بغداديات..قصور بغداد

بغداديات..قصور بغداد

المنازل ذات الواجهة الفخمة التي تطل على نهر دجلة مباشرة تحمل اسم “قصر”، أما إذا كانت داخل المدينة ورغم فخامتها، فتُعرف بـ “بيت درياهي” أو “بيت تندق له النوبه” كعلامة للاحترام. ومن هنا جاء تسمية أضخم قصر في بغداد، وهو قصر كاظم باشا، الذي استُخدم في وقت لاحق كمقر للمندوب السامي، أي السفارة البريطانية، في منطقة الكريمات في الكرخ.

كاظم باشا، أحد قادة الفيالق العثمانية في بغداد، يمتلك بجوار الصليخ بستانًا رائعًا بأحسن أنواع الأشجار، يُعرف بـ “بستان كاظم باشا”، حيث تنقسم مساحته إلى بساتين صغيرة وقطع أراضي سكنية.

القصر الآخر الفخم هو قصر النقيب، الواقع قبالة دائرة البريد المركزية في السنك، يطل مباشرة على نهر دجلة. يتميز القصر بمسناه الواسعة وغرفه التي تطل على النهر، وقد تم بناؤه حديثًا. يُستخدم كمقر لسكن نقيب الإشراف، وكمكان لاستقبال الضيوف غير الرسميين وتنظيم الولائم الخاصة والحفلات.

كان مقر النقيب، المعروف بـ “الدار كاه”، هو العقار الواسع والفخم الموجود مباشرة مقابل جامع الكيلاني. تم استحواذ عليه الآن وأصبح جزءًا من مستديرة باب الشيخ، المجاورة للجامع. وفيما يتعلق بقصر عبد القادر دله في شارع المستنصر، يشكل منزل الأستاذ السيد يوسف الكيلاني موطنًا للثقافة الكيلانية، حيث يحتضن مكتبته الفريدة بتصميم يجمع بين العناصر الهندية والتركية. يتميز القصر بأعمدته وقاعاته المبلطة بالرخام الأبيض.

ثم تأتي القصور الثلاثة في شارع بيت لنج بالمستنصر، وهي قصور بيت سيمون غربيبيان، التاجر البارز، وقصر النواب الكبير الهندي أبو عبدالله، وقصر الدكتور جوبانيان، الذي بُني حديثًا ويعتبر أصغرهم من حيث المساحة. ثم يأتي قصر المقيم البريطاني في فترة العثمانيين على نهر دجلة، يمتد جنوبًا من قصر النقيب. وكذلك، يظهر قصر آخر للمقيم البريطاني، الذي اتخذه قائد القوات البريطانية مقرًا له، وكان لفترة طويلة يتميز برفع المدفع والعلم البريطاني. بعد ذلك، أُخذ هذا القصر والقصر المجاور له ليصبحا مقرًا لوزارة الاقتصاد ووزارة الزراعة والشؤون الاجتماعية.

وفي الختام، يظهر قصر حجي حسين ياسين الخضيري، وقصر بيت الباجه جي الذي انتقل إلى مقتربات جسر الجمهورية. وعلى شاطئ دجلة في شارع أبو نؤاس إلى الكرادة، لم يكن هناك قصر ضخم، بل قصور متوسطة، مثل قصر الوجيه محمود الأطرقجي والقصر الذي كان يسكنه عبد المحسن السعدون عندما انتحر، وبعض الأثرياء اليهود في منطقة السبع قصور.

أما في الكرخ، لم تكن هناك قصور متميزة إلا السفارة، بل كانت هناك قصور صغيرة مثل قصر إبراهيم الأرضروملي وقصر عبد المجيد بك الشاوي وقصر الحاج أحمد الكردي التاجر الشيلمان، وقصر بيت الإيلجي (القنصل الإيراني)، وبيت النواب الهندي، وقصر يوسف السويدي.

تلك القصور الممتدة على شاطئ نهر دجلة، رغم عدم وجود لمسة من الفخامة التي تُسمى بها قصورًا، إلا أن وقوعها المباشر على النهر أعطاها هذا التسمية. في طريق الكاظمية، يُطلق على قصر الأيل اسم “الأيل” ويرجع إلى عبد الحسين الجلبي والذي تميز بتمثال لغزال الأيل في حديقته الواسعة. يُطلق اسم “قصر ابن شعشوع” على ثلاثة قصور في طريق الأعظمية، حيث اتخذ أكبرها بلاطًا للملك فيصل الأول، وتحقق الثاني من الجهة الجنوبية. الثالث، الواقع شمالًا، بقي غير ملحق بالبلاط وجُمعت تسميتها تحت “قصر ابن شعشوع”، نسبة إلى تاجر بغداد الثري ابن شعشوع.

في الأعظمية، يُعد قصر الشابندر في محلة السفينة القصر البارز الذي كان يسكنه مكي الشابندر. وفي السابق، كانت البيوت على نهر دجلة تُعرف باسم “قصور”، حيث كانت مأجرة ليهود بغداد لقضاء فصل الصيف، قبل أن يهاجروا جميعًا إلى الكرادة الشرقية بسبب الظروف في الثلاثينات.

في بداية الثلاثينيات، قام ناجي الخضيري ببناء قصره على نهر دجلة في الأعظمية واستقر فيه قبل أن ينتقل إلى الجادرية، ثم استوطنه صهره عزة الخضيري. بالنسبة للبيت الذي أُطلق عليه اسم “قصر” على الرغم من عدم وجوده على نهر دجلة مباشرة، فإنه يعود إلى بيت الجوربجي، الذي تم بناؤه في منتصف العشرينات بطريق الأعظمية، بجوار مركز شباب الأعظمية حاليًا.

وفي أواخر العشرينات، بدأت عمليات بناء القصور على شارع المجيدية بعد توزيع الشاطئ المذكور على الوزراء والمتنفذين. كما بدأ البناء على شارع الوزيرية بعد توزيع البلاط الملكي على المحسوبين على البلاط، وكان هناك تطور في بناء القصور على شواطئ كرادة مريم، بمثل قصر الدكتور نجيب بابك وقصر عبدالعزيز القصاب، والقصر الذي استأجره الملك علي.

وفي سياق القصور، أشيد ببيت كبير بناه المرحوم عبدالله الشاوي بالقرب من هاتين البيتين، وكُتب على أعلى بابه “قصر غمدان الشاوي” تكريمًا لقصر غمدان في اليمن، وقد أُطلق عليه هذا اللقب تأكيدًا لأصلهم من عشيرة العبيد ونسل قحطان وحمير في اليمن.

كانت مغاني بغداد تمتد إلى بساتين مفتوحة غير محروسة جيدًا، فقد كان هناك بستان في محلة النصة في الأعظمية، يُزعم أن فيه مدفونة الصوفية رابعة، وكان الناس يأتون إليه للنزهة، كما كانوا يتوجهون إلى سيد إدريس في الكرادة أو إلى شواطئ دجلة في سلمان باك أثناء موسم الزيارات الربيعي الذي كان يستمر شهراً كاملاً.

وكان هناك حديقة عامة في الصالحية تُعرف بحديقة مود، وقد أُقيمت بواسطة سلطات الاحتلال وتمت تسميتها باسم فاتح بغداد الجنرال مود، ثم تحولت أخيراً إلى مقاهٍ وبيوت سكنية. كما كان هناك بستان الخس الذي كان مزرعة للخس، حيث كان الناس يستمتعون ويشربون العرق ويأكلون الخس الذي يُختارونه بأنفسهم.

وفي سياق البستان، كان بستان الأرضروملي متنزهًا لسكان الكرخ، لأنه كان خاليًا من الأشجار المثمرة التي يمنع أصحابها دخول الناس. كما كان هناك بستان عباس الطعمة قرب الجسر الحديدي في الجعيفر من الكرخ، وبستان المتولية الذي يعود إلى حنينة الحاج عباس، حفيدة الأسطى غني المصارع الذي تغلب على مصارعي إيران.

وفي الجادرية، كان هناك بستان للحاج ناجي لا يسمح بدخوله إلا بعد الإذن، لأن المسكن المعروفة كانت صديقة مقربة للحاج ناجي. كما كان هناك بستان الترجمانية في معسكر الرشيد، ومزارع الرستمية التي كانت مفتوحة لزيارات الناس واستراحاتهم.

وفي سياق البيوت الكبيرة، بنى المهندس فهمي دولت بيتًا كبيرًا في محلة الكريمات قرب السفارة البريطانية، كانت هناك فرجة لأهالي بغداد، وكانت غريبة في الطابع والهندسة، إذ كانت تُشيد على طراز بيوت المستعمرين البريطانيين في أدغال ومزارع الهند وسيلان المبنية من الخشب.

اترك تعليقك


لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *