الكرادة، وهي وسيلة قديمة من وسائل الري، مشتقة من اللغة الكردية وتعني الدابة التي تستخدم لسحب الماء. يعود هذا المصطلح إلى الكلمة الكردية “كرد” التي تعني سحب، ويرتبط بالدواب الثقيلة مثل البقر والثيران. الشخص الذي يدير هذه الدواب ويستخدمها لسحب الماء يُعرف بـ “الكراد”، وتشمل المناطق التي كانت تستخدم هذه الوسيلة في بغداد مثل الكرادة الشرقية والكرادة السيد ادريس وكرادة الصليخ. يُطلق بعض الناس هذا المصطلح على زراعة الخضراوات في أماكن أخرى خارج هذه المناطق.
المعالم والعشائر البارزة في منطقة الكرادة:
تميزت هذه المنطقة بتاريخها الحافل والعديد من العائلات والعشائر التي أسهمت في تشكيل هويتها الثقافية.
تقع بين مرقد السيد ادريس ومستشفى الدكتور عبد المجيد حسين، وكانت المنطقة المحيطة بمرقد السيد ادريس مركزًا لتجمع الناس في أيام الكسلة. تاريخياً، كانت تابعة للزوية قبل افتتاح الجسر المعلق. تحتضن محلة السيد ادريس سبع قصور على نهر دجلة، وكانت معروفة بتجمع الناس في أيام العطل لأصحاب المهن الحرة والكسبة.
المنطقة تحتضن مناطق متنوعة، مثل منطقة المعامل، ومنها معمل باتا (الصناعات الجلدية)، ومجلس آل الشعرباف، وشارع حافظ القاضي الذي يتضمن عيادات الأطباء وأول صيدلية في الكرادة، وهي صيدلية الأنصاري بالقرب من المستشفى.
العشائر والبيوتات التي اسكنت هذه المحلة تشمل بيت البغدادي وآل زوين، وشمر (ومنهم آل مباركة وزبيد (ومنهم الشطاويون والجنابيون وآل سباهي، والعبيد (البو حمد والبو سهل) وخفاجة، آل المهداوي، والبو خضير، وكريش.
تأخذ تسميتها من آل جمعة، حيث استوطن هذا الموقع حفيد جمعة المدعو مذيهل بن كركوش بن مياح من وائل، ربيعة، ومن بين سكان المحلة عباس حسن جمعة ومحمود حسن جمعة، بالإضافة إلى الدكتور عبد المجيد حسين، صاحب المستشفى.
تمتد المحلة من مستشفى عبد المجيد إلى شارع هويدي، وتحتوي على شوارع متعددة مع سكان عباسيين من آل باش اعيان. تشمل المنطقة شوارع مثل البوليسخانة (شارع البريد)، حيث يقع جامع البو جمعة ومدرسة الكرادة الشرقية والابتدائية، وتقابله شوارع مثل الكنيسة وحسينية البو جمعة، ويتبعه شارع الهندي وشارع بيت ابو دولمة.
تحوي المحلة على العديد من الشخصيات والعشائر، مثل آل جمعة وآل بغدادي وآل مباركة وآل شعرباف. المنطقة كانت تتميز بمناطقها الزراعية والمعامل والمساحات الخضراء، مع الاحتفاظ بتاريخها الثقافي والتراثي.
تعتبر منطقة البتاوين مكانًا ذا تاريخ غني، حيث كانت تحتضن سينما النصر وسينما بابل وفندق بغداد، مع بساتين مثل بستان الخس في ساحة النصر وبستان بيت المهيدي، وشهدت معالم ثقافية مهمة مثل سينما السندباد وكازينو بلقيس، الذي كان ملتقى للأدباء في الخمسينات.
كانت بستان الخس وبستان بيت المهيدي والأورفليه معروفة باسم “البتاوين”. تم تقسيم هذه البساتين إلى أراضٍ سكنية في أواسط الثلاثينات، ولكن سكنتها بعض الأماكن القليلة مثل الزوية والبو جمعة وبيت أسود وبيت كبة وبيت المهيدي.
من العشائر التي استوطنت هذه المحلات نجد عائلات من ربيعة، البو جمعة، بيت أسود، بيت كبة، البو سلطان، الخزاعل، وعائلات غير عربية مثل الأرمنية والكردية، مع الاحتفاظ بأسماء شوارع تجسد تاريخ البساتين التي كانت تسقى بواسطة الكرود.
في الكرادة، لم تكن هناك أسواق كما هو مألوف في أماكن أخرى في بغداد، بل كانت هناك دكاكين متناثرة، حيث لا يتجاوز أكبر تجمع فيها خمسة دكاكين مستأجرة من أصحاب البيوت. كانت أهم تلك الدكاكين قرب البوليس خانة حيث مديرية الناحية والمحكمة والشرطة، وكانت تبيع مواد عطارية وسكر وشاي وتمر وقيمر.
وكان هناك دكانان مستأجران من بيت يهودي على ضفة النهر، قام حسين العلي وحسين المشكور باستئجارهما لبيع المواد العطارية والبهارات. كما كان هناك دكان رابع قرب البوليس خانة استأجره الحاج حسن العلوان وكان يبيع المواد العطارية والبهارات والقرطاسية.
تطورت المنطقة عندما بنيت عمارة مقابل البريد، وأصبحت منطقة تجارية في منتصف الأربعينات. بنى الحاج علي الشعبان سوقًا عصريًا مقابل سوق الحاج حسن العلوان، وكانت هناك منطقة تجارية أخرى في رخيته.
تطورت المنطقة أكثر عندما بنيت عمارة تحتل ثلاثة أركان، واستخدمت شركة تموين بغداد السرداب في هذه العمارة. افتتح مخبز صمون في الجهة المقابلة لها في منتصف الأربعينات وما زال موجودًا حتى اليوم.
ونظرًا لأن الكرادة الشرقية كانت منطقة زراعية، ورغم تدهور زراعتها واحتفاظها بكثافتها في منطقة الجادرية، كانت صناعة الدبس رائجة في المنطقة. وكان في كل دربونة أو دربونتين بيتًا لغلي الدبس، وكان يكون مؤونة لأهلها ويفيض عن حاجتهم. بعض البدو كانوا يأتون على جمالهم لمقايضته بالدهن الحيواني والحنطة، وكانوا يخلطون الدهن بالدبس ويقدمونه لهم من أرغفة خبز حارة.
في البو شجاع، كان هناك ماكنة طحن حبوب، وكانت هناك ماكنة أخرى في الناظمية. كان سليم القطيم ينقل أكياس الحنطة إلى ماكنة الطحين على حمارته التي سماها “نظيرة”. كان سلوم شخصية مرحة يحفظ العديد من النكات وكان يشتهر بقوة بصيرته وقدرته على معرفة عواصم الدول، وكان يساعد في نقل الحنطة رغم ضعف بصره.
بعد نمو “نظيرة” وعندما أصبحت أكبر، بدأ سلوم ببيع الخضراوات في رأس الدربونة، وكان النساء يفضلن الشراء منه بسبب ضعف بصره وتعامله المرح وأسعاره الرخيصة. وكان يُعتبر شخصًا محبوبًا بسبب طبيعته اللطيفة والمؤدبة، وهو يستمر في خدمة المجتمع بروح مرحة.
في ذلك الوقت، كانت هناك مدرسة الكرادة الشرقية الابتدائية للبنين التي تأسست في عام 1923، إلى جانب مدرسة للبنات ومدرسة الزوية للبنين. كما وجدت الثانوية الشرقية للبنين والثانوية الشرقية للبنات في شارع مستشفى الإمام.
لم تكن هناك أنشطة ثقافية ملحوظة، وكانت الفنون التشكيلية والمسرح والموسيقى غير واضحة كما كانت في مدارس الكاظمية. في عام 1944، قاد المعلم صبحي طلحة نشاطًا فنيًا في الرسم، لكن لم يُقم أي معرض لأعمال الطلاب إلا داخل جدران المدرسة. كانت المدرسة تستضيف أحيانًا الرسام شوكت الخفاف والموسيقار سعيد شابو لتعليم التلاميذ الأناشيد الوطنية.
في الثانوية الشرقية، كان للاستاذ صبحي البصام نشاطٌ واضحٌ، حيث سعى لتأسيس لجان ثقافية منتخبة من طلاب مختلف الصفوف. وكان لديه نشاط في تنظيم الاجتماعات والقاء الكلمات والقصائد. وبرزت في كتابة المقالات والقصص طلال أبو أقلام. وعلى الرغم من وجود شاعر واحد فقط وهو عزت الفرباوي، لم يشارك نزار الملائكة أو عصام الملائكة في نشاطات تلك اللجان.
أصدرت هذه اللجان نشرة جدارية، ولكن لا يتذكر الذين عاصروا تلك الأيام اسمها، ولم يصدر منها إلا عدد قليل.
في الأربعينات، كان للمدرسين في الثانوية الشرقية تأثير كبير، حيث كان رفائيل بابو اسحق يبرز في تدريس التاريخ القديم واللغة العربية، بينما كان صبحي البصام يسهم في مجالي اللغة العربية والتاريخ الإسلامي. الشيخ مهدي عباس كان متميزًا في تدريس اللغة العربية، وكان رشيد كمال الدين يشغل دورًا بارزًا في مجال الجغرافية. عبد الأمير الحار كان متخصصًا في الرياضيات، وكان وديع سرسم معلمًا في العلوم العامة والكيمياء.
في ميدان التعليم اللغوي واللغات الأجنبية، كان هناك جمع من المعلمين مثل عباس علي القره غولي، وسليم هيلانتو ويوسف هيلانتو في اللغة الإنجليزية. الثانوية شهدت أيضًا إسهامات من محمد أحمد المهنا وشكري حبيب في مجالي الترجمة واللغة الإنجليزية. كما أثر جون ريكان، المدرس الإيرلندي، في تدريس اللغة الإنجليزية.
من بين الطلاب المتألقين في تلك الفترة كانوا نزار الملائكة وأخوه عصام الملائكة، إضافة إلى العديد من الشخصيات المهمة مثل الطبيبين قيس كبة وحميد مهدي السلطان. كما كان لدى العديد من الطلاب إسهامات هامة في مجالات مختلفة، من الأطباء مثل عبد الحميد العباسي وباسل محيي الدين يوسف، إلى الضباط العسكريين مثل عبد الحافظ خزعل العباسي وسعيد عبد الأمير العباسي.
في الستينات، ظهرت المكتبات العامة في الكرادة الشرقية، حيث تألقت مكتبة الكندي في منطقة الزوية، وكذلك مكتبة عبد الله بن مكتوم في منطقة الخربندة. قبل ذلك، كانت الناس تتبادل الكتب، وفي نهاية الأربعينات، أسس السيد فاضل الخفاجي مكتبة الأهالي الشرقية في محلة البو جمعة، التي أثرت بشكل كبير في تثقيف الشباب عبر الشراء والاستعارة.
فيما يتعلق بالتصوير الفوتوغرافي، كان المصورون الجوالون، وبخاصة في محلية البوليسخانة، يلتقطون صور الطلاب للتسجيل في السجلات المدرسية. وكانت الحاجة إلى صور فوتوغرافية تتعلق بالمعاملات القانونية تدفع الناس إلى زيارة مناطق مثل سوق السراي.
أما فيما يتعلق بالمعامل، فتمتد منطقة المعامل بين الناظمية والليشان، حيث كانت تتوفر معامل متنوعة، من حلويات صادق صبري المراياتي إلى معامل صناعة الخمور. في العشرينات، كانت الزوارق الشراعية والبلام والدوب تستخدم للنقل النهري، وكان يمكن سماع صوت السفن الشراعية والمهيلات على ضفاف نهر دجلة.
أما وسائل النقل البرية، فكانت الطرمبيلات والبرشقة والقوج تشكل وسائل نقل رئيسية بين الكرادة وبغداد، ولم يكن هناك وجود للسيارات اللاندون. في عام 1944، ظهرت حافلات خشبية البدن، وفيما بعد تم استبدالها بحافلات استوردت من بريطانيا وأطلق عليها اسم “الأمانة”، ولا يزال بعض الناس يشير إليها بهذا الاسم.