القائد الفلسطيني عبد القادر الحسيني في العراق

القائد الفلسطيني عبد القادر الحسيني في العراق

وصل عبد القادر الحسيني الى العراق في السابع والعشرين من ايلول عام 1939، ومعه مجموعة من الفلسطينيين، اللذين غادروا وطنهم بعد انتهاء الثورة الفلسطينية واعلان الحرب العالمية الثانية، ومن ابرزهم ممدوح السخن، وراسم الخالدي، وداود الحسيني، وواصف كمال، وعزة دروزة، وبهاء الدين الطباع، وسليم الحسيني، وجمال الحسيني، وحسن ابو السعود، وموسى العلمي، وحسن سلامة، وغيرهم واستقر في بغداد بمنطقة الكرادة الشرقية، ثم التحق به افراد عائلته.

عمل الحسيني في مدرسة التفيض الاهلية، مدرساً للرياضيات والفيزياء، فضلاً عن قيامه بتدريس الكيمياء لطلبة الثانوية العسكرية ببغداد للعام الدراسي 1940 –1941، ويذكر السيد عبد الرزاق عباس القيسي ان

واستطاع الحسيني من خلال عمله الهاب الحماس في نفوس طلبته، فكان يجمعهم في اوقات الراحة بين الدروس للحديث عن الصهاينة والبريطانيين وضرورة الاعداد لمكافحتهم والقضاء عليهم قبل ان يستفحل امرهم ويصعب درؤهم، ويذكر خليل ابراهيم حسين ان الحسيني اثناء عمله في الثانوية العسكرية نظم عدداً من طلابها في تنظيم سري يرمي الى توعيتهم وتوضيح ابعاد الخطر البريطاني والصهيوني على الامة العربية، كما كان متحمساً للقضية الفلسطينية والوحدة العربية الشاملة، اذ انه غالباً ما يحدث طلبته عن المقاومة الفلسطينية في ثورة 1936 وعن المعارك التي خاضها من اجل الاستقلال والتضحيات التي قدمها الشعب الفلسطيني من اجل قضيته، وكانوا يصغـون اليـه

بتلهف، ولم يتردد في الاجابة عن أي سؤال او موضوع يطرح عليه.

ومن الجدير بالذكر ان الحسيني اتجه بعد مدة من استقراره في العراق الى المانيا، والتحق باحد المعاهد العسكرية هناك، لغرض التدريب على اصول حرب العصابات وصنع المتفجرات والالغام بصورة خاصة وبقي فيها قرابة شهر ونصف، استطاع خلاله ان يضيف الى خبراته العسكرية خبرة جديدة تغنيها.

وقد اشيع في الاوساط الفلسطينية ان عبد القادر الحسيني عاد الى فلسطين بغية تأليف الخلايا السرية من جديد للقيام باعماله ضد السلطات البريطانية، الا انه في الحقيقة ما لبث ان عاد من المانيا الى العراق، وعمل على تدريب المناضلين الفلسطينيين على ما خبره من اصول جديدة في القتال، لانه كان على يقين من خوض غماره بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية.

وعندما قامت الحرب العراقية البريطانية عام 1941 لم يقف العرب الفلسطينيون المقيمون في بغداد مكتوفي الايدي ازاء هذا العدوان، بل انهم طلبوا من الحكومة العراقية ارسالهم الى جبهة القتال، للمشاركة جنباً الى جنب مع اخوانهم العراقيين.

ومن الملاحظ ان الحكومة استجابت لطلبهم، لذا اصدرت رئاسة اركان الجيش امراً في الرابع عشر من ايار برقم (616)، يقضي بتأسيس مقر لتجنيد المجاهدين في بغداد، وسمي بالمقر الخلفي لقوات البادية، وعهد الى الحاج محمد امين الحسيني برئاسته، ويساعده في مهماته كل من عادل العظمة (من سوريا)، وممدوح السخن، واكرم زعيتر، وواصف كمال، وراسم الخالدي (من فلسطين).

استطاع المقر الخلفي لقوات البادية في ابي غريب (غربي بغداد)، تشكيل قوة مؤلفة من سبعين مجاهداً فلسطينياً، انيطت قيادتها بعبد القادر الحسيني وجاسم حسين الكرادي لصد التقدم البريطاني نحو بغداد ولا سيما بعد سقوط الفلوجة بايدي القوات البريطانية. وقد سافرت القوة التي يقودها الحسيني قبل منتصف ليلة السابع والعشرين من أيار 1941 الى ابي غريب لمساعدة القطعات العراقية الموجودة هناك في الوقوف بوجه القوات البريطانية ومنعها من الدخول الى بغداد.

ضيق الخناق على الحسيني ورفاقه المجاهدين على اثر إخفاق ثورة 1941 التحررية، فغادروا العراق عن طريق كرمنشاه محاولين اللجوء الى إيران، وكان عددهم يتجاوز الثلاثين، الا ان السلطات البريطانية منعتهم من الدخول باستثناء الحسيني الذي سمحت له باللجوء اليها نظراً لقرابته للمفتي محمد امين الحسيني، لكنه رفض النجاة وحده وعاد الى بغداد بعد مسيرة خمسة وعشرين يوماً بلياليها قاطعين المسافة بين كرمنشاه وبغداد.

احيل الحسيني على المحكمة العسكرية في بغداد بسبب مشاركته الفعالة في صد الهجوم البريطاني على بغداد، فاصدرت حكمها بسجنه بادئ الأمر ولكنها سرعان ما استبدلته تحت تأثير الرأي العام العراقي، بقرار ابعاده الى زاخو شمالي العراق. في الوقت نفسه، حكم على زوجة الحسيني بالإقامة الجبرية في بيتها بسبب اتهامها بإيواء الثوار الفلسطينيين ومساندتهم.

ونظراً لاصابة الحسيني بعيار ناري في كاحل قدمه اثر اشتراكه في ثورة 1941 التحررية. سمحت له حكومة (نوري سعيد) بالمجيء الى بغداد بعد ثلاثة اشهر من اقامته في زاخو لغرض العلاج وتفقد عائلته التي بقيت وحدها من دون رعاية، وفي طريق عودته مرة اخرى الى زاخو، اغتيل فخري النشاشيبي في التاسع من تشرين الثاني 1941، وهو فلسطيني قدم الى العراق اذ كانت تربطه بنوري سعيد علاقة وطيدة، وكان من العناصر المتعاونة مع بريطانيا ويعده الفلسطينيون خائناً للقضية الفلسطينية.

وكانت الحكومة العراقية تعتقد ان هذا الحادث دبره الفلسطينيون الموجودون في العراق حينذاك، فالقت القبض على معظمهم واودعتهم سجن بغداد الى ان ينتهي التحقيق في القضية، وكان الحسيني من بينهم، في حين فر ثمانية من الفلسطينيين الى الحدود السورية، ولم تتمكن من اعتقالهم، وكان الاتهام موجهـاً

بالدرجة الاولى نحو احمد اسماعيل نسيبه وحسن ابراهيم القطب ” وهما من الفلسطينيين المقيمين في بغداد “، وكانا قد تعرضا للتعذيب اثناء الاعتقال، ولم تكتفي الحكومة بذلك بل انها اعتقلت جميع الشباب العراقيين، الذين كانوا على صلة وثيقة بالفلسطينيين في ذلك الوقت.

وعلى اثر هذا الحادث قررت الحكومة العراقية جمع المعتقلين من جميع أنحاء العراق وارسالهم الى معتقل العمارة، ومنهم الحسيني في اوائل شباط 1943، وكان أول الأمر منزوياً ولعل السبب في ذلك يعود الى ما كان يعانيه من ظروف نفسية سيئة لكنه سرعان ما كون علاقة طيبة مع عدد من المعتقلين ومن بينهم عبد الرزاق الحسيني ومحمد صديق شنشل، وفائق السامرائي، ودرويش المقدادي، وطالب مشتاق، واخرون.

نقل الحسيني بعد ان اشتد به المرض في المعتقل الى مستشفى البصرة، وهناك حاول تدبير محاولة لهروبه الى خارج العراق، فحذره بعض زملائه من مغبة ذلك ونصحوه بالبقاء في المستشفى، ويبدو انه استجاب لنصيحتهم.

وذكر غازي عبد القادر ان والدته منحت موافقة الجهات المسؤولة في العراق على المغادرة بناء على طلبها زيارة اهلها في القدس حيث التقت بنوري السعيد هناك، اثناء رحلة علاج الاخير في فلسطين، وطلبت منه الافراج عن زوجها بعد ان بلغها خبر تدهور صحته فوعدها خيراً، وعندما عادت الى بغداد لم تجد أي تغيير في الامر فانتظرت اياماً لمقابلة نوري السعيد، وحينما ذهبت الى مقره رفض دخولها عليه متذرعاً بالاجتماع بوزرائه، الا انها استطاعت الدخول بمساعدة سكرتير مكتبه، وفي هذا الوقت كان نوري السعيد ووزراؤه مجتمعين، فطالبته بالإيفاء بوعده فقال لها: ” انه يحتاج الى امر وزاري “، فأجابته: ” ان الوزراء مجتمعون عندك، فما كان من نوري السعيد الا ان شعر بحراجة الموقف امام وزرائه، وسألهم قائلاً ” هل لديكم مانع؟ “، فلم يمانع احد في الامر، لذا اطلق سراح عبد القادر الحسيني بقرار سريع وشفوي، وكان ذلك اواخر عام 1944.

بات الحسيني مدركاً لضرورة مغادرة الأراضي العراقية والتوجه الى أي دولة عربية اخرى سريعاً، ولاسيما ان الحكومة العراقية أخذت بالضغط عليه من كل جانب، ففكر بالتوجه الى مصر، ولذلك ابرق الى صديقه محمد علي الطاهر، ليطلعه على الامر وطلب منه تسهيل أمر دخوله الى مصر، اذ قام الأخيـر بمفاتحـة مصطفـى النحاس، وشرح له حالة الحسينـي وظروفـه، مبيناً له عدم وجود طريقة أخرى لانقاذ الحسيني الا بدعوته الى مصر لغرض المعالجة.

وعندئذ أبرقت وزارة الخارجية المصرية الى المفوضية المصرية في بغداد لمنح الحسيني واسرته تأشيرة دخول، بأمر خاص من رئيس الوزارة، بشرط أن يجعل سبيله الى مصر عن طريق الحجاز، وربما كان السبب في هذا الاختيار الحيلولة دون امساك البريطانيين به في حالة مروره بسورية ولبنان وفلسطين والاردن.

اترك تعليقك


لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *