تعد الاعدادية المركزية (المدرسة الثانوية سابقاً) من اقدم المدارس التي أنشئت في بغداد بجانب الرصافة وعلى ضفاف نهر دجلة، وتعد صرحاً حضارياً وموقعاً تراثياً مهماً أما سبب تسميتها بالمركزية فيعود إلى كونها في مركز مدينة بغداد، وهي المدرسة الوحيدة التي كانت تجمع بين الدراسة الاكاديمية والعسكرية وفيما يأتي استعراض لتطورها التاريخي
من خلال القاء الضوء على الخلفية التاريخية لبناية المدرسة، وما يحيط بها من شواخص ومراكز حضارية مهمة.
ترجع جذور بنايتها إلى العصر العباسي المتأخر فأصل الأرض التي شيدت عليها المدرسة تعود إلى مدرسة ورباط يعرف برباط سعادة وتشير المصادر التاريخية إلى أَنَّ المدرسة كانت للحنفية والرباط للشافعية وبسقوط الدولة العباسية وتقادم الزمن تهدمت تلك المدرسة والرباط واصبحت عبارة عن ارض خربة. ولما قدم الوالي مدحت باشا إلى بغداد عام (1869-1872) امر بانشاء مدرسة على تلك الارض، إلاَّ إن البناء لم يكتمل خلال ولايته فاكمل البناء في عهد الوالي عبد الرحمن باشا في ولايته الثانية عام (1879-1881).
وحين الانتهاء من بنائها نقل اليها طلبة المدرسة الرشدية العسكرية التي أسسها مدحت باشا بعد أَنَّ كان طلبة المدرسة الرشدية العسكرية والاعدادية العسكرية يداومون في بناية واحدة هي بناية (المحاكم المدنية سابقا في القشلة) ، وذلك ما أكدته المصادر والمراجع التي تم استشارتها ومنها على سبيل المثال لاالحصر، ما اشار اليه محمد رؤوف السيد طه الشيخلي وهو احد طلبة المدرسة الرشدية العسكرية من: ((إن المدرسة الرشدية العسكرية والاعدادية العسكرية كليهما في بناية واحدة)) واستناداً لما رواه محمد رؤوف طه الشيخلي فانه قد شيد للمدرسة الرشدية العسكرية بناية خاصة بها تقع في محلة الميدان موضع المدرسة الاعدادية المركزية الحالية. وانه بعد دوامه في المدرسة الرشدية عام 1891م باسبوع واحد صدر الامر السلطاني، بانتقال المدرسة الرشدية العسكرية كلها إلى البناية الجديدة، في حين بقيت المدرسة الرشدية العسكرية حتى عام 1913، إذ تحولت المدرسة إلى مكتب سلطاني إستمر حتى عام 1917، ليتحول في عهد الاحتلال إلى معهد للمعلمين (دار المعلمين) ، وحين دخل الجيش البريطاني بغداد في آذار 1917، نهبت اغلب اثاث المدارس، كما نسف الاتراك ليلة الاحتلال البريطاني بناية دار المعلمين الابتدائية، الواقعة أمام دائرة البريد (الاعدادية المركزية حالياً).
وفي عهد الاحتلال البريطاني وفي محاولة منه للتوجه لانشاء مدارس ثانوية وبخاصة بعد ضغط الاهالي وتوقع تخرج الوجبة الاولى من طلاب المدارس الابتدائية، اعلنت نظارة المعارف العمومية عن نيتها فتح مدرسة تجهيزية أو ثانوية في بغداد في 16 نيسان 1918 ، لكنها تأخرت في المباشرة بفتح المدرسة الثانوية في بغداد بحجة عدم توفر المدرسين الاكفاء ورحيل اغلب المعلمين السابقين مع القوات العثمانية المنسحبة.
وحينما تأخرت نظارة المعارف في المباشرة بفتح مدرسة ثانوية في بغداد، ولاسيما ان المدارس الابتدائية قد خرجت الوجبة الاولى من صفوفها النهائية، دفع ذلك الامر بالغيارى من معلمي المدارس الابتدائية لفتح صف ثانوي يتولون مهمة التدريس فيه، وقد اجتمعوا لذلك الغرض في صيف عام 1918، في دار الاستاذ محمد ناجي القشطيني مدير المدرسة البارودية لوضع خطة مشتركة لعملهم، وقرروا اثر ذلك فتح (صف ثانوي) في المدرسة الحيدرية التي كان مديرها عبد المجيد زيدان وبعد الاعلان تقدم للالتحاق بذلك الصف، خمسة عشر طالباً ممن انهوا دراستهم الابتدائية، من بينهم.
لم ترحب سلطات الاحتلال البريطاني بذلك الاجراء ولم تستحسن تبرع هؤلاء بالتدريس فاصدرت امراً باغلاق الصف دون بيان سبب مقنع لذلك ، إلاَّ أَنَّ ضغط الاهالي وأولياء إمور الطلاب اثمر بموافقة الميجر (بومان) ناظر المعارف على اعادة فتح الصف الثانوي كخطوة اولى في حقل التعليم الثانوي. وقد فتح الصف الثانوي في اواخر عام 1919، إلاَّ إن عدد الطلاب انخفض إلى ثمانية، اغلبهم من المسلمين، واتخذ من غرفة في بناية (دار المعلمين) مكاناً له.
ومن اجل معالجة عدم توفر العدد الكافي من المدرسين لتدريس الاختصاصات اللازمة للتعليم الثانوي، رأى الميجر (بومان) ضرورة الاتصال بالجامعة الامريكية في بيروت لمساعدته في اعارة خدمات بعض الاساتذة للعمل في العراق، وفعلاً استقدم عدد من المدرسين المصريين والسوريين والبريطانيين، من خريجي الجامعة الامريكية في بيروت من بينهم: وديع عبد الكريم وجبرائيل كانول وجيمس سمرفيل، وفائز أسعد وفليب فيصل واميل جبر ضومط وغيرهم، وانضم اليهم عدد من الاساتذة العراقيين من بينهم عبد المجيد الخوجة ومحيي الدين الناصري.
ولما انتهت السنة الدراسية الاولى على فتح (الصف الثانوي عام 1919)، قررت نظارة المعارف العمومية، فتح ثانوية مستقلة، اتخذت من (بناية البعثات السابقة) الواقعة مقابل دار الضباط في باب المعظم مكانا لها وعينت لادارتها محمد عاصم الجلبي وفي الاعلان الذي نشرته نظارة المعارف يوم 23 آب 1920، أشارت فيه إلى أَنَّ الدراسة ستبدأ في تلك المدرسة يوم الحادي عشر من ايلول 1920 واما مواضيع الدراسة فهي: التربية الدينية – اللغة العربية – اللغة الانكليزية – الاجتماعيات – العلوم الطبيعية – الرسم – الاشغال اليدوية – الرياضة البدنية.
وتقرر أَنَّ يدفع كل طالب يقبل في المدرسة (روبية واحدة) شهرياً ، وان يكون ناجحاً في امتحانات الصفوف الرابعة الابتدائية ، وعليه أَنَّ يراجع نظارة المعارف العمومية قبل اليوم الأول من شهر ايلول 1920، لملء استمارة خاصة تحتوي على بعض المعلومات الشخصية كاسم الطالب واسم المدرسة التي تخرج منها وعمره وديانته.
بدأت التدريسات الفعلية في المدرسة الثانوية الجديدة في 11 أيلول 1920 وكان عدد الطلاب في الصفين الأول والثاني (50) طالباً أما المدرسون الذين كانوا يدرسون فيها فهم كل من الاساتذة: عبد المجيد الخوجة لتدريس الرياضيات ومحيي الدين الناصري للغة العربية وعبد العزيز الباجه جي للرياضيات ونجيب المشرقي للغة الانكليزية وأخيراً وديع عبد الكريم للطبيعيات.
وفي مطلع شهر آيار من عام 1921 تقرر نقل المدرسة الثانوية إلى بناية اخرى هي مدرسة الاتحاد (المأمونية) ، ولكن لمدة قصيرة لحين توفر بناية تصلح لها، وكانت تلك من اهم المشاكل التي كان يعاني منها التعليم الثانوي والتي كانت تقف عائقاً امام فتح عدد من المدارس الثانوية.
إن مشكلة البنايات وعدم المباشرة بانشاء بنايات جديدة كانت من المشاكل المستعصية، ولعل من الاسباب المباشرة لذلك أَنَّ القوات العسكرية البريطانية كانت بحاجة إلى بنايات في بغداد مما جعلها تشغل بنايات المدارس القديمة كمكاتب ومقرات ادارية لها.
ونتيجة لذلك الوضع لم يكن أمام وزارة المعارف إلاَّ أَنَّ تتخذ بنايات غير ملائمة أو تستأجر دوراً فتجعلها مدارس علماً بان تلك الدور لم تكن مهيأة أو صالحة كمدارس، ولم تستطع الحكومة حينذاك اعداد ابنية للمدارس لضعف ميزانية الدولة التي لم تكن قادرة على توفير المبالغ اللازمة لتلك البنايات، ولم تستطع وزارة المعارف بناء عدد من المدارس إلاَّ في عام 1928، استناداً لما ورد في التقرير المرفوع من الحكومة البريطانية إلى مجلس عصبة الامم عام 1929 حول بنايات المدارس، والذي اشار فيه إلى أَنَّ عدد المدارس بلغ (18) مدرسة جديدة واربعة توسيعات في ابنية اخرى الامر الذي دفع وزارة المعارف للبحث عن مبانٍ قائمة تصلح لان تكون مدارس ثانوية، فكانت بناية (المدرسة الرشدية) والواقعة أمام دائرة البريد المركزي في الميدان واحدة من تلك البنايات التي اختارتها وزارة المعارف لتكون بناية خاصة بالمدرسة الثانوية وقد اختيرت تلك البناية لما تتمتع به من مواصفات خاصة بعد أَنَّ اعيد بناؤها وتوسعت مرافقها والبناية مستطيلة الشكل، ومكونة من طابقين كل طابق يحتوي على عدد من الغرف ويطل الطابق العلوي على ساحة وسطية داخل المدرسة، فضلا عن ساحة خلفية، والبناية اربعة اذرع يستند اثنان منها إلى خلف واثنان إلى الامام وكلا الذراعين بطابق واحد، وبين كل ذراعين ساحة مرصوفة بالطابوق (الفرشي) ويوجد في الذراع الايسر الخلفي قاعة للاجتماعات، وخلف القاعة دورة المياه بما فيها من أحباب الماء مفردها (حِب)، والمرافق الصحية والوصول اليها من خلف ذلك الجناح، لا من الساحة التي بين الجناحين.
يحيط بالمدرسة شواخص حضارية مهمة، من الشمال القلعة (وزارة الدفاع) والقصر العباسي (بيت الحكمة حالياً) وكانت سابقاً مقراً للبرلمان العراقي في العهد الملكي ثم أصبحت مكاناً لجلسات محكمة الشعب (محكمة المهداوي) التي تأسست في اعقاب ثورة 14 تموز 1958 ومن الجنوب شارع المتنبي والسراي (مقر دواوين الحكومة) ومن الشرق باب المعظم شارع الرشيد وساحة الميدان ومن الغرب نهر دجلة.
وبالقرب من المدرسة عدد من الجوامع والمساجد والمدارس الدينية من بينها جامع ومدرسة النعمانية مقابل دائرة البريد الذي انشأته الحاجة فاطمة بنت بكتاش بن السيد ولي، والمدرسة السليمانية التي أنشأها أبو سعيد سليمان باشا والي بغداد 1779م-1802هـ وتقع بين سراي الحكومة (القشلة) وجامع النعمانية .
ومسجد نجيب السهروردي الذي انشأه أيضاً والي بغداد أبو سعيد سليمان باشا وهو مسجد قديم يقع في جانب (الاعدادية المركزية) من جهتها الخلفية ويقابل المستشفى العسكري وكان المسجد في الاصل مدرسة تدعى مدرسة النجيب (النجيبية) وفيها قبر الشيخ نجيب الدين السهروردي ، كما يوجد بالقرب منها جامع الاحمدية الشهير في سوق الميدان وجامع مدرسة المرادية (مدرسة نائلة خاتون).
وبسبب تلك المعالم الثقافية التي تحيط بالمدرسة، اكتسبت الثانوية (الاعدادية المركزية) أهمية تاريخية وهكذا حين بدأ العام الدراسي 1922-1923 وبعد أَنَّ استقرت المدرسة في بنايتها الجديدة كلف لادارتها اللواء السابق محمد نظيف الشاوي (قائد الجيش السادس التركي) ، بعد نقل مديرها السابق عاصم الجلبي إلى الموصل، والشاوي واحد من النخب العسكرية التي سرحت من الجيش العثماني واعيرت خدماته إلى المعارف، لعدم وجود شاغر لاستخدامه في الجيش، فعين مديراً للمدرسة الثانوية للأعوام 1922-1923، 1923-1924 وكان له أثر في توجيه التدريس في الثانوية وجهة تساهم في تنشئة الطلبة، نشأة وطنية وقومية تلك التوجيهات التي لم تكن ترضي سلطات الاحتلال البريطاني إذ ذكرت (المس بيل) في واحدة من مناقشاتها مع (ارنولد ولسن) الحاكم العسكري العام، الذي كان متحفظاً على عودة الضباط العراقيين، الذين عملوا في سوريا إلى العراق، ورفض تعيينهم في مهمات التعليم! فردت عليه (المس بيل) انها ((لا تخشى شيئاً من الجيل الذي ينشأ ما دام البريطانيون في المعارف)).
وهذا مما يؤشر على أَنَّ الاحتلال البريطاني للبلاد، كانت له انعكاساته السلبية على مختلف جوانب الحياة العامة في العراق، ومنها السياسة التعليمية عامة والتعليم الثانوي بخاصة.
ولكن عند الانتقال من الاحتلال وسيطرته إلى الحكم الوطني، أخذت المدرسة الثانوية (الاعدادية المركزية) تتغير شيئاً فشيئاً، بفضل اهتمام الملك فيصل الأول، الذي كان معنياً بسير المعارف وضرورة النهوض بواقع التعليم ، وكانت اولى اهتماماته تلك حل المشاكل التي واجهت وزارة المعارف ومنها مشكلة عدم توفر البنايات الصالحة لان تكون مدارس ثانوية، ومنها المدرسة الثانوية، لانها لم تكن بالمستوى المطلوب، لكونها الثانوية الوحيدة في بغداد.
ويذكر عضو مجلس النواب العراقي المحامي اسماعيل الغانم، الذي كان طالبا في المدرسة الثانوية في بداية العهد الوطني الملكي قائلاً ((كانت البناية التي تشغلها المدرسة انذاك عبارة عن خرائب معهد قديم (دار المعلمين) احترق بعد جلاء الاتراك عن بغداد، وكنا ندرس في بعض الغرف التي انشئت انشاء مؤقتا وعلى عجل وكنا ندرس وعمال الانشاء يشتغلون في انشاء الغرف الحديثة القائمة…)).
وفي ضوء ما جاء في مناهج الوزارات العراقية واهتمامات البلاط الملكي وتوجيهات الملك فيصل الأول قررت وزارة المعارف العام الدراسي 1925-1926 توسيع بناية المدرسة الثانوية نتيجة زيادة عدد الطلاب الملتحقين بها، فاصبحت المدرسة بحاجة إلى التوسيعات اللازمة، وشملت تلك التوسيعات الجديدة بانشاء قسم جديد يتألف من اربعة صفوف للدراسة، وغرف اخرى للادارة، وملحقاتها، وكان من المؤمل أَنَّ ينتهي العمل نهاية العام الدراسي المذكور. وفعلاً تم فتح القسم الجديد في المدرسة الثانوية في بداية العام الدراسي 1926-1927، واصبح مؤلفاً من ثمانية صفوف بعد أَنَّ كان بأربعة صفوف دراسية فقط وغرف اخرى للادارة وثلاث قاعات للمختبرات ، كما اعيد بناء واجهة المدرسة الثانوية في عام 1927 وكتب اسم المدرسة على قطعة من الرخام الازرق، وان من قام بخط اسم المدرسة الثانوية وسنة التشييد الجديد عام 1927 هو ساطع الحصري.
وعلى الرغم من تغير اسم المدرسة من المدرسة الثانوية إلى الاعدادية المركزية، بعد فصل الدراسة المتوسطة عن الدراسة الاعدادية في ثلاثينات القرن العشرين، بقيت تلك الواجهة على حالها دون تغيير وليومنا هذا مع وجود ذلك التاريخ على واجهة المدرسة ولهذا ساد الاعتقاد لدى الكثيرين بان المدرسة الثانوية المركزية قد تأسست عام 1927، حتى أَنَّ وزارة التربية الحالية ومديرية تربية الرصافة الاولى ومديرية الابنية المدرسة التابعة لوزارة التربية، تذهب بذلك الاتجاه، وذلك غير صحيح كما اشير اليه سابقاً.
فضلاً عن ذلك فقد اصبح يرد في العام 1927-1928، اسم المدرسة في التقارير السنوية لوزارة المعارف وسجلات المدرسة باسم المدرسة الثانوية المركزية تميزاً لها من المدرسة الثانوية الشرقية.
ومن التطورات التي شهدتها المدرسة الثانوية، انشاء قسم داخلي للقادمين اليها من خارج بغداد إذ تقرر في العام الدراسي 1925-1926، استئجار دار خاصة للطلاب يكون قسماً داخلياً لهم، وبذلك يكون ذلك القسم اول قسم داخلي للطلاب في العراق إذ استثنينا (القسم الداخلي) الذي انشاته المدرسة الامريكية في البصرة وقد قبل في القسم الداخلي (25) طالباً في بداية الامر ، ثم استأجرت وزارة المعارف بعد ذلك داراً كبيرة تقع خلف دائرة الأطفاء الملاصقة لبناية (امانة بغداد) حينذاك، واعتمد قسماً داخلياً لطلاب الثانوية، وكان طلاب القسم الداخلي يذهبون يومياً بعد تناول العشاء إلى قاعة المطالعة في المدرسة الثانوية لمراجعة دروسهم وتحضير واجباتهم لليوم التالي، باشراف مدرسين من غير مدرسي المدرسة.
وبقيت المدرسة الثانوية المركزية، المدرسة الوحيدة في العراق، التي تتمتع ببناية جيدة وحديثة على وفق منظور ذلك الوقت استناداً إلى ما ورد في تقرير وزارة المعارف السنوي عن سير المعارف لسنة 1928-1929، إذ اشار التقرير إلى ضرورة انشاء مدارس تتوفر فيها الشروط الضرورية لضمان نجاح تطور المسيرة التعليمية، وان تلك الشروط لم تكن متوفرة حسبما ورد في ذلك التقرير إلاَّ في الثانوية المركزية في بغداد.
مع ذلك لم تبق المدرسة على حالها، بل شهدت تطورات كثيرة، شملت اضافات جديدة لاستيعاب الاعداد المتزايدة من الطلاب، واصبحت تستوعب من ( 800 -1000 ) طالب في الاعوام 1937-1939، موزعين على اقسامها المختلفة العلمية والادبية والتجارية وما لا يقل عن الاربعين مدرساً.
كما توفر فيها مختبرات ثلاثة للفيزياء والكيمياء والاحياء، احتوت على بعض الاجهزة والمعدات من بينها التلسكوب والفانوس السحري، كما وجد داخل المدرسة مسرح كبيرة ومرسم ومطبعة رونيو بسيطة لطباعة نشرات المدرسة ومجلتها وفي المدرسة مكتبة مدرسية احتوت على كتب مهمة من جميع الاختصاصات ويعود طباعة بعضها إلى القرن التاسع عشر، اقدمها كتاب (نار القرار في شرح جوف الفرا) لنصيف اليازجي المطبوع في بيروت سنة 1889، ومخطوطات نادرة من بينها (مخطوطة الحاشية الخطاي) التي تعني باللغة وعدد اخر من المخطوطات والمؤلفات المطبوعة بلغات مختلفة كالعبرية والكردية والانكليزية والتركية والفرنسية والالمانية.
ذلك التوسع والتطور الذي حصل في المدرسة الثانوية المركزية، جعلها مقياساً لتطور التعليم الثانوي في العراق وعد بداية تأسيس المدرسة الثانوية هو البداية الحقيقية للتعليم الثانوي وذلك ما أكده التقرير الذي قدمته لجنة (مونرو) حين تولت دراسة واقع التعليم في العراق للمدة بين عامي 1919-1932 باسم لجنة (الكشف التهذيبي)، إذ خصصت الفصل الثامن منه للتعليم المتوسط والثانوي، واول ما أكدته هو انها وجدت أَنَّ عام 1919، يمكن أَنَّ يكون بداية منطقية ومقبولة لمولد التعليم الثانوي العام في العراق، لان تلك السنة شهدت افتتاح صفوف ثانوية في كل من بغداد والموصل، مدة الدراسة فيها اربع سنوات، تدرس فيها مختلف المواضيع العلمية، والصف الاخير لم يتكون إلاَّ في مدرسة واحدة هي الثانوية المركزية في بغداد.