ارتداء اليشماغ سمة بارزة وهوية تراثية معروفة في مدن جنوب العراق، ويحظى من يلبسه بمكانة اجتماعية مهمة، ويعطي تأثيرا سحريا وكبيرا في الحياة اليومية العامة لدى السكان الذين يرون في من يرتديه أنه يمتلك السلطة والهيبة والوقار.
هو لباس شعبي، وعادة يكون ذا لون أبيض مطرز بدوائر سوداء متشابكة، عرفه العراقيون في الجنوب منذ القدم، يرتديه الناس على نحو واسع في بلاد وادي الرافدين في السابق والحالي، وقد أخذ أشكالا وألواناً مختلفة، كما أنه استهوى شيوخ القبائل لارتدائه ليمنحهم بصمة وتأثيرا في مجتمعاتهم.
السومري
تاريخيا بحسب ما يذكره الباحثون -ولم يؤكده منقبو الآثار- يعتبر السومريون أول من ابتكره، وأعد الكهنة نقوشه السود تعويذة حيث كانوا يضعون على رؤوسهم وفوق القماش الأبيض الذي يغطيهم شبكة سوداء مصنوعة من صوف الأغنام كشبكة صيد السمك لترمز لموسم الخير والتكاثر.
وكان لهذه الشبكة مفاهيم خاصة تتعلق بطرد الأرواح الشريرة، وما يثبت ذلك التماثيل العديدة للحاكم السومري كوديا (2146 _2122 ق.م) كأول حاكم ارتدى اليشماغ قطعة واحدة.
وتذكر قواميس اللغة المسمارية أن أصل كلمة يشماغ مكونة من مقطعين في اللغة السومرية من (آش ماخ) وتعني غطاء رأس عظيم أو (آش ساخ) أي غطاء الكاهن العظيم.
مر بمراحل كثيرة ليصل إلى ما هو عليه اليوم، فكان الناس الذين يرتدونه في السابق بلون أبيض ودوائر سوداء متوسطة الحجم، وفي الغالب يكون بالأبيض والأسود، ويوضع فوقه العقال بعد ترتيبه بشكل يشبه المثلث، ويكون بهذه الحالة في المناسبات الاجتماعية أو مجلس العشيرة.
وفي الوقت الحالي، يختلف مع بروز اللون الأبيض والدوائر الحمراء الصغيرة والقريبة على التشابك، إضافة للسوداء، وفي حالة الحرب أو الخلاف أو الحزن يتم نزع العقال لكي يلثم الرجل نفسه باليشماغ ليظهر الحالة التي يكون فيها.
وتمكن اليشماغ من الصمود منذ تلك الفترة إلى وقتنا الحالي لمزاياه الوظيفية كالحماية من أشعة الشمس والبرد القارس ليلاً في البيئات الصحراوية وحماية الوجه من الغبار عند وضعه كلثام، وبقي أيضاً لمزاياه الجمالية ليكون علامة مميزة في ثياب العرب.
التأثير الاجتماعي
اليشماغ هو الزي العربي السائد في جنوب العراق، على عكس مناطق الغرب حيث يرتدون الغترة البيضاء، وفق ما قاله شيخ قبيلة الدبات عبد الأمير الدبي للجزيرة نت.
ويؤكد الدبي أن اليشماغ يمثل الزي الرئيسي لشيخ القبيلة وأفرادها، وهو في الحقيقة لباس سومري ولايزال يمثل الأصالة ويمثل رمز الريف العراقي.
وله قيمة تاريخية وحضارية، وتعد رمزاً للرجولة والأناقة قديماً وحاضراً، ومنذ مئات السنين وإلى الآن يرتديه زعماء القبائل والأمراء والرؤساء وحتى البسطاء وكل سكان الريف والمدن أيضا، بحسب ما يؤكده وليد الطائي من مواطني محافظة ذي قار وعاشق لارتداء اليشماغ والزي العربي.
ويؤكد الطائي أن اليشماغ يرتديه الكثير من رجال القبيلة على نحو واسع، والشباب اليوم بدأ يتمسك بهذه القيمة التراثية حيث نشاهد حضوره بالمسلسلات العربية والخليجية.
ويرتبط لبسه مع العقال، ولكن يتم التنازل عن الأخير ويبقى اليشماغ فقط في مناسبات الحزن دلالة على الفقد واللوعة، كما يقول المواطن أسعد المطيري للجزيرة نت.
ويضيف المطيري أن لليشماغ فوائد منها أنه يمنح من يرتديه الهيبة والاحترام ويقيد حديث وتعامل الشاب قياسا بشاب آخر لا يرتديه، ولا يتنازل الرجل عنه ويرتديه حتى في بيته، ولا ينام إلا وهو يلف رأسه به.
وفي ترتيب الجلوس في المجالس -يؤكد المطيري- يقدم الشخص الذي يلبس اليشماغ في الدخول إلى المجلس أو إلى المضيف وكذلك في مكانه وتصدره المجلس.
تجارة اليشماغ
وقبل أكثر من 15 عاماً كان أغلب التجار في جنوب العراق يشترون اليشماغ من مدينة كربلاء التي كانت تحتوي على معمل لصناعته، حيث اشتهر بالمتانة والقوة، وشهد إقبالا واسعا، قبل أن يتوقف بعد عام 2003، لتدخل البضاعة الأجنبية لتجارة اليشماغ على حد قول جواد كاظم تاجر قماش من محافظة ذي قار.
ويضيف كاظم -خلال حديث مع الجزيرة نت- أن اليشماغ الحالي بالأسواق من الصناعة السورية والصينية، لكن الأكثر طلباً ورغبة هو المنتج السوري، وتتراوح أسعاره ما بين عشرة آلاف دينار عراقي (سبعة دولارات) وحتى مئة ألف دينار (تسعين دولارا).
ولا يوجد هناك عمر محدد لمن يشتري اليشماغ -بحسب كاظم- فهناك شباب وكبار بالسن وهناك فتيان أيضا يرغبون بلبسه بشكل مستمر، وتختلف الأحجام وطريقة اللبس بحسب طول وقصر الشخص، كما شهد في الآونة الأخيرة إقبالا لافتا على ارتدائه.