئيس بورقيبة سافر لتونس ومنح الجنسية.

مؤلفات غزيرة

من جانبه يقول الكاتب والباحث منتظر العمري إن الجمالي كان غزير التأليف وأفاد المكتبة العراقية والعربية بشكل كبير، وبحكم شخصيته الموسوعية وتجاربه ومعاصرته وطموحه لرقي المجتمعات العربية، كتب الجمالي في موضوعات مهمة وقدم بها وصفات علاجية يتم من خلالها انتشال المنطقة من الجهل والتأخر في مواكبة الحياة المتسارعة والتغيير.

ويبيّن للجزيرة نت أن الراحل كتب في التربية والتعليم “التربية لأجل حضارة متبدلة” و”آفاق التربية الحديثة في البلدان النامية” و”دروس من تفوق اليابان في حقل التربية والتعليم” بالإضافة إلى بحوث ودراسات أخرى كثيرة، إلى جانب مساهماته العملية في تأسيس المؤسسات التعليمية وجلب النظم التعليمية العالمية، وكان له الدور في تكوين ما يسمى التيار التنويري وإصلاح التعليم ونقله من الكتاتيب إلى تعليم المؤسسات التعليمية التي تملك البرامج والخطط المتطورة والمناهج الحديثة.

ويرجح العمري بأن تنوع الأدوار والبيئات التي عاشها الجمالي لها الدور الكبير في إيجاد التنوع في طرحه المعرفي، كما أن الشعور بالمسؤولية تجاه العراق وبلدان المنطقة والتراجع الذي منيت به الأمة وشعوره القومي الواضح والطاغي على مؤلفاته دفعه للكتابة في مختلف المسائل وبالتحديد المسائل القومية العربية الجامعة التي دعا فيها إلى اليقظة العربية والإصلاح الشامل واللحاق بقطار التقدم.

ويلفت إلى أن مؤلفات الجمالي تميزت بوضع الحلول المناسبة للمشاكل التي تعانيها الأمة العربية والعراق، كالتطرف والرجعية والتخلف، ودعا إلى النضال العربي من أجل التحرر، واعتبر العلم والمعرفة الخطوة الأولى والأساس الذي يجب أن تبنى عليه الأمة العربية، إضافة إلى ذلك كتب كثيرا في موضوع الوحدة العربية وضرورة الاتحاد والوفاق بين الدول العربية وتكوين حلف إستراتيجي ضد الأطماع الخارجية.

وفاته

ويذكر العمري أن الجمالي توفي عام 1997 بعد حياة قضاها بالنضال والعمل من أجل الأمة العربية، واستمر في عمله بحقل التعليم والكتابة حتى ارتحل وهو بعيد عن أرض الوطن ودفن في تونس، وتم تكريمه بعشرات المؤتمرات والكتابات التي صدرت عنه.

ويعرب عن أسفه لعدم حصول الجمالي على التكريم المناسب في العراق، وقد أهمل هذا الاسم اللامع رغم الدور الكبير الذي أداه بداية تأسيس الدولة العراقية المعاصرة، كما تم التنكر من قبل السلطات المتعاقبة للدور السياسي والدبلوماسي الذي لعبه الجمالي من أجل بناء العراق.

واعتبر أن الراحل هو منظر التعليم الحديث وواضع لبناته الأولى، وقد تحمل الفقيد الويلات من أجل أداء رسالته وإيصال ما يؤمن به ويحقق التقدم والرخاء لبلدان المنطقة وفي مقدمتها العراق.

ودعا المؤسسات المختصة -وخاصة وزارتي الثقافة والخارجية- بأن تعمل على استذكار هذه الشخصية الكبيرة، وأن تجلي عنه جزءا من الظلم الذي وقع عليه، بحسب العمري.

اترك تعليقك


لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *