أصل تسميتها
يعود اصل تسمية المحلة الى منتصف القرن التاسع عشر، اثر شراء عائلة (بيت صوفه) التي تسكن المحلة جميع كمية (الشوك) من (الدرابه) وهم اشخاص كانوا يحملون الشوك في عربات ويطوفون به في محلات بغداد لبيعه كحطب لوقود مخابز البيوت، وصاروا (بيت صوفه) هم من يبيعون (الشوك) لابناء المحلة والمناطق المجاورة، فتغير اسم العائلة الى الشواكة نسبة الى المهنة التي امتهنوها في بيع جذور الاشجار والشوك الى مطابخ ومخابز البيوت التي كانت تستخدمه كوقود، ولتبريد الهواء في فصل الصيف بعد ان يشدوه بأضلاع من القصب والحبال ويرشوه بالماء ويضعونه على الشبابيك.
أهل المحلة
الحاج مهدي الالوسي (ابو كريم) من مواليد 1927 تحدث عن ذكرياته في المحلة، فهو ولد فيها ومازال يمتهن بيع الحبال وشباك الصيد في محله الصغير في سوق الشواكة اذ يقول:
«محلة الشواكة تقع على الجانب الغربي من شاطئ دجلة وتجاورها محلة الكريمات وباب السيف والصالحية والعلاوي، وهي محلة لاتهدأ ولاتنام حتى في ساعات الليل المتأخرة، فمطاعم (الباجه) و(الكباب) كان يزدحم بها الشارع الرئيس في المحلة حتى منتصف ثمانينيات القرن الماضي، وفي بداية ستينيات القرن الماضي كانت الشواكة من أهم مداخل بغداد للقادمين اليها من محافظات وسط العراق وغربه، ففيها كانت أشهر ثلاث عيادات للاطباء أمثال، (توفيق محمد وشاكر السويدي وصبري حداد وحنو جلود، وفهمي الاطرقجي ).
واضاف الالوسي: «في منتصف الثلاثينيات تم بناء السفارة البريطانية في المحلة وبنيت حولها العديد من بيوت الساسة والتجار ومنها بيت المرحوم (توفيق السويدي) رئيس وزراء العراق في العهد الملكي الذي مازال شاخصا حتى الساعة، وكذلك دار الطبيب (سندرسن) الذي كان الطبيب الخاص للعائلة المالكة، اما سوق الشواكة فهي ماتزال من أهم أسواق بغداد في جانب الكرخ منذ اكثر من 50 عاما، وكانت (للشواكة) حصة كبيرة من الاسماء اللامعة في عالم الادب والفن ممن عاشوا فيها لفترات طويلة في المحلة امثال الشاعر (حسين الملا، وعبود الكرخي، وعبد الامير الناهض)».
نشاطها الاقتصادي
رمضان حسون (62) عاما يعمل بقالا في سوق المحلة اشار الى: «النشاط الاقتصادي الذي كانت تمارسه المحلة في خمسينيات القرن الماضي، فبسبب وقوعها على شاطئ دجلة، كانت (الدوب) تنقل المنتجات الزراعية والحيوانية من مدن سامراء وبيجي ومحافظات الوسط والجنوب، اذ كانت شريعة الشواكة من أهم المراسي التي تكتظ بالبائعين وتجار الحنطة والشعير والسمن والرز، كما أن أنواعا من الدواب كالماعز والأغنام ايضا كان ينقل بعضها بواسطة (الدوب الكبيرة)، لبيعها للجزارين او مربي الاغنام». وبيّن حسون:»ان أكثر ماكانت تأتي به (الدوب) من سامراء وتكريت والحويجة هو الرقي والبطيخ وباقي الخضراوات والفواكه، فضلا عن الحنطة والشعير والسمن، كما اشتهرت بعض العوائل في محلة الشواكة بمهن محددة، كبيت مرزوق البناء، الذي كان مختصا في بناء البيوت بطرازها البغدادي الخاص، وهناك ايضا بيت النجار نسبة الى الأسطة حسن النجار الذي يصمم شناشيل البيوت ويبنيها من الخشب، فيما اختصت عوائل اخرى من المحلة بالمهن الحرفية، كآل الصفار وبيت النقاش، فهؤلاء كانت لديهم دكاكين صغيرة يمارسون فيها تبييض (النحاس) والنقش عليه ثم تحولوا الى صناعة السلاسل الحديدية وادوات صيد السمك، لكن اسماء المهن ظلت ملاصقة لهم حتى يومنا هذا».
تنوع فكري
كانت محلة الشواكة تحوي مراكز سياسية مهمة، كمدرسة الملك فيصل والسفارة البريطانية وبيت رئيس الوزراء نوري السعيد، ولأهميتها من الناحية الجغرافية في مدينة بغداد كانت المحلة مركزا تجاريا مهما جذب اليه التجار والساسة من مناطق عراقية مختلفة، حتى ان العراقيين من القومية الكردية والديانة اليهودية كانوا من التجار البارزين في سوق المحلة في خمسينيات القرن الماضي، الشيخ عبد الله وهب الجنابي (66) عاما، امام مسجد سابق بيّن:
«ان محلة الشواكة من المناطق البغدادية المهمة، فهي كانت مسرحا لمداولات الحكومة واعمالها من خلال وجود بيت رئيس الوزراء نوري السعيد ومن ثم توفيق السويدي والسفارة البريطانية وبيوت الوزراء ووجهاء البلد، وخلال سنوات الحرب العالمية اتخذت الحكومة البريطانية من احدى البنايات القريبة لمنطقة الصالحية مركزا للعلاقات العامة كان يتولى بمختلف الوسائل، نشر الدعاية لجيوش الحلفاء في الانتصار على النازية ومنها عرض الافلام السينمائية على البناية، حتى اغلقت بعد الحرب واصبحت ملهى ثم فندقا باسم ليلة وليلة، ولم تكن المحلة مغلقة على نفسها بل كانت تحوي أطيافا وقوميات متنوعة، والفوارق الاجتماعية لم تكن بمستوى عال، وكان العلاقات الاجتماعية في جانب كبير منها إنسانية وتعاطفية، والكثير من موظفي البلاط الملكي والوزارات كانوا من عوائل فقيرة او متوسطة من ابناء المحلة».
واضاف الجنابي:
«عند تأسيس الجيش العراقي كان اكثر من 10 ضباط في من ابناء المحلة ضمن تشكيلاته، وبها ايضا اشتهرت عيادات الاطباء والصيادلة التي كان عددها محدودا ولايتجاوز الثلاث عيادات طبية وصيدليتين فقط، واغلب سكان المحلات المجاورة ومناطق اخرى في بغداد كانوا يأتون للمحلة للتسوق او للتشافي والحصول على العلاج، كما كانت توجد في المحلة اكثر من 6 خانات كبيرة يستخدمها التجار في تداول البضائع والمشتريات مع المدن والمحافظات العراقية الاخرى».
قرية
الباحث التراثي رائد الشمري اوضح قائلا:
«محلة الشواكة هي في الاصل محلة القرية الغربية التي كانت تضم محلة الكريمات وباب السيف والشواكة ومحلات اخرى من منطقة علاوي الحلة بدءا من شارع حيفا الحالي باتجاه الصالحية وكانت تلاصقها محلة الدوريين ورأس الجسر، ولم تكن بغداد في ذلك الوقت مصممة عمرانيا بشكل يحدد مساحات المحلات وحدودها بشكل دقيق، وقبل الاحتلال البريطاني للعراق عام 1917 لم يكن في بغداد الّا جسر واحد، هو الجسر القديم الذي يقوم على جنائب دوب، فأقام الانكليز جسرا جديدا يقوم على جنائب احدث، وكان افضل من الجسر السابق. وفتحوا الشارع في ارض الصالحية، وقد حل محل الجسر القديم جسر حديدي ما زال قائما، يعرف اليوم باسم جسر الشهداء، وحل جسر حديدي آخر هو جسر الاحرار محل جسر مود الذي سمي نسبة للجنرال الانكليزي (ستانلي مود) الذي دخل الى بغداد في 11 آذار سنة 1917 ، وكان له تمثال يقع على مقربة من باب السفارة البريطانية الرئيس، وأقيم فيما بعد تمثال للملك فيصل الاول في الساحة القائمة عند ملتقى شارع الصالحية بشارع الملك الذي يبدأ من مبنى الاذاعة وشارع صلاح الدين المتجه نحو الشواكة وقد اطلق على تلك الساحة فيما بعد اسم جمال عبد الناصر». واضاف الشمري: «كانت المحلة الأكثر نفوذا وشهرة تستحوذ على اجزاء من مناطق اخرى قريبة منها، اذ يوجد في محلة (القرية) او الشواكة موضع على نهر دجلة يعرف بقصر المأمون، وأيضا يوجد مسجد (السيف) الذي أعاد ترميمه الوالي العثماني داود باشا، وفي هذا المسجد يوجد قبر الامام (ابي الحسن الاشعري) لكن الروايات تختلف في صحة عائدية القبر للاشعري، ويجاور المسجد حمام الجسر ومقهى البيروتي، لكن هذه الشواخص تم هدمها في زمن حكومة عبد السلام عارف في العام 1964، وبنيت محلها مديرية التقاعد العامة التي مازالت موجودة الآن».
تراث منسي
لم يبق من الشواكة غير سوقها الذي تغيرت دروبه ومعالمه التي بعثرتها العشوائيات، وأغلب بيوتها وشانشيلها هدمت وتحول الكثير منها الى دكاكين وورش للنجارة او الحدادة، اما شاطئ المحلة ومرسى زوارقها فهو الآخر لم يعد كما كان مزدحما بالسلع والبضائع والباعة، ومابقي فيه بضعة صيادين لايمارسون أعمالهم كما كانوا في السابق وزادت عليهم أعباء وتكاليف العمل والكثيرين منهم هجروا المحلة وذهبوا الى مناطق ومدن أخرى.