الروضة الحسينية الشريفة ، تاريخها ، تطورها معمارياً

الروضة الحسينية الشريفة ، تاريخها ، تطورها معمارياً

عند الحديث عن تاريخ بناء الروضة الحسينية المطهرة وتطوّرها إلى شكلها الحالي، نُوجِّه نظرنا إلى فترة تاريخية تمتد لأربعة عشر قرنًا. فقد أفاد المؤرخون بأن بناء الروضة الحسينية بدأ منذ دفن الأجساد الطاهرة على يد أفراد من عشيرة بني أسد.

وفي هذا السياق، قال الإمام علي بن الحسين زين العابدين (عليه السلام): “أخذ الله ميثاق أناسٍ من هذه الأمة، لا تعرفهم فراعنة هذه الأرض، هم معروفون في أهل السماوات، يجمعون هذه الأعضاء المتفرقة والجسوم المضّرجة وينصبون بهذا الطف علمًا على قبر سيد الشهداء، لا يُدرس أثره، ولا يعفو رسمه على مرور الليالي والأيام.”

في عام (65 هـ)، استلم المختار بن أبي عبيدة الثقفي حكم الكوفة، وأسس العمارة الأولى للروضة الحسينية المطهرة. قاد حملة لثأر الإمام الحسين (عليه السلام)، حيث قام بمحاكمة ومعاقبة قتلة الإمام وصحبه. قام ببناء مرقد الإمام الحسين (عليه السلام) في كربلاء، شيّد قبة من الآجر والجص، وأنشأ سقيفة ومسجد حول القبر. هذا المسجد كان يحتوي على بابين، أحدهما يفتح نحو الجنوب والآخر نحو الشرق.

في عهد الأمويين وسقوط دولتهم (123 هـ)، بقيت السقيفة والمسجد قائمين. في عهد هارون الرشيد، حاول هدم القبور العلوية الطاهرة في محاولة لمحو ذكر آل محمد (عليهم السلام). أرسل أناسًا لتدمير المرقد الحسيني وهدم المسجد، وتم تدميرهما وخراب كل ما فيهما من بنيات ومعالم أثرية. كما قطعوا شجرة السدرة وخربوا موضع القبر، ووضعوا رجالًا مسلحين لمنع الوصول إلى المرقد المعظّم حتى وفاة الرشيد في عام (193 هـ).

تحت حكم المأمون العباسي، ونتيجة للتقارب مع العلويين، أسندت ولاية العهد للإمام الرضا (عليه السلام)، وتغيّر شعار العباسيين ليكون مشابهًا لشعار العلويين. في عهد المأمون، أمر ببناء قبر الإمام الحسين (عليه السلام)، مما أتاح للشيعة زيارته بحرية. وفي هذا السياق، قام المتوكل العباسي بإعادة البناء على القبر، لكن خلال فترة حكم المتوكل، قام بأربع هدمات للقبر وتشويهه، محاولًا فرض قيود على الزيارات ومطاردة الشيعة.

في سنة 236 هـ، أمر المتوكل بتدمير قبر الإمام الحسين (عليه السلام) ومحيطه، ومنع الناس من زيارته. تم حرث الموقع وزراعته، وفي إحدى الزيارات للإمام الرضا (عليه السلام)، اكتشفت أن الماء قد فجّر في الموقع وأرسلت الثيران والعوامل لزرعه. وعند محاولتها للزيارة، واجهت عراقيل تجعلها غير قادرة على الوصول إلى القبر. في تلك اللحظة، سُمِعت هتافات بسقوط الطائر، وتبين لها أن ذلك كان بتأثير مقتل المتوكل.

عندما تولى المنتصر الخلافة في نهاية عام 247 هـ، تحسنت أحوال العلويين، حيث أمر بتشييد قبة على قبر الإمام الحسين (عليه السلام)، وأظهر اهتمامًا خاصًا بتوجيه الناس إلى هذا المكان المقدس. وفي خطوة تجاه العلويين، وزّع الأموال عليهم ودعا إلى زيارة قبر الحسين (عليه السلام). رداً على هذا الدعوة، هاجرت جماعة من أولاد الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) إلى كربلاء، بينهم السيد إبراهيم المجاب وأفراد من ذرية الإمام السجاد (عليه السلام) وأبناء الشهيد عيسى بن زيد. تأسسوا واستقروا في المكان، وبناء قبة الحسين (عليه السلام) الذي أُقيم آنذاك استمر حتى سنة 273 هـ، عندما سقط خلال عهد الخليفة المعتضد العباسي.

في السابع من ذي الحجة سنة 273 هـ، انهارت العمارة الرابعة التي شيدها المنتصر على قبر الإمام الحسين (عليه السلام)، وذلك خلال زيارة عرفات، وهي إحدى الزيارات المخصصة لحرم الحسين (عليه السلام) حيث يتوافد الناس بكثرة. السقوط المأساوي أسفر عن إصابة بعض الزوار ونجاة آخرين، منهم أبو عبد الله محمد بن عمران بن الحجاج الذي نقل الحادث.

لم تُكشف حتى الآن الأسباب الحقيقية لسقوط السقيفة، هل كانت نتيجة لقضاء وقدر، أم كان هناك تدخل خبيث من السلطة الحاكمة؟ إلى يومنا هذا، لا يزال هذا السؤال بدون جواب. الحادث ترك آثاراً مؤلمة، ولفترة عشر سنوات ظل القبر مكشوفًا.

فيما بعد، تولى الداعي الصغير محمد بن زيد بن الحسن، جالب الحجارة من أولاد الإمام الحسن في طبرستان، مهمة بناء المشهدين وترميم القبر. تحت حكم المعتضد العباسي، الذي زار كربلاء والنجف، قاد محمد بن زيد البناء على القبر في كربلاء. قام بإنشاء قبة عالية وبابين حول القبر، إضافة إلى سقيفتين. عمّر السور حول الحائر ووسع المساكن. استجاب بكرمه لاحتياجات سكان كربلاء وزائري الروضة المقدسة.

أثناء حكم عضد الدولة البويهي في بغداد، أمر ببناء الرواق الذي يعرف اليوم برواق السيد إبراهيم المجاب في المرقدين الغروي والحائري. وفي عام 407 هـ، نشب حريق هائل داخل الروضة المقدسة. وقع هذا الحادث المأساوي خلال الليل بسبب سقوط شمعتين كبيرتين على المفروشات. بدأت النار بأذيت التأزير والستائر، ثم امتدت إلى الأروقة والقبة السامية. للأسف، لم ينجُ السور وجزء من الحرم ومسجد عمران بن شاهين من هول الحريق.

في عهد الحسن بن المفضل بن سهلان، تم تجديد بناء الحائر الحسيني بعد حريق أتى عليه، حيث قام ببناء قبة جديدة على قبر الحسين (عليه السلام) في عام 412 هـ. قام بإصلاح وترميم ما دمره الحريق وأمر ببناء السور الخارجي. وفي تجديد للحائر في عام 588 هـ، قام بناء السور الخارجي وتحسين العمارة حول القبر، وأفادت رحلة ابن بطوطة في عام 727 هـ بوصفه لهذه العمارة. وفي عام 414 هـ، توفي بن سهلان، ولكن بناءه استمر حتى عهد المسترشد بالله العباسي (سنة 526 هـ). ومع استمرار الإرهاب في عهد المسترشد، أقدم على نهب خزائن الحائر من أموال ونفائس، ولكن لم يتعد على الحائر والقبر الطاهر. بينما في عهد الوزير مؤيد الدين محمد بن عبد الكريم الكندي في سنة 620 هـ، تم ترميم حرم الإمام الحسين (عليه السلام)، وتحسين الحائر، حيث أكسى الجدران والأروقة بخشب الساج ووضع صندوقًا من الخشب على القبر، وزيّنه بالديباج والطنافس الحريرية، وتم توزيع الخيرات على العلويين والمجاورين للحائر.

تعتبر العمارة السابعة، وفقًا لكتاب مدينة الحسين للسيد حسن الكليدار، أو الثامنة، وفقًا لتأريخ مرقد الحسين والعباس للسيد هادي طعمة، حيث قام السلطان معز الدين أويس ابن الشيخ حسن الجلائري بتشييدها. وكان هذا السلطان حاكمًا للعراق بعد أخيه السلطان حسين الصغير في عام 757 هـ. بدأت أعمال البناء في 767 هـ واكتملت في 786 هـ على يدي ابنه أحمد بن أويس.

تم بناء حرم الإمام الحسين (عليه السلام) بتصميم يشمل قبة على شكل نصف دائرة، محاطة بأروقة كما هو الحال حاليًا. قد بني السلطان أيضًا البهو الأمامي، المعروف بإيوان الذهب، ومسجد الصحن حول الروضة، وكان بتصميم مربع. تميزت العمارة بالزخرفة الدقيقة من الداخل، حيث استخدمت المرايا والفسيفساء والطابوق القاشاني.

قام السلطان أحمد الجلائري بتزيين المئذنتين باللون الأصفر من الطابوق القاشاني وكتب عليها تاريخ التشييد، الذي كان في عام 793 هـ. واستمرت هذه العمارة على القبر الشريف حتى الوقت الحالي، ولكن تمت ترميمات مستمرة على الروضة الحسينية على مر السنوات، خاصة بعد الدمار الناجم عن القصف العشوائي في كربلاء خلال الانتفاضة الشعبانية في عام 1991. هذا القصف أسفر عن فجوة في قبة الإمام العباس (عليه السلام) وانهيار جدران الصحن الحسيني والعباسي، وتصدع الجدران الداخلية للمرقدين الشريفين.

التاريخ يكشف لنا حقيقة قاطعة: كل من شارك في جريمة قتل وظلم الإمام الحسين (عليه السلام) وقام بتجاوز حدود الفجيعة، لا يفلت من عقوبة الله في الدنيا والآخرة. عمر بن سعد، الذي ارتكب فعلته الشنيعة بقتل الإمام الحسين (عليه السلام) متعطشًا لملك الري، لم يقتصر جرمه على ذلك، بل تجاوزه ليطلب حرق بيوت الظالمين على أهلها. ومع كل تلك الظلم والبغي، فإنه لم يحقق هدفه المشؤوم. الصحابي المختار بن يوسف الثقفي، بعد أربع سنوات من الحادثة المؤلمة، قام بإلحاق العقوبة بعمر بن سعد، فقتله وشلته المجرمة. هكذا انهارت آمالهم وانتقم الله منهم.

حسين كامل، الذي اقتحم كربلاء المقدسة بعد الانتفاضة الشعبانية، قفز أمام باب القبلة ونادى الإمام الحسين (عليه السلام)، إلا أن نهايته كانت مريرة، حيث هرب إلى الأردن بحثًا عن الشهرة والأمان، ولكنه عاد بعد فترة قصيرة، ولم يكن يعلم أنه ينتظره الموت. فبعد هروبه إلى الأردن وفترة قصيرة من الغربة، عاد إلى العراق، وكانت نهايته في انتظاره، حيث فتك به السيف الذي كان يستخدمه ضد أتباع الحسين (عليه السلام). انتقمت أيدي أسياده الظلمة منه، رغم ندمه الذي لن يُعتبر تبريرًا لجرائمه.

تم الانطلاق في بناء الطابق الثاني للسور الخارجي للصحن الحسيني المبارك، والذي سيضم متحف النفائس ومركز الدراسات التابع للمكتبة، بالإضافة إلى أقسام هندسية وإدارية، وقاعات دراسية ومؤتمرات. يعد هذا المشروع تكملة لتسقيف الصحن ودمجه بالحرم المطهر، ويتسع لخمسة أضعاف أو أكثر من السعة السابقة. يُعد هذا المشروع الضخم نقلة نوعية في تاريخ الحرم الحسيني، بدأ العمل به في رجب 1426هـ، ومن المتوقع الانتهاء منه خلال سنتين من تاريخ البدء.

اترك تعليقك


لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *