أثناء تحضيري لهذا التحقيق حول الساعات القديمة وأقدم مصنعيها، قررت أولًا لقاء السيد ناجي جواد الساعاتي، الباحث المشهور، لاستقاء رؤية تاريخية حول بدايات صناعة الساعات في العراق. يُشار إلى أن الساعاتي قام بتأليف العديد من الكتب، من بينها كتاب “قصة الوقت”.
يركز هذا اللقاء على تسليط الضوء على الفترات الزمنية البعيدة وكيف تطورت صناعة الساعات في تاريخ العراق، حيث يتوقع أن يقدم الساعاتي رؤية عميقة واستنادًا إلى أبحاثه الواسعة في هذا المجال.
إلى جانب ممارسته لفن تصليح الساعات منذ صغره، أهدى السيد ناجي جواد الساعاتي، الباحث البارع، مجموعة واسعة تضم أكثر من مائة ساعة قديمة بأنواع مختلفة إلى المتحف البغدادي قبل خمسة عشر عامًا، كعلامة على حبه وولاءه لمدينته بغداد. خلال لقائنا به، طلبنا منه إلقاء نظرة على بدايات صناعة الساعات في العراق، حيث كشف لنا عن أن أول ساعة تم تقديمها من العراق كهدية إلى شارلمان ملك الأفرنج في زمن الخليفة هارون الرشيد كانت ساعة مائية بتصميم مبتكر يقاس الوقت من خلال ارتفاع الماء. كما ذكر الحاج ابراهيم الحاج جواد الساعاتي، شقيقه، أنهما ورثا هذه المهنة من والدهما منذ طفولتهما، حيث كانوا يساعدون والدهما في تصليح الساعات في سوق الخفافين، الذي كان يُعرف أيضًا بسوق الساعجية.
في تلك الفترة، كانت الساعات تتنوع بين أنواع عديدة، مثل “أم الطمغة” أو “سركيسوف” القسطنطينية، و”أم الجيب”، بجانب ساعات مشهورة مثل “قبطان” و”لونجين” و”أم الانكر” و”زينث”. يعود تاريخ ممارسة فن تصليح الساعات لهذا الفنان إلى تسعين عامًا، وهو مستمر حتى اليوم. وفيما يتعلق بأسعار التصليح في ذلك الوقت، كانت تتراوح بين “بيشلغ” (درهم) ثم تطورت إلى الربية، وكانت أسعار التصليح حينها تعادل 75 فلسًا أو ربيتين. وتعلم الساعاتي أيضًا فن تصليح الكراموفون بعد دخول الأسطوانات إلى العراق، مما أدى إلى ترك تصليح الساعات. كما كان يرتادهم الفنانون مثل محمد القبانجي ورشيد القندرجي وحسن خيوكة. ولا يزالون يذكرون عظمة الساعاتيين مثل عمي لطيف وأخي كاظم اللذين كانوا مشهورين في هذا المجال، وكانت الأسطة الخاصة بـ “حسين بن جعفر” تعد واحدة من أهم الورش في بغداد، خاصة في أيام العصملي.
تحدث شيخ المصلحين عن مستوى مهارة ودقة التصليح لدى الساعاتيين الحاليين، حيث أشار إلى أن عمله الحالي مقتصر على تصليح الساعات الكبيرة بسبب تقدمه في السن وندرة مواد التصليح. أكد أن الساعاتيين في الوقت الحالي أقل مهارة وصدقًا في القول والعمل، وأن صاحب الساعة كان يستفسر في السابق عن أخلاق الساعجي للتأكد من دقة التصليح. كان سعر الساعة في تلك الأيام يتراوح بين ليرتين و30 ربية.
ثم نقل الحديث إلى مصلح آخر يُدعى الحاج فاضل جودي مصطفى، الذي شارك تجربته في مجال تصليح الساعات منذ عام 1936. ذكر أنه كان يعمل مع شخص يُدعى أبو داود ثم انتقل للعمل مع يوسف إبراهيم بان، الذي كان مسؤولًا عن استيراد الساعات إلى العراق. تحدث عن الأسعار في ذلك الوقت، حيث كان سعر الزمبلك لا يتجاوز عشرة فلوس.
وفي نهاية المقابلة، شارك الساعاتي ذكرياته الطريفة، مثل تجربته في تصليح ساعة تُركت له بالكيس مليئة بالحجارة، وكيف قام الشاعر عبد الرحمن البناء بأداء قصيدة له بخصوص تصليح ساعته. أخذ هذا المحترف العظيم دورًا مهمًا في تاريخ بغداد، خاصة بإنتاجه لساعة الإمام الأعظم في عهد الملك فيصل الأول في العشرينيات، واستقباله شخصيات أدبية وسياسية بارزة مثل الملا عبود الكرخي ومعروف الرصافي والقبانجي.