الأهوار العراقية على لائحة التراث العالمي

الأهوار العراقية على لائحة التراث العالمي

الأهوار، تلك المستنقعات المائية التي تزخر بنباتات القصب والبردي، تُعتبر محيطًا مثاليًا لتكاثر وتربية الأسماك والطيور. تمثل هذه الأهوار بيئة سياحية رائعة ومكانًا مفضلًا للاستجمام، بالإضافة إلى أنها تُعد مصدرًا اقتصاديًا ذا أهمية كبيرة.

تعود جذور تشكل الأهوار إلى فترة تزيد عن خمسة آلاف سنة، حيث يُشكل مصطلح “الأهوار” جمعًا لكلمة “هور”، والتي تشير إلى المنخفضات في الأرض التي تتجمع فيها الفائض من مياه الأنهار والترع والمبازل، وتُكوِّن بحيرات ذات أعماق متنوعة، متصلة ببعضها عبر قنوات تُعرف بمصطلح “الكواهين” في اللهجة الأهوارية والعرف المحلي.

الـ(كاهن)، أو الممرات المائية المعروفة بالـ(كواهين)، تشكل الطرق الرئيسية التي يتجول فيها سكان الأهوار بين قراهم. تُستخدم هذه الكواهين كمسارات مائية للاتصال بين القرى الأهوارية والأرياف المجاورة، وتمتد بعد ذلك إلى القصبات والمدن الصغيرة لتوفير احتياجاتهم من الطعام والملابس. تظهر هذه الكواهين بشكل واضح بين الغابات المحيطة بها، حيث يكون قاعها نسبيًا عميقًا ولا ينبت فيها القصب والبردي نظرًا لعمقها، مما يميزها بوضوح في المنطقة.

تسمية الاهوار

تعتبر التسمية للأهوار متنوعة وتاريخية، حيث ترجع بعضها إلى المصطلحات المندائية، حيث تعبر كلمة “هور” عن البياض. في الفارسية، كانت كلمة “هور” تشير إلى النجم الساطع، وكانت تستخدم في الفترة الفارسية قبل الإسلام. يشير تسمية الأهوار بالبياضة في اللهجة المحلية إلى أن بلاد سومر هي الأرض الساطعة. تعني الكلمة السومرية “هور” التل، ويظهر تأثيرها في أسماء المدن السومرية المحيطة بالأهوار. تاريخياً، ظهرت نباتات القصب والبردي في الألواح السومرية والأكدية والبابلية، وتم الإشارة إليها في ملحمة جلجامش. كانت الأهوار تعرف أيضاً باسم البطائح في العهود التاريخية القديمة، وربما يُشير اسم “الحمّار” إلى ناحية البطائح في تاريخ المنطقة.

أصل سكان الأهوار

يعتبر هنري فيلد أن سكان الأهوار هم النسل المباشر للسومريين الذين عاشوا في العراق لآلاف السنين، بينما يُرى من خلال تفسير هنري فرنكفورت أن المنطقة كانت مأهولة منذ الألفين الخامس والرابع قبل الميلاد. تتباين الآراء حول أصل سكان الأهوار، ولكن يتفق معظم المؤرخين على أن الإنسان استوطن أرض العراق بين دجلة والفرات منذ الآف السنين.

في الفترة الزمنية الممتدة على مر العصور، تطورت المنطقة بوجود السكان، حيث استخدموا القصب والبردي لبناء بيوتهم. في القرن الثلاثين قبل الميلاد، تعرضت المنطقة لفيضانات شاملة، إلا أن السكان تمكنوا من بناء حضارتهم بالرغم من هذه التحديات. عبر العصور، تأثرت المنطقة بالغزوات والتغييرات، ولكن تاريخ الأهوار يظل ضارباً في عمق التاريخ. الغالبية من سكانها ينتمون إلى قبائل هاجرت من الجزيرة العربية، واستقروا في هذه المناطق، حيث اعتمدوا على رعاية الجاموس والزراعة وصيد الأسماك والطيور كوسائل للعيش.

نشوء الأهوار:

تاريخ الأهوار يعود إلى القدم، حيث اعتقد معظم المؤرخين أن نشوءها قديم وارتفعت فيها معابدها وزقوراتها، وشُيدت فيها الدور والقصور. ومن جهة أخرى، يرى قسم آخر من المؤرخين أن عمر الأهوار يتناسب مع تاريخ نشوء نهري دجلة والفرات. كما أنه بفضل معرفة قريبة بتلك الأهوار وطبيعة تكونها واتساعها، وبفهم تام للعشائر والقبائل العربية التي استوطنتها، يُظهر ذلك الشاعر والدكتور مصطفى جمال الدين. يُشير الى أن هور الحمار كان يُطلق عليه قديمًا اسم “البطائح”، وهي المناطق المحيطة بنهر الفرات والمنخفضة قليلاً عنه، حيث حدث لها تأثير في ظروف خاصة، مثل زلزال أو جرف نهري، مما أدى إلى تسعير هذه الأماكن المنخفضة وتشكيل الهور.

نشوء هور الحمّار

هور الحمّار، يتألف من مصدرين رئيسيين، الأول هو نهر الفرات والثاني هو فرع نهر دجلة المتفرع من الكوت، ويتشعب على مدى أكثر من عشرين فرعًا، منها فروع مهمة مثل “كرمة حسن” و”الحفار” و”أم نخلة” و”أم بني سعيد”. هذه الفروع تنساب جميعًا إلى هور الحمّار عند ناحية “الطار”، وتضيق هناك الممرات المائية وتتدفق إلى الهور.

فيما يتعلق بفرع دجلة، المعروف بـ “الغراف”، ينفصل عن الكوت ويروي أراضي “الحي” و”قلعة سكر” و”الرفاعي” و”الشطرة” قبل أن يصل إلى “زايزة” بناحية “الفهود” ويندمج في هور الحمّار. المياه من دجلة والفرات تتدفق معًا، وعندما تصل إلى هذا الهور، تشكل الجمع بينهما مياهًا جارية تتسع عبر حوض النهر. الأقرب إلى الوقت الحالي يرجح أن تاريخ هور الحمّار يعود إلى حوالى عام 6000 قبل الميلاد.

الهور ليس بحيرة راكدة، بل مياهه تتدفق في نطاق واسع من الشمال إلى الجنوب لأكثر من 50 كيلومتراً، حيث يلتقي بنهر دجلة في قضاء القرنة، ومن ثم ينبثق منهما نهر شط العرب في محافظة البصرة. يُعرف هذا الهور محلياً باسم “برقة الحمّار”، ويتميز ببريق الشمس على أمواجه، وتشير التسمية إلى عمقه الذي لا يسمح بنمو النباتات، وهو يشكل مساحة واسعة في محافظة الناصرية، بطول يتجاوز 50 كيلومترًا وعرض يزيد عن 20 كيلومترًا.

الجذور التاريخية للمنطقة :

الأهوار، رمز تاريخي مرتبط بحضارات البلاد القديمة مثل حضارة سومر وأور، وأدوات صيد الأسماك تظهر في منقوشات تلك الحضارات. شهدت الأهوار تشكيل سلاطين وإمارات، كما أظهرت حالة الرفض للسلطات الحاكمة قبل وبعد عمليات التجفيف.

تحيط الأهوار بتضاريس ترتفع تدريجيًا نحو الشمال الشرقي والشمال الغربي، وهي محاطة بأراض ترتفع من الجنوب، مما ساهم في الحفاظ على وجودها عبر العصور. الجذور التاريخية للأهوار لا تحدد بسنة أو عقد محدد، بل تمتد عبر تاريخ حضارات عديدة.

تشكل الأهوار مصدرًا للفخر لأهل وادي الرافدين، حيث يعتبرونها جوهرة طبيعية تبرز تراثهم الغني. بعد عملية التجفيف، اكتشفت قطعًا أثرية تعود لعدة قرون، توضح أثر الدور السكنية السومرية.

مع ذلك، بعد التجفيف، عجز المؤرخون عن تسجيل تاريخ الأهوار وعراقتها بشكل مفصل، ما جعل هذه الحضارة الغنية تعيش في إهمال واستهداف، نتيجة لغياب الوعي والثقافة، وأيضًا جهل الحكومة في فترة ما قبل عام 2003.

في التسعينات، اكتشف الأهالي في منطقة الجزيرة آثارًا قيمة وتحفًا تعود لتراثهم، وكانت تلك الآثار غالبًا تُباع للقنصليات الدبلوماسية أو تهرب إلى خارج البلاد عبر سماسرة وتجار. وفي نهاية التسعينات، عُثر على مجموعة من الأدوات المنزلية الفخارية والصدف والنحاس تعود تاريخها إلى 400 سنة قبل الميلاد، مما يشير إلى أن هذه المنطقة كانت مركزًا حيويًا في حقبة الحضارة السومرية.

توثق المصادر التاريخية لحياة الأنبياء وجودهم في تراب وادي الرافدين، وتكون ولاداتهم وقبورهم شاهدًا على تاريخ العراق الحضاري. في الوقت الحالي، يتعرض تراث العراق لتهديد من قبل اللصوص والمتنفذين، حيث يتم تهريبه إلى الأسواق العالمية مقابل أموال. يجب أن يكون من يعتني بهذا الأرث هو أهل البلاد، والمتنفذون واللصوص لا يستحقون الاستمرار في هذه الحالة. ومع زوال الحكومات الطغاة، سيظل العراق قائمًا، وستعود حضارته وتراثه لتشكل جزءًا لامعًا في التراث الثقافي العالمي.

اترك تعليقك


لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *