العطارة والعطارين في بغداد في مطلع القرن الماضي

العطارة والعطارين في بغداد في مطلع القرن الماضي

العطارة هي المكان الذي يُباع فيه مجموعة متنوعة من الإعشاب والنباتات والمستحضرات، بما في ذلك العطور والمساحيق. وكانوا يطلقون عليها في الأصل “ازخانة”، ويُعرف الجمع بـ “ازاخين” أو “ازاخانات”. يعكس هذا المصطلح أصله من “أجزاء الخانة”، مشيرًا إلى المكان الذي يُستخدم فيه لتخزين وبيع المواد العلاجية. وكانوا يطلقون على الصيدلي اسم “ازاجي”، وهو البائع للمستحضرات الطبية وتركيباتها.

بدأت فنون العطارة في العصور الإسلامية حيث كان يُعرف العاملون بها باسم “العشابين”، وهم الذين يستخدمون الأعشاب في العلاج. يُطلق على بائع الأعشاب في تلك الحقبة اسم “العطار”، وكانت السوق المخصصة للعطارة هي المكان الذي يُباع فيه العطور والأدوية.

كانت مهنة العطارة تتطلب معرفة عميقة وخبرة، حيث كان يلعب العطار دورًا أساسيًا في تحضير العقاقير والمركبات الطبية لمختلف الحالات الصحية والعلاجية. واستمرت تجارة العطارة في التفوق عبر العصور، حيث تعتبر هذه المهنة مهمة ومُتفردة بمساهماتها في مجال الطب والصحة. وحتى في العصر الحديث، يظل لاستخدام الأعشاب والنباتات الطبية في تحضير العقاقير دور كبير في العديد من الثقافات، حيث تستمر هذه الفنون في الانتشار والممارسة العالمية.

في زمن أجدادنا، لم يكن لديهم الوصول إلى أطباء أو مستشفيات أو صيدليات لعلاج أمراضهم، بل كانوا يعتمدون على مهارات الجدات القابلات والحلاقين في معالجة الأمراض. عندما يكون أحد الأطفال مريضًا، تستعين الأم بالجدة القابلة التي تقوم بتشخيص المرض وتقديم العلاج بناءً على خبرتها.

الحلاقين، الذين كانوا يقومون بعمليات حجامة لسحب الدم وتداوي الجروح ويعالجون الكسور ويقومون بفحص الأسنان، كانوا أيضًا يقومون بعمليات طبية. كما كان للعطارين دور فعّال في مجال معالجة الأمراض، حيث يقومون بتحضير العقاقير باستخدام الأعشاب والنباتات.

مع تقدم العلوم الطبية وانتشار المستشفيات والصيدليات، تراجعت الأدوية الشعبية وأساليب تحضيرها التقليدية. ورغم ذلك، يظل تاريخ العطارة جزءًا من التراث الثقافي، ويتجلى ذلك في الأمثال الشعبية والشعر والترانيم.

الشعر الشعبي والأمثال يحملون بين طياتهم معرفة ثقافية بالعطارة في بغداد والتقاليد الشعبية في استخدام الأعشاب والنباتات لأغراض متنوعة. يتضمن الشعب أدلة على تنوع استخدام العطارة، حيث يُذكر استخدام الورد والأزهار لصناعة العطور، ويتناول البحران (الحنة والديرم والاثمد) كأمثلة على النباتات المستخدمة للزينة.

في الماضي، كان للعطارين دور أساسي في تقديم العلاجات والأدوية الشعبية. يُسلط الضوء على بعض العطارين المعروفين مثل ابن الحجامة وابن رحمين، الذين اشتهروا بمهنة الحلاقة وعلاج الجروح والقيام بعمليات الختان. أيضاً يُذكر أشخاص آخرين مثل ريمة رجوبي والحاج حسن محمد العطار والحاج كاظم، الذين كانوا يمتهنون العطارة ويقدمون خدماتهم في مواقع محددة في بغداد.

هؤلاء العطارين كانوا يعتمدون على معرفتهم بالأعشاب والنباتات لتحضير الأدوية وتقديمها للمرضى. يتجلى في تراثهم الطبي الشعبي وفهمهم للخصائص العلاجية للنباتات والأعشاب التي استخدموها، ويظهر تأثيرهم الواضح في الثقافة الشعبية والتقاليد الطبية في بغداد.

الحاج حسين مال الله، حلاق في سوق حمادة بكرخ في بغداد، كان خبيرًا في الجراحة والفصد والختان وخلع الأسنان والحجامة، وكان يقوم بتحضير الأدوية بنفسه، وتوفي في عام 1923. تظل مهنة العطارة والعطارين حاضرة ومرغوبة في بغداد وغيرها من المدن، حيث تستخدم في المطبخ العراقي كمطيبات وعطور إضافة، بالإضافة إلى دورها الطبي حيث يُستخدم بعضها كوصفات طبية لمعالجة مختلفة أمراض.

اترك تعليقك


لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *