الحكم العثماني، الذي استمر في العراق لمدة أربعة قرون، كان غريبًا في أوضاعه وتطوراته. كان الباشوات، الذين عينوا من الباب العالي للحكم، يشكلون مجموعة متنوعة تختلف في سماتها ومعتقداتها، وفي عاداتها وأوضاعها. يمكن للفرد أن يجمع بين حالاتهم الفريدة وطرائف تصرفاتهم. حسن باشا الوزير تولى حكم بغداد في العام 597 للهجرة، وكان مكلفًا بتأديب الأمير مبارك المشعشعين في الحويزة، الذي كان يسبب الفساد في بصرة. تم اختياره لهذه المهمة بناءً على سجله الشجاع، حسبما يقول “جلبيــا”.
يتداول الحديث حول الباشا الذي كان مغرورًا وميالًا إلى الأبهة والفخفخة، حيث كان يحاط بحشمة وأعوان بأشكال وأزياء مختلفة. قرر بناء سريرًا فخمًا في سراي بغداد، يُعرف باسم “كاخ بهشت”، بتكلفة باهظة وزينته بالأزهار والأثمار من الفضة. كان هذا السلوك محل إعجاب الناس ودهشتهم لفترة طويلة. في أحداث لاحقة، أُعلن عصيانٌ على الباشا السابق، وبدلاً من اختيار شخص كفء لتولي المنصب، تم اختيار الباشا السمين، الذي كان مشهورًا ببدانته وعجزه عن الحركة. ورغم هذه السمات، أظهر الباشا السمين استهتارًا متناهيًا بالقوانين والقيم، مما أدى إلى فوضى وإرهاب في بغداد.
في عام أربع وخمسين وستمئة أعلن حسين باشا أفر أسياب عصيانه في البصرة، وانشق عن الدولة العثمانية، فحاولت السلطات تأديبه بقيادة جيش عرمرم مرتضى باشا، لكنه فشل وعاد إلى بغداد. ومع عودته وجد أبواب بغداد موصدة أمامه، وتلا ذلك سلسلة من التطورات الغريبة التي أدت إلى عزله وتعيين آق محمد باشا في مكانه.
الباشا الأبيض قضى أيامه في بغداد بين المرض ومعالجة المشاكل وإحباط الفتن. حاول الترفيه عن نفسه بالصيد، لكن دون جدوى. كما ترك المدينة متوجهًا إلى البراري للابتعاد عن توتر الحياة اليومية. وفي ظل آلام تألمه، تمسك بعقيدته في الرقى والتعاويذ للخلاص من الألم والمرض.
في لحظات الضعف، التجأ إلى الملالي والدراويش، يتضرعون لله بشفاء الباشا. بعد فترة من المرض، وعندما تدهورت حالته، جاء إليه دراويش المولوية، بقيادة عبد الباقي وجدي، ليطلبوا الشفاء للباشا بدعواتهم. بعد قراءتهم للفاتحة، بدأوا بتكرار الدعاء لشفاء الباشا. وبفضل هذه الصلوات، عادت الصحة إلى الباشا الأبيض، الذي بات يشكر الدراويش الصالحين على الشفاء الذي حققوه بدعواتهم.
خاصكي محمد باشا، الذي أعقب الباشا الأبيض، كان شخصًا يسبح في متناقضاته. بالرغم من خبرته في الحكم ومنزلته العالية في البلاط العثماني، كان يتسم بالفخر والأبهة، وكان يسعى للظهور بمظهر رائع ويجلس في ديوان فخم باذخ. عمل على فرض ألبسة خاصة وأنظمة محددة للموظفين والمستخدمين من حوله.
كان يبدي سخاءً ولطفًا في تعامله مع الفقراء، ويميل إلى محبة الحياة والموسيقى وشرب الخمر، بالرغم من ظاهرات التدين التي يظهرها. كما كان ميلًا إلى التمتع بلحظات الفرح والغناء. ورغم تأكيده على الدين والاعتناء بالمساجد والعتبات الدينية، كان يظهر اهتمامًا بالأنس والمتعة.
يتسم مرتضى باشا، الذي تولى الحكم في بغداد في القرن السابع عشر، بثلاث خصال غريبة قد تبدو متناقضة مع المفهوم العام للحكم، حيث كان يجامل العوام ويتقرب منهم بشكل غير اعتيادي، وكانت باب ديوانه مفتوحة دائمًا للجميع، دليلاً على تفتحه وقربه من الناس.
كثيرًا ما كان مرتضى باشا يتجول لوحده في الأسواق والشوارع ويستريح في المقاهي، حيث يفصل في القضايا ويحسم الخصومات. وبالإضافة إلى ذلك، كان يُشاع أنه يمتلك قدرة على قراءة منويات الناس والتنبؤ بالأحداث المستقبلية. كانت لديه هوايات مثيرة، حيث يروي مؤرخ بغداد وأديبها مرتضى نظمي قصة أن سماكًا ألقى بشبكته في النهر وصاد عشرين سمكة فورًا بفضل تنبؤ مرتضى باشا بمكان رمي الشبكة.
على الرغم من هذه القدرات والأنشطة الغريبة، كان يظهر مرتضى باشا مفرطًا في اللهو وميلًا لمعاشرة النساء وإقامة الحفلات الداعرة. كان يعد مثالًا سيئًا للموظفين وحاشيته، وكذلك قدوة غير حسنة للكثيرين.
بالمثل، كان الوالي أحمد باشا، ابن الحاج حسن باشا الكبير، غريب الأطوار، فنشأ أمياً لكنه كان لديه بنية جسمانية قوية وشخصية فذة. على الرغم من أنه لا يجيد القراءة والكتابة، كان يستمتع بالشعر بالعربية والتركية ويقدر رجال العلم والأدب. كان ذكاؤه المقرون بالقوة الرياضية والسخاء نادر الوجود بين الباشوات، مما ساعده في إدارة الولايات العراقية التي عهدت إليه في ريعان شبابه.
هذا الباشا، المعروف بلقب “البهلوان”، كان له خصال فريدة ساهمت في صموده أمام الطاغية نادر شاه الذي فشل في حصار بغداد ثلاث مرات متتالية. يتميز هذا الباشا بقوته البدنية الفائقة ومهاراته الرياضية الاستثنائية، حيث كان خبيرًا في فنون الفروسية والمهارات الحربية.
يُحكى عنه أنه قد أظهر مهاراته بشكل غير عادي، فرمى بسهم من بعيد ونمت نبتة في الحديد. كما كان يستخدم قطع اللباد المشبعة بالماء، يلفها ويضربها بالسيف حتى تنقسم إلى نصفين. وكان يتحدى الجاذبية بقطعة من الورق يقوم بتمزيقها بسيفه بطريقة تشبه استخدام المقص. ولكن الحدث المشهور كان صراعه مع الأسد، حيث استخدم فنونه للتصدي له وقتله بحربة مميتة.
في يوم من أيام الصيد، وبينما كان يتنقل في منطقة عكركوف، اقترب أسد من الموكب، لكن أحمد باشا استخدم فنونه لمهاجمته وضربه بحربة نازلة من تحت أبطه. بينما هو يتأرجح فوق الأسد، نجحت الفرسة في دفعه ليفر هاربًا، ولكن الباشا تتبعه مع أتباعه ونجحوا في قتله وإحضاره محنطًا إلى بغداد.