الحاج محمد الخشالي، صاحب مقهى الشابندر في شارع المتنبي ببغداد، يعتبر شخصية بارزة ومن أقدم سكان ورواد المنطقة، حيث يمتلك خبرة تمتد لسنوات طويلة. وُلد في عام 1932، ولا يمر يوم دون أن نجده في مقهاه، الذي يعد واحدًا من أهم الأماكن الثقافية والتجمعات في بغداد. وفي حديثه عن أقدم الدوائر التي استضافت القشلة، ذكر أنها كانت “الثكنة الشتوية للجيش العثماني، مركز القيادة للدولة العثمانية في بغداد”.
في الفترة التركية، كانت القشلة تحتضن العديد من الوزارات والدوائر الحكومية في بغداد. بدأت بوزارة العدل والمحاكم والاستئناف، وتمتد إلى وزارات المالية والأشغال والمواصلات، بالإضافة إلى مديرية الطابو المديرية العامة. كانت وزارة الداخلية ومديرية الشرطة العامة تحتلان مكانًا بارزًا في القشلة. الساحة الميطة ببرج القشلة كانت تضم الإطفاء النهري ومديرية الري، مع مقاييس قديمة لمستوى النهر.
كما تم الإشارة إلى دور مجلس الخدمة وغرفة الإطفاء والتفتيش العدلي ومكان مجلس الخدمة الذي كان يعنى بقضايا المتقاعدين ومجلس الوزراء ووزارة المعارف في القشلة. كما تم التحدث عن الموقع الذي كان يحتله مجلس الخدمة الخاص بقضايا المتقاعدين وكيف كان يتم تقديم الاعتراضات والقضايا أمام محكمة التمييز العراقية.
في الثلاثينات والأربعينات، كانت المنطقة مقرًا لعدة مطابع وصحف بارزة، منها جريدة “الحوادث” لعادل عوني، وجريدة “العراق”، و”الفجر الجديد” لطه الفياض، بالإضافة إلى مجلة “الصياد” وبعض الصحف المسائية. كانت هذه الصحف تقوم بتحصيل الأخبار وتوزيعها بشكل متزامن أيام زمان، حيث كانت مراكز المطابع تخدم العديد من الأحزاب مثل الحزب الديمقراطي وحزب الاستقلال وحزب الأمة.
وفيما يتعلق بذكرياته، كانت القشلة مكانًا رئيسيًا لتسويق الخدمة العسكرية. حيث كان يجتمع الموالون الجدد في هذا المكان ويتم قراءة المرسوم الملكي بوق موسيقي، وكانت تلك اللحظات تحظى باحتفال كبير يجذب الأهالي والأقارب. كان هناك تواجد كبير للأفراد الجدد الذين كانوا يرتدون ملابسهم العادية في طريقهم إلى وحدات التدريب، حيث كانوا يستلمون البدلة العسكرية. كما كانت الاحتفالات الدينية، مثل احتفالات المولد النبوي الشريف، تسهم في تعزيز روح المجتمع وتزيد من رواتب الجيش.
كانت القشلة مكانًا لمختلف الفعاليات الاحتفالية والخدمية. كان الجوق الموسيقي يخرج من باب المعظم في موكب متجهًا إلى القشلة، حيث يُوزَعون الحلوى ويُقدِّمون الخدمات للمواطنين، وكانت هذه الخدمات تُعرف بالحلاوة المستكية وغيرها، وتُوزَّع على الناس. وفي حال تشكيل وزارة جديدة، كان يُقام احتفال يصدر فيه العرف الملكي ويتجمع الناس لحضور الخطب والكلمات بمناسبة هذه الفعالية.
كما كانت القشلة مكانًا للمظاهرات في حال حدوث أحداث سياسية، حيث كانت تجتمع أمام مجلس الوزراء. وعندما تحولت دوائر القشلة إلى حدائق، كان يقوم فلاحون بالعناية بها. في أيام الفيضان، كان الأهالي يتوجهون إلى القشلة للاطمئنان على منسوب المياه وكان لطيف الشايب يدير ساعة القشلة ويهتم بتوقيتها، وكانت تُعتبر أدق ساعة في بغداد في ذلك الوقت.
في البداية، كان شارع المتنبي يُعرف بالاكمخانة، وفي بدايته كان يضم صيدليتين، صيدلية عبد الله دابورة والتي تحولت اليوم إلى قرطاسية، وصيدلية نوري التي كانت في السابق مقهى يديره إسماعيل الخشالي. وأول طبيب جراح في المنطقة كان الدكتور سلمان فايق الذي كان يقوم بعمليات صعبة في مكان ضيق للغاية، وكان يقوم بتنفيذ العمليات الصعبة سواء كانت صغيرة أو كبيرة.
وتجمع القشلة مذكرات حياتية، فكانت تشهد على الفعاليات والمناسبات المختلفة. وكانت المظاهرات السياسية تتجمع أمام مجلس الوزراء في القشلة، وعندما تحولت دوائر القشلة إلى حدائق، قام فلاحون بالاعتناء بها.
وأُذكِرت طبيعة العمل في المنطقة، حيث كانت هناك صيدليات وأطباء جراحين، مع تحول بعض المحلات والأماكن على مر الزمن. وركز الحديث على دكتور سلمان فايق ودكتور صائب شوكت، وكذلك الطبيب الأجنبي الذي كان متخصصًا في الأمراض النفسية.
تشكلت القشلة كمركز للأحداث والأنشطة الاجتماعية والطبية في بغداد، حيث كان يجتمع الناس للمشاركة في مختلف الفعاليات والاحتفالات.
سابقًا كان شارع المتنبي يُعرف بشارع المستشفى، وفي الحديث عن تسميته سابقًا، تم العثور على إشارة إلى هذا الاسم في كتاب قديم. يُفترض أن يكون السبب وراء تسمية الشارع بهذا الاسم هو إنشاء مستشفيين خلال الحرب العالمية الأولى. كانت المحكمة الحالية في تلك الفترة تستخدم كمستشفى عسكري، ولاحقًا تحولت إلى مكتب إعدادي عسكري، وكانت أيضًا مقر وزير العدلية قبل نقل الوزارة إلى القشلة. وربما كان السماية بـ”شارع المستشفى” ناتجة عن وجود حالات الجرحى خلال الحرب العالمية الأولى.
وفي السياق نفسه، تحدث المتحدث عن الأطباء في المنطقة، حيث ذكر أن الملالي كانوا يُعتبرون أنفسهم أطباءً، وكانوا يقدمون خدماتهم للناس. كان الناس يلجأون إليهم للعلاج، وكانت المرأة تأتي بأطفالها ليقرأ الملا عليهم. وكانت هذه الجلسات تُعتبر بمثابة “مستشفى شعبي” حسب اعتقاد الناس، حيث كان يُعتقد أن العلاج يكون أيضًا بالإيحاء النفسي.
أما بالنسبة لحلاقي الأطباء، فكان هناك حلاق واحد يُدعى الحاج ناجي من أهالي باب الشيخ. كان يمارس عمليات صغيرة كقلع الأسنان وفتح الدمامل والحجامة. وقد تميز محله بأنه كان يُعتبر أيضًا مكانًا لعمليات الختان والعمليات الصغرى الأخرى.