في الحفلات الزفاف لدى البغداديين، كانت الطقوس والتقاليد تتجسد في أوجه متعددة، حيث كانت الأغاني تمزج بشكل رائع مع أصوات المغنين والزغاريد التي تعلوها النسوة. كانت الأزقة تعج بفرح وحيوية، حيث يشارك أصدقاء العريس ومعارفه في موكب الزفة. وكما يتهادى الموكب في الأزقة، تظهر النسوة من خلال شرفات الشناشيل، يطلقن الزغاريد احتفاءً بالعروس والعريس في محلتهم.
على إيقاع المربع البغدادي، يتألق موكب الزفاف بتنوع الأصوات والغناء، حيث يزينون الزفافة ويرتسمون بأناقة، حاملين الفوانيس والشموع، مرتدين الدميري والزبون الشعري والبتّه، بألوانها السبع وزند العبد، وشماغ أبو اللوزة. ومن بين أنغامهم البغدادية، يتردد الطرب بأغانٍ مثل “ورد الذي بوجناتك”، حيث ينسجون قصائد يعبرون فيها عن فرحهم وجمال اللحظة، يُجسدون في كلماتهم رونقاً يعكس ذاكرة فريدة للحب والاحتفال بالزواج.
من العادات والتقاليد المتجذرة، يشارك أبناء المحلة البغدادية بفرحة الحفلات، بغض النظر عن مناسبتها أو مدى استمرارها. يظهر جيران المحلة البغدادية بسرعة للمشاركة في احتفالات زفاف أحد أبناء المحلة، حيث يتخذ أهل العريس التدابير الضرورية لاستقبال الضيوف الذين يأتون دون دعوة. تنتشر الفرحة بين الدواشك والمخاديد، وترتفع إيقاعات الدنابك، مع تحليق أصوات أهل الطرب والغناء في الجو.
تتنوع مدى استمرار الحفلات في تقاليدهم، حيث قد تمتد بعضها لثلاثة أيام وأخرى لعشرة، وربما تستمر بعضها حتى أربعين يومًا، وفقًا لسرور المضيف. في أيام زمان، كانت زفافات العرائس تقام غالبًا يومي الخميس أو الاثنين. وعندما تجهز العروس من قبل الماشطة، يسير أمامها طفل يحمل شمعة كبيرة وآخر يحمل مرآة. وفي إحدى طقوسهم، يعبرون عن التفاؤل عند حمل الشمعة، يرددون: “عروسة للحبايب زافيها”. ووفقًا للاعتقاد البغدادي، يُعتبر إضاءة الشمعة أمام العروس خطوة تجلب السعادة لمستقبلها، وفي لحظة الزفاف، كانوا يضعون برقعًا بركعًا أبيضًا على وجه العروس.
قبل دخول العروس إلى منزل الزوج، يتم تنظيم تقليد خاص حيث تدوس على كيس يحتوي على نقود، ثم تضع قدمًا واحدة في طاسة ماء. يعتقد البغداديون أن هذا الفعل يشكل رمزًا للرخاء والتفاؤل، يُبشر بسعادة العروس في حياتها الزوجية. ومن بين عاداتهم الجميلة، يقوم أحد النساء السعيدات في حفل زواجها بتلوين يد العروس، وبعد ذلك، يتردد خلال مراسم الزفاف أغانٍ تعبر عن الفرح والتمتع بلحظة الزواج، حيث يُرددون: “الراح راح والحب مضه، خلي السلام يدوم، راح ومضه لا تذكر اللي مضه”.