كان توفيق السويدي وهو من رؤساء الوزارات السابقين قد ذكر في مذكراته انه بعد ان تولى فيصل الثاني سلطاته الدستورية كان يسمع من هنا وهناك ما يدل على اعتقاد الشعب ان ولي العهد مازال رغم انتهاء عهد وصايته يتصرف وكأنه هو الملك وكان الشعب قد ابدى اشد الاستياء من تلك التصرفات.
فأتفق السويدي مع جميل المدفعي ومحمد الصدر على مقابلة الامير بصورة سرية واقناعه بالابتعاد عن العراق وتعيينه سفيرا في بريطانيا او الولايات المتحدة ليفسح المجال للملك كي يتولى سلطاته الدستورية فيكسب محبة الشعب وثقته ولما تمت المقابلة وفوتح عبد الإله بالأمر ظهر عليه الاستياء والامتعاض واعرب عن رفضه للفكرة، كما ذكر في حينه ان بعض ضباط الجيش كانوا يعدون العدة للقيام بحركة تستهدف إبعاد عبد الله ونوري السعيد عن العراق لكن ثورة 14 تموز قضت على تلك المحاولة!
ومن الاحداث التي تظهر ان الملك لم يكن له دور فيما يدور حوله من امور تتعلق بسياسة الدولة يوم كان يتناول طعام العشاء على مائدة انتوني ايدن رئيس وزراء بريطانيا بصحبة نوري السعيد فنقل اليهم احد موظفي وزارة الخارجية البريطانية نبأ قيام عبد الناصر بتأميم قناة السويس فما كاد نوري السعيد يطلع على الخبر حتى صاح مخاطبا ايدن (اضربه الان بقوة يا مستر ايدن) اما الملك فلم يتفوه بكلمة بل ظل صامتا وكأن الامر لا يعنيه وكأن مساندة العراق لبريطانيا في عدوانها على مصر لا تؤثر على سمعة بلده وعرشه.
حتى زواجه بوصاية
اما بالنسبة للامور العاطفية فقد كان فيصل فوق الشبهات عكس خاله الذي تزوج ثلاث مرات ولم يكن سعيدا في اي منها. ويبدو ان الملك لم يكن له رأي حتى في موضوع زوجه وقد قيل في حينه ان الملكة السابقة نفيسة زوجة ا لملك علي ملك الحجاز السابق ووالدة عبد الاله هي التي اصرت على زواج الملك في وقت مبكر كي تهنأ برؤية ابنه وولي عهده قبل ان تموت وبناء على تلك الرغبة اتجهت النية الى البحث عن زوجة ملائمة لفيصل وكان لملك مراكش محمد الخامس ابنة في عمر فيصل هي الاميرة عائشة ولم يكن فيصل قد شاهدها او قابلها من قبل فاتفق رأي الجميع على خطبتها فانتهز عبد الله وجود الملك المراكشي في باريس فاتجه صوبه في شهر تشرين الثاني سنة 1955 وطلب يد ابنته لابن اخته لكن الخطبة لم تتم لاباب لم تعلن في حينه!
في السادس عشر من ايلوب عام 1957 اعلن رسميا من دار الاذاعة ومحطة التلفزيون العراقية خطبة الملك فيصل الثاني على الاميرة فاضلة وهي فتاة في السادسة عشرة من عمرها والدها الامير محمد علي وحيد الدين بن ابراهيم ويرجع نسبه الى محمد علي باشا الكبير والي مصر الالباني الاصل ووالدتها الاميرة خان زادة حفيدة الخليفة العثماني عبد المجيد. وكان وفد عراقي عالي المستوى برئاسة علي جودة الايوبي رئيس الوزراء قد سبق الملك فيصل بالذهاب الى اسطنبول لتهيئة مراسم الخطبة وقد حضر نوري السعيد بمعية الملك الى دعوة العشاء التي اقيمت في فندق هيلتون باسطنبول لهذه المناسبة. وكانت فاضلة طالبة في مدرسة (هيفيلد) البريطانية الواقعة في مقاطعة (اسكوت) وهي مدرسة راقية مخصصة لبنات الطبقة الراقية من العوائل الانكليزية والاجنبية.
يبدو ان ادارة مدرسة (هيفيلد) كانت سعيدة لانتماء احدى بنات العائلة المالكة العراقية في صفوفها وقد أبدت حرصها على عدم قبول فتيات اجنبيات لا ترضي الحكومة العراقية. ان تختلط خطيبة الملك فيصل بهن وقد ظهر ذلك في الرسالة التالية التي وجهها رئيس مجلس ادارة المدرسة السير (باتريك سبنز) الى وزارة ا لخارجية البريطانية علما ان (السير سبنز) كان عضوا في مجلس العموم البريطاني. ورد في الرسالة (لقد وصلت الانسة التي ستتزوج ملك العراق وهي الاميرة فاضلة صبيحة ابراهيم الى مدرسة هيفيلد في اسكوت.
اني رئيس مجلس ادارة المدرسة. تلقينا طلبا من السيد صادق بك علمي الذي اعطى عنوانين، الاول في رام الله ـ الاردن والثاني في الزمالك ـ القاهرة لقبول ابنته. كما تلقينا طلبا من باكستان الشرقية لقبول طالبتين هما حبيبة بيجوم ومانجو جودري. لقد تم ووصل الطالبات الثلاث. اني قلق بشأن هوية صادق بك علمي والجهة التي ارسلت الفتاتين الباكستانيتين سأكون ممتنا لو كان بامكان الجهة المختصة بشرق الاردن وشرق الباكستان في وزارة الخارجية تزويدنا بمعلومات عنهن.
اني بالطبع لا ارغب ان تكون العائلة المالكية العراقية في موقف تستطيع فيه القول انها لا توافق على اختلاط الاميرة بفتيات معينات من الاردن والباكستان).
عندما قامت ثورة 14 تموز في العراق كانت الاميرة فاضلة لاتزال في تلك المدرسة الانكليزية وقد ادلى ناطق بأسم المدرسة للصحفيين الذين حاولوا مواجهة الاميرة لمعرفة ردود فعلها ازاء ما يجري في بغداد بانها لم تتلق أية انباء من العراق وليس لديها ما تصرح به.