في بدايات القرن الماضي، كان التعليم في العراق يقتصر على المساجد والجوامع، وبعض البيوت البغدادية والكتاتيب التي كان يقوم بها المعلمون والمعلمات المعروفون بـ “الملا” أو “الملاية”. وقد كتب الأستاذ الراحل عبد الستار القره غولي حول هذا الموضوع تحت عنوان “كتاتيب محلة القراغول”. وفي وصفه للوضع، قال: “فتحنا أعيننا على عدد كبير من معلمي الصبيان، الذين يجتمعون مع طلابهم في دور أو مساجد، وغالبًا ما يكونون من الأفغان وبعضهم من العرب، يقومون بتعليم الأطفال القراءة والكتابة ومبادئ اللغة العربية”.
كان هؤلاء المعلمون يُدعون بالملالي، وكانوا يقومون بتعليم الأطفال في مساجد مثل مسجد القره غول. بعض الملالي كانوا يدرسون في فصلهم شتاءً، ثم ينقلون الطلاب إلى فصول السيد محمد صبحي الدفتري صيفًا، حيث كانوا يصيفون في قصورهم.
كان لبعض الملالي شهرة واسعة، مثل الملا رشيد الحجازي الذي كان يعلم الأطفال في مسجد القره غول، والملا فضل الدين الذي كان يدرس في داره شتاءً وينقل الطلاب إلى دار السيد محمد صبحي الدفتري صيفًا. وكان الملا غني، وكان مكان تدريسه في جامع يُعرف باسم “جامع الالات”. وكان يعتبر واحدًا من أشهر ملالي الصبيان في ذلك الوقت.
ومن بين هؤلاء الملالي، كان هناك الملا ميرزا الأفغاني الذي كان يجيد عدة لغات بما في ذلك الإنجليزية والفرنسية والأفغانية والتركية والعربية. كان يتقن أيضًا صناعات دقيقة مثل تصليح الساعات وصناعة العصي المزخرفة مثل “الخيزران”، وكان يعرضها للبيع في الأسواق محققًا أرباحًا كبيرة. وكان يقبل فقط طلاب أبناء الأثرياء ويتقاضى أجورًا باهظة، حيث كان واحدًا من أشهر الملالي وأعلمهم في تلك الفترة. وآخر من درس في جامع القراغول كان عبد الرحمن.
من بين معلمات البنات، كانت الملاية بدرية تسكن في دار تعود ملكها لعبد القادر، وكانت تعلم الفتيات القرآن الكريم فقط. وكان الملا عيسى، الذي يتميز ببشرته السمراء ويرتدي عمامة بيضاء، يقود جلسات تعليم الأولاد في جامع حسين باشا. وكان يقوم بتعليمهم قراءة القرآن ومبادئ الحساب والخط العربي، حيث كان يستخدم لوحًا من التنك وقصبة وحبرًا أسود للكتابة، وكان يغسل اللوحة بالماء لإعادة الكتابة. وكان يتقاضى مبلغًا من المال من كل طالب شهريًا، والطالب الذي يختم القرآن يتلقى “زفة الختم” من الملا إلى داره.
كان الطلاب يجلسون على حصيرة من القصب مفروشة على الأرض، ثم يبدأون بكتابة الدرس، حيث يقوم الملا بكتابة السطر الأول في كل دفتر، ويكمل الطلاب باقي الصفحة. وكانت هناك عقوبات تطبقها الملاية على الطلاب، مثل إيقاف الطالب على قدم واحدة مع رفع القدم الأخرى لفترة محددة، أو وضع القلم بين أصابع اليد والضغط عليه بقوة، وكانت أقسى عقوبة هي الفلقة.
ويلاحظ أن معظم الملالي لم يتخرجوا من مدارس أو كليات، بل كانوا ينحدرون من بيئة علمية وأدبية، ورغم انحسار دورهم مع انتشار المدارس في بغداد وبقية المدن، فإنهم قد وضعوا الأسس الأولى لنظام التعليم في العراق.