أكثر من 269 حزباً عراقياً سيشارك في الانتخابات المحلية العراقية المقررة إقامتها في ديسمبر (كانون الأول) المقبل، لإعادة الحياة إلى مجالس المحافظات العراقية التي جمدها البرلمان العراقي نهاية عام 2019 عقب “احتجاجات تشرين” من العام نفسه.
وأعلنت مفوضية الانتخابات في العراق عن تسجيل 269 حزباً للمشاركة في الانتخابات المحلية، مشيرة الى أن هناك 76 حزباً آخر قيد التسجيل والتأسيس، وليس من المتوقع أن تشترك كل الأحزاب المسجلة.
وكانت الحكومة العراقية قد أعلنت عن إرجاء موعد انتخابات مجالس المحافظات من نوفمبر (تشرين الثاني) الذي سبق أن حددته، إلى 18 ديسمبر، بعد 10 سنوات من إجرائها آخر مرة في أبريل (نيسان) 2013.
وعلى رغم الأعداد الكبيرة للأحزاب التي تقدمت للمشاركة في الانتخابات المحلية، إلا أن عدم إعلان التيار الصدري المشاركة فيها بالتزامن مع دعوات من العديد من ممثلي احتجاجات تشرين بمقاطعتها، سيعني بشكل واضح ومباشر أن نتائج هذه الانتخابات لن تحل الأزمة بين التيار الصدري وبقية الأطراف الشيعية في الإطار التنسيقي، وقد تسفر عن أزمات جديدة مطلع العام المقبل.
ومن الواضح أن أنصار التيار الصدري وغيرهم من شرائح واسعة من المجتمع العراقي، غير متفاعلة مع الدعوات للمشاركة في الانتخابات المحلية، على رغم محاولة حكومة محمد شياع السوداني إعطاء أمل للشارع العراقي بالتغييرات الإيجابية المقبلة في مختلف المجالات خلال المرحلة المقبلة، خصوصاً بعد إقرار موازنة ثلاثية للمرة الأولى في تاريخ الدولة العراقية.
ويمثل العدد الكبير من الأحزاب الذي تقدم للمشاركة في الانتخابات المحلية، إشارة واضحة عن المنافسة الكبيرة المتوقع حدوثها في الحصول على عضوية مجالس المحافظات العراقية، التي تمثل السلطات المحلية في العراق بموجب الدستور، لكنها وبحسب متابعين، “لا تحظى بدعم شعبي كبير لتاريخها السيئ في إدارة المدن العراقية، والاتهامات التي وجهت لها قبل تجميدها بالفساد وابتزاز المسؤولين المحليين وتخريب مشاريع التنمية”.
وهذا الأمر كان واضحاً في ارتفاع مستويات إنجاز مشاريع الخدمات والطرق والبلديات وغيرها بشكل أسرع من السابق عندما كانت هذه المجالس موجودة، خصوصاً في محافظات البصرة وكربلاء والأنبار ونينوى وواسط وبابل وببغداد وكركوك.
ويفترض أن تشمل الانتخابات الجديدة 15 محافظة، ضمنها محافظة كركوك المتنازع عليها بين بغداد وإقليم كردستان الذي تخوض محافظاته الثلاث (أربيل، ودهوك، والسليمانية) انتخابات محلية منفصلة عن بقية المحافظات العراقية.
ويرى مدير إحدى المؤسسات التي تعنى بإجراء الدراسات والبحوث الاستراتيجية المتعلقة بالشؤون العراقية، غازي فيصل، أن العدد الكبير من الأحزاب سيعكس حجم التنافس في الانتخابات المحلية، فيما شدد على أهمية مشاركة التيار الصدري فيها.
وقال إن “عدد الأحزاب الكبير الذي تجاوز 269 حزباً مسجلاً بمفوضية الانتخابات للتنافس على مقاعد الانتخابات المحلية في المحافظات العراقية، يعكس طبيعة التنوع الواسع للأفكار والاتجاهات السياسية، وعدم وجود تيارات أيديولوجية وفكرية سياسية واقتصادية تتجمع حولها هذه الأحزاب منذ 20 عاماً”، مبيناً أن هذا الأمر يؤدي إلى نوع من هشاشة هذه الأحزاب وعدم قدرتها على تحقيق الفوز المهم بغالبية مقاعد المجالس المحلية في هذه المحافظات”.
وأوضح فيصل أنه من الصعب التكهن من قبل المراقبين لما ستؤول عليه الأمور، وطبيعة اتجاهات الناخب العراقي، وهل سيقاطع بنسب كبيرة تصل إلى 80 في المئة كما حدث في الانتخابات التشريعية السابقة وغيرها، لافتاً إلى أنه بالإمكان تغيير هذه السلبية نحو المشاركة الواسعة الجدية لتحقيق التغيير وتبديل الأحزاب التي يعتقد الناخب أنها تمثل أفكاره وسياساته ومشاريعه وبرامجه، وفرصة لمواجهة التحديات الاقتصادية والسياسية والزراعية والصحية.
وأضاف فيصل أن جميع هذه الأحزاب لم تقدم أفكاراً تتناسب وأفكار الناخبين، وربما ستطرح أشخاصاً يمثلون عشائر وفئات اجتماعية ودينية لاستقطاب أصوات الناخبين، مؤكداً أنه من المبكر أن يتم طرح توقعات من دون قراءة علمية لطبيعة الأحزاب المشاركة من خلال برامجها الواقعية أو الأيديولوجية على مختلف الصعد.
وعن عدم مشاركة التيار الصدري وتأثيره في الانتخابات المحلية، قال فيصل إن “للتيار ثقلاً مهماً في الحياة السياسية عموماً، فقد حاز على أعلى الأصوات في الانتخابات البرلمانية الأخيرة بفوزه بغالبية 73 مقعداً تشكل غالبية مهمة في البرلمان، وله شعبية مهمة في أوساط الطبقات الفقيرة والعمالية والفلاحية والعاطلين من العمل، وهذا الالتفاف من قبل هذه الطبقات والجماهير حول قيادة التيار الصدري يعطيه قوة حقيقية بسبب السياسات المتخلفة للحكومات المتعاقبة، الأمر الذي يزيد من فرص التيار الصدري لاستقطاب هذه الأصوات وفي الوقت نفسه تقديم برامج تلبي الطبقات المسحوقة في المجتمع العراقي”.
ويرى الشارع العراقي أن العديد من الأحزاب التي قدمت للمشاركة في الانتخابات، واجهات لأحزاب عراقية تقليدية تحاول الحصول على أصوات إضافية، وتشتيت أصوات المستقلين والأحزاب الصغيرة، خصوصاً أن القانون الانتخابي حوّل المحافظة إلى دائرة واحدة.
ويعتبر أستاذ العلوم السياسية في إحدى الجامعات عصام الفيلي، أن زيادة عدد الأحزاب حالة غير صحية كونها ستؤدي إلى تشتيت الأصوات لا سيما داخل المكون الواحد، فيما أشار إلى أن بعض الأحزاب واجهة لأحزاب تقليدية كبيرة، تدخل في ائتلافات مستقبلية في ما بينها للاستحواذ على مقاعد مجالس المحافظات.
وقال الفيلي إن “كثرتها لا تخدم أهداف القوى التي ترغب بالتغيير”، ولفت إلى أن “هذا الكم الكبير من الأحزاب يخلق إشكالية لا سيما أن باب التسجيل لا يزال مفتوحاً، وقد تذهب بعض الأحزاب في اللحظات الأخيرة إلى تشكيل ائتلافات في ما بينها قبل الشروع بالانتخابات وأحياناً بعد الانتخابات”، مبيناً أن بعض القوى السياسية التقليدية أرادت الالتفاف على الشارع العراقي من خلال الدخول بقوائم وعناوين جديدة، وهو جزء من استراتيجية اختطاف الأصوات بعناوين جديدة.
واعتبر أن إقرار قانون “سانت ليغو يلغي الأصوات، لكون بعض القوى السياسية لا تؤمن بعملية التمثيل الحقيقي، ولهذا ابتعدت من الدوائر المتعددة.
وبين الفيلي أن القوى السياسية تعيش في صراع الوصول إلى السلطة أو الحفاظ على بقائها من خلال عدم تفعيل عدد من الملفات التي تؤدي بالقضاء على مستقبلها السياسي.
وعن مشاركة التيار الصدري، بين الفيلي أن “هناك رأياً يقول إن التيار الصدري سيدخل في ثلاث قوائم، وآخر يؤكد عدم خوضه الانتخابات وإنما سيدعم بعض الجهات، إلا أن الأمر الأخير هو للسيد مقتدى الصدر”، لكنه يرى أنه “كلما ابتعد التيار الصدري من المشهد السياسي خلق إرباكاً في طبيعة أوزان القوى في مجالس المحافظات أو البرلمان لأننا نفقد قوة جماهيرية فاعلة”.