في يوم الثلاثاء الخامس من ربيع الاول 1286هـ الموافق 15حزيران 1869م صدرت في بغداد اول صحيفة عراقية تحمل اسم الزوراء احد اسماء عاصمتها العتيدة ويعتبر هذا اليوم تاريخ ميلاد الصحافة العراقية. واليوم نحن نلمس في صحفنا امكانات فنية متطورة وفي صحفيينا دابا وجهدا في خدمة الاهداف التي من اجلها وجدت الصحافة يجدر بنا تسجيل بعض السطور عن تاريخ اول جريدة ولدت بميلادها صحافتنا العراقية
كيف اصدر مدحت باشا الزوراء؟
اثر صدور الفرمان الهمايوني بتعيين مدحت باشا واليا على بغداد عزم هذا الوالي الجديد على القيام باول عمل اصلاحي وهو انشاء جريدة يستطيع من خلالها ان ينشر افكاره الاصلاحية بين الناس كما يستطيع ان يفهم مايرجوه الناس من الاصلاحات وما يعرضونه من مطاليب وفي باريس حيث كان عندما عين واليا على بغداد اشترى مطبعة الية حديثة نقلها معه الى بغداد كما احضر معه في نفس الوقت مهندسا للطباعة ومديرا للطباعة وكان بمعيته الكاتب الصحفي التركي احمد مدحت افندي جاء به مدحت باشا كاول رئيس لتحرير جريدة الزوراء واحمد مدحت افندي كما عرفنا كان مرافقا لمدحت باشا اينما حل وارتحل وكان من البارزين في حزب تركيا الفتاة الا انه خان مدحت باشا عندما صدم بالسلطان عبد الحميد وانظم هذا الصحفي النهاز الى زمرة عبد الحميد عدو الحرية ليسب بعد بضع سنوات ابا الاحرار مدحت باشا ولي نعمته وذلك في جريدته ترجوان حقيقة التي تولى تحريرها الاستان وصدر العدد الاول من الزوراء كما قلنا في 15 حزيران 1869 بثماني صفحات اربع منها باللغة التركية واربع باللغة العربية وفي صدر الجريدة كتبت العبارة الاتية (هذه الفزته) تطبع في الاسبوع مرة يوم الثلاثاء وهي حاوية لكل نوع من الاخبار والحوادث الداخلية والخارجية كما نشر في هذا العدد نص الفرمان العالي لتعيين مدحت باشا واليا على بغداد وكذلك نشر خطاب الوالي مدحت باشا الذي القاه في الاحتفال بقراءة ذلك الفرمان وفيه يعلم رايه الاداري ويذكر الاهلين بحالة اوروبا وتقدمها.
واشارت الزوراء في عددها الاول وفي الاعداد التي تلته الى شؤون (اللاين) واحوالها والقوانين والانباء الرسمية والبراءات السلطانية ونصوص المعاهدات والوثائق واخبار السلطنة والدول الاخرى كما كانت الزوراء إضافة الى ذلك تنشر الرسائل التي يبعث بها مراسلوها الدائميون في مختلف انحاء الولاية واوضحت هذه الرسائل اسباب تدني العراق ورسائل ترقيته والاصلاحات التي تطالب الامة بتحقيقها ورأى بعض المؤرخين ان الزوراء بادارة مدحت باشا كانت صريحة اللهجة تدون الواقع بحرية وتصدع بالحق ولكن بعد ذهابه عاشت خلفه خمسة واربعين عاما تغيرت لهجتها واصابها ما اصاب الصحافة العثمانية في العهد الحميدي من الضغط والتشديد عليها وخنق حريتها وعلى كل ففي سنواتها الاربع الاولى احتوت صفحاتها من اخبار البلاد العراقية وسكانها مالايعثر عليه او على اكثره في اي مرجع تاريخي اخر وفي السنوات الثلاث الاولى سجلت الزوراء بدقة ماقام به مدحت باشا من اعمال واصلاحات بحيث تعد خير مرجع لتاريخه في العراق.
مدحت باشا يحترم حرية الصحافة
من خلال قراءاتي لتاريخ واعمال مدحت باشا عرفت انه كان مشبعا بلافكار الاشتراكية كما كان متحمسا للميول الجمهورية في الحكم.. كان يقول سوف يأتي زمن تيسر الدولة فيه ان تعادل بين العمل والاجرة اما الان فالاجحاف ظاهر كاننا نحن انفسنا ناذن بالرشوة لذوي الرواتب الزهيدة بل نأمرهم امرا وكان كثير الصلة بالشعب يتحسس مطاليب الناس عن كثب وكان يعنى بالتنظيمات الادارية والشعبية كثيرا وكان الى جانب ذلك نظيفا نزيها حتى ذكر انه لما ترك منصبه في بغداد في اوائل عام 1872 باع ساعته لدفع نفقات سفره الى الاستانة وكان يحترم الصحافة ويعمل جهده على تلبية طلباتها ويعارض فكرة تقليص حريتها يؤيد هذا ماذكره المؤرخون من انه عندما عين صدرا اعظم اي رئيساً للوزراء في 19 تشرين الاول 1876 راح يعمل لاسناد الصحف الصادرة انذاك في الاستانة مثل الاستقبال وبصيرت وحقيقت ووقت وهي من الصحف الحرة التي بدأت في حينها على نشر الافكار التحررية وعملت لتحقيق النظام الدستوري كان يدعم هذه الصحف ماديا ومعنويا برغم ان هذا الدعم وما كانت تكتبه هذه الصحف يثير حفيظة السلطان عبد الحميد وكان مدحت باشا ابو الاحرار كما كان يطلق عليه لايعير لشكاوى السلطان، الدستور خول الصحافة حتى الكتابة في المواضيع التي تريدها وانتقاد ما ترى انتقاده من شؤون الحكومة والدولة فهي ممثلة الرأي العام ولسانه المعبر عن حقوقه ورغباته
تدني الزوراء بعد نقل مدحت باشا
فقدت الزوراء بعد نقل مدحت باشا من ولاية بغداد كثيرا من حريتها وتبدلت لهجتها ولاسيما عندما شدد العهد الحميدي الخناق على الصحف واخرس السنتها وحطم اقلام الكتاب وفرض الحظر على نشر الظلامات التي يرفعها الناس للحكومة كما حرم نشر الانتقادات التي توجهها الصحف للمسوؤلين الحكام وبدت في هذه الجريدة الركاكة الفاضحة واضحة تعج بالاغلاط المزرية بعد ان تولى ادارتها اشخاص لايحسنون العربية فضلا عن الكتابة الفصيحة بها… والمتتبع لاعداد الزوراء في خلال عدة سنوات يجد التباين في الاسلوب واللغة صعودا وهبوطا مما يدلل على اهمال الولاة لهذه الجريدة حتى قال فيها الاب انستاس ماري الكرملي (واما مواضيع الزوراء فلا تستحق الذكر وآسفا على ولاية بغداد ان تكون جريدتها الرسمية بهذه الصورة الدنيئة).
الغاء القسم العربي
وفي عام 1908 عندما اعلن الدستور وظهرت في بغداد صحف شعبية مثل بغداد لصاحبها مراد سليمان والرقيب لصاحبها عبد اللطيف ثنيان وصدى بابل للمعلم داود صليوة الغى الوالي التركي نجم الدين ملا القسم العربي في الزوراء بحجة وجود صحف عربية بينما كان واقعاً هو منع نشر الرسائل والمطاليب الشعبية على صفحات الزوراء الجريدة الرسمية وفعلا فقد اكتفى الوالي المذكور بالقسم التركي من الجريدة وهذا سبب احتجاج فريق من الاهلين من ذوي النزعة القومية حيث طالبوا بعودة القسم العربي وفعلا عادت الزوراء لتنشر باللغتين العربية والتركية اعتبارا من عددها 2418 الصادر في 7 شعبان 1331 الموافق ليوم السبت 12 تموز 1913 في عهد الوالي محمد زكي باشا.
محررو الزوراء
قلنا ان مدحت باشا عندما نقل الى ولاية بغداد اصطحب معه الصحفي التركي احمد مدحت افندي ليشغل رئاسة تحرير الزوراء وبقي احمد مدحت في منصبه هذا مدة ولاية مدحت باشا (1869- 1872) في بغداد ومما يؤسف له ان القيود القديمة لجريدة الزوراء قد احرقت ولهذا لم يستطع المؤرخون معرفة محرري الزوراء الا انه عرف من بين مسؤولي تحرير القسم العربي في هذه الجريدة حسن ازوم 1294- 1299 هـ وزهيد أفندي 1296- 1313 هـ واسماعيل افندي 1313- 1317 هـ واحمد فهمي 1317- 1319 هـ وفهمي افندي 1319- 1321 هـ وعباس حمدي 1321-1323 هـ وفهمي افندي 1323- 1326 هـ وعبد الوهاب افندي 1326 وتولى تحرير هذا القسم وحتى توقف الزوراء نهائيا في 11 اذار 1917 عند انسحاب الجيش العثماني من بغداد عدد من الكتاب والادباء والصحفيين العراقيين ذكر من بينهم الشاعر احمد عزت باشا محمود العمري الموصلي واخوه علي رضا محمود العمري كما حرر فيه الشاعران الشاويان عبد الحميد واحمد ثم طه الشواف فمحمود شكري الالوسي وكان اخر من عمل في الزوراء الصحفي المعروف محمود المدرس وذكر ان الرصافي والزهاوي عملا فترة في هذه الجريدة الرسمية.
الزوراء تصدر 48 عاما
ومنذ صدور عددها الاول في 15 حزيران وحتى صدور عددها الاخير في 11 اذار 1917 تكون جريدة الزوراء قد ثابرت على الصدور مدة 48 عاما ظهر منها 2626 عددا كانت خلال سنتها الاولى كما قلت يوم الثلاثاء من كل اسبوع بينما ظهرت اعدادها في السنة الثالثة انها تصدر في الاسبوع مرتين ففي صدر أحد أعدادها الصادرة في 1289 هـ قرأنا مايلي (هذه الجريدة تصدر في الاسبوع مرتين يوم السبت ويوم الثلاثاء وهي حاوية لكل نوع من الاخبار والحوادث الداخلية والخارجية وثمنها عن سنة 100 غرشا وعن ستة اشهر 55 غرشا وكل نسخة منها 50 بارة ويضم على قيمة الجرائد التي تنقل للخارج 25 غرشا اجرة البوستة فالذي يرغب في اخذها وشرائها فليراجع مركز الولاية).
مطبعة جريدة الزوراء
مطبعة الزوراء او مطبعة الولاية كما هو اسمها المثبت في صدر جريدة الزوراء جلبها من باريس كما قلنا مدحت باشا كما استصحب معها مهندسا فنيا لادامتها باعتبار ان العراقيين لم يكونوا قد شهدوا في ذلك الوقت مطبعة البتة بل كان الكثيرون في بغداد في اواسط القرن التاسع عشر لا يعرفون شيئا عن المطابع وفن الطباعة وكان العراقي لايصدق مايقال له عن طباعة الكتاب في يوم او بعض يوم ويعتبر هذا عملا مستحيلا كما اعتبره البعض من فنون السحر ولم يجرأ احد على جلب مطبعة الى بغداد الا بعد ان شهد البغداديون مطبعة الولاية هذا الامر الذي دفعهم بعد ذلك الى التهافت على شراء المطابع.