عقب ثورة العشرين كان على الحكومة البريطانية أن تغير سياستها في إدارة شؤون العراق، فقررت تشكيل حكومة مؤقتة تمهد لحكم وطني دائم في البلاد، موكلين مهمتها إلى السير برسي كوكس (Sir.P. Cox) لا كحاكم مدني عام بل ليعين مندوباً سامياً في العراق وذلك لعلاقاته الواسعة بالساسة العراقيين، وبعد سلسلة من المباحثات تم في 25 تشرين الأول 1920 تشكيل الحكومة العراقية المؤقتة وأختير عبد الرحمن النقيب، نقيب أشراف بغداد لرئاستها.
ومن خلال استعراضنا لتشكيلة الحكومة المؤقتة، نجد أن شؤون التعليم والصحة أصبحت لها وزارة واحدة عرفت بـ(وزارة المعارف والصحة العمومية) وهي وزارة (أصيلة) وأسند أمرها إلى عزت باشا الكركوكي، وهو عزت زينل آل صاري كهية (1807-1932): أحد القادة العسكريين المتقاعدين، أصله من مدينة كركوك، تقلد منصب الوالي بالوكالة عام 1913، أحيل على التقاعد عام1914، عاد إلى الخدمة بعد قيام الحرب العالمية الأولى وصف صلاحياته في الحكومة العراقية المؤقتة قائلاً: “إن صلاحياتي لا تتجاوز حدود هذا البرفان” للتعبير عن مدى تعاظم سلطة المستشارين البريطانيين التي جعلت من صلاحيات الوزير هامشية.
إلا أنه ترك منصبه في 29 كانون الثاني 1921 ليتولى أعمال وزارة الأشغال والمواصلات فأسندت إلى محمد مهدي بحر العلوم في 22 شباط 1921 وبقي في هذا المنصب حتى 23 آب 1921 وهو يوم استقالة الوزارة النقيبية الأولى بعد تتويج فيصل ملكاً على العراق. وهوالسيد محمد مهدي حسن الطباطبائي (1897-1933): المعرف بـ(مرزة كجك الصغير) تميزاً عن جده الأعلى آية الله محمد مهدي بحر العلوم، فقيه من كربلاء عمل مديراً لأوقاف كربلاء. أصبحت وزارة المعارف وزارة منفصلة في 10 أيلول 1921. وفي 27 أيلول 1921 أسند منصب وزير المعارف إلى محمد علي هبة الدين الشهرستاني. وهو محمد علي هبة الدين الشهرستاني: هو عالم دين مثقف ولد عام 1884 في سامراء أصدر مجلة العلم عام1910، وعرف بأنه ذو نزعة تجديدية واضحة، وأسهم في ثورة 1920، ثم اعتقل وأطلق سراحه وفي 27 أيلول 1921 أسند إليه منصب وزير المعارف في الحكومة العراقية.
تولت وزارة المعارف شؤون التربية والتعليم في البلاد، وأصبحت الإدارة التعليمية في العراق مركزية ووزير المعارف هو المرجع الأعلى في الوزارة، والمسؤول عن إدارة شؤونها وعن قيام جميع الموظفين بواجباتهم على أتم وجه، فالتعليم في العراق أصبح عملاً حكومياً بيد وزير مختص من أعضاء الوزارة القائمة وباسمه تصدر جميع التعليمات والأوامر وبإشرافه ورقابته تنفذ التعيينات والترقيات كافة.
أقامت سلطات الأنتداب البريطاني إلى جانب كل وزير من وزراء الحكومة العراقية مستشاراً بريطانياً، ففي وزارة المعارف عين المستر نورتون (E.L. Norton) مستشاراً، يسعى في الواقع أن يكون موجهاً أساسياً للوزارة وبعد رحيله أصبح ناظر المعارف العام المستر ليونيل سميث (Lionel F.Smith) يقوم بمهام المستشار للوزير في المسائل التعليمية، ولم يتسلم منصبه بشكل فعلي إلا في بداية عام1923.
وقد أشارت المصادر البريطانية إلى وقوع مشاكل عديدة بين الوزير والمستشار. كان من أسبابها أن المستشار كان يجمع وظيفتين في آن واحدة فهو القائم بأعمال المستشار وهو ناظر المعارف، كما أن حدود مسؤوليته لم تكن واضحة بالنسبة للوزير، فضلاً عن استمرار سلطات الانتداب البريطاني في سياستها التعليمية القائمة على إعداد مدارس ابتدائية تؤازرها في عملها المدارس الطائفية. إلا أن سياسة الحكومة العراقية في مجال التعليم كانت تقوم على أساس إسقاط المدارس الطائفية بالتدريج مع ما كانت تعنيه من تأثيرات أجنبية غير مرغوب فيها، مع السعي إلى توسيع جهاز المدارس الوطنية من الابتدائية والثانوية، الأمر الذي لا تتقبله السياسة البريطانية، القائمة على توجيه السياسة التعليمية في العراق على نحو يخدم مصالح بريطانيا الاستعمارية.
أشارت الوزارة النقيبية الثانية في 12 أيلول 1921 في منهاجها إلى سعي الوزارة الجديدة إلى (ترقية العلوم والمعارف في العراق) وضمان (اهتمام الأهلين بهذا الأمر الخطير واشتراكهم الفعلي) في هذا الموضوع. يتضح من ذلك اهتمام الحكومة الجديدة بشؤون التعليم، وعدته من الوسائل الفعالة في النهوض بالبلاد ورفع مستواها، وقد وضعت هذه المسؤولية على عاتق وزارة المعارف التي أخذت تعمل على إيجاد نظام تعليمي جديد يسعى إلى تنمية الروح القومية والوطنية وزيادة المتعلمين من أبناء البلاد الذين يستطيعون قيادة المجتمع وتطويره.
وفي 7 آب 1921 أصدرت وزارة المعارف أول تقرير رسمي عن أعمالها للمدة 1920-1921 وذلك في عهد الوزير محمد مهدي آل بحر العلوم، وجاء في التقرير أن الوزارة أخذت بفتح مدارس ابتدائية جديدة لكلا الجنسين في ألوية العراق كافة، كما أشار التقرير إلى قيام الوزارة بتعديل رواتب المعلمين، رغبة منها في رفع مستوى مهنة التعليم، وتطرق التقرير إلى التعليم المهني وأشار إلى تقدم مدرسة الصنائع في بغداد وإلى زيادة عدد طلاب دار المعلمين فيها إذ بلغ عدد طلابها (95) طالباً.
قرر وزير المعارف هبة الدين الشهرستاني في وزارة عبد الرحمن النقيب الثانية (12 أيلول1921-19 آب 1922) تبديل المناهج التعليمية للمدارس بعد أن شعر بسوء المنهج التعليمي القائم، وشرع بطلب آراء المعلمين ومديري المدارس تمهيداً لتغييره، كما قرر تشكيل مجلس عام للمعارف في بغداد ضم المجلس أكثر من عشرين عضواً، منهم إبراهيم فهمي المدرس، جميل صدقي الزهاوي، يوسف عز الدين، محمد رضا الشبيبي، انستاس ماري الكرملي، ساطع الحصري، وتنحصر مهمة هذا المجلس في (تقديم الاستشارات إلى وزارة المعارف في الأمور المهمة، فضلاً عن تشجيع الأهالي على إرسال أولادهم إلى المدارس ومساعدة الطلاب المحتاجين، وقيامه بجمع التبرعات لإنشاء الأبنية المدرسية)، مما شجع الأهالي على التبرع وتوجههم لدعم المدارس الرسمية وتمكنهم من جمع أكثر من ربع مليون روبية للمساعدة في بناء المدارس، في حين لم تكن ميزانية وزارة المعارف آنذاك أكثر من مليون روبية.