أول من فكر في إنشاء ملجأ في بغداد لاستضافة الأيتام المحتاجين كان عبد الحميد صالح بابان، وهو أحد موظفي دائرة الطابو في بغداد. قدم فكرته لبعض أصدقائه، الذين رحبوا بها وأبدوا استعدادهم لدعمه والمساهمة في تحويل المشروع إلى واقع عملي. شاركوا بجهود كبيرة في وضع النظام الأساسي لتأسيس ما أطلقوا عليه “الجمعية الخيرية الإسلامية”، وكان من بين هؤلاء عبد الله العبايجي.
عبد القادر التكرلي والنائب توفيق المختار، الذي شغل منصب مدير ناحية في عدة جهات من مناطق العراق، قاموا بتقديم طلب رسمي لتأسيس جمعية خيرية في 31 أغسطس 1921. بعد ثلاثة أشهر، رُد الطلب بأن البلدية تعتبر مساعدة الفقراء من اختصاصها، وبالتالي ينبغي للجمعية أن تكون مشتركة مع الأعمال الخيرية للبلدية وتحت إشرافها. وبعد هذا الرفض، اقترح عبد الله العبايجي على زملائه اللجوء إلى السياسي المخضرم سليمان فيضي، الذي وافق على دعم فكرتهم. قاموا بجمع تبرعات من المسؤولين والمحامين، وقدموا مساهماتهم الشهرية لصندوق الجمعية.
في مذكراته، يقول سليمان فيضي إن نجاح المشروع شجعه على توسيع نطاق الحملة. قام بنشر بيان في الصحف ومنشور يدوي تم توزيعه في جميع أنحاء العراق، ولم يمر سوى أيام قليلة حتى هطلت التبرعات من كل مكان. ووصلت مئات الرسائل من الألوية (المحافظات) تطلب الانضمام إلى الجمعية وتقديم اشتراكاتهم الشهرية لصندوقها. دعمت الصحف المحلية الجمعية بنشر بياناتها وقوائم التبرعات، بما في ذلك صحيفة “لسان العرب” لإبراهيم حلمي العمر وصحيفة “الاستقلال” لعبد الغفور البدري وصحيفة “العراق” لرزوق غنام. كما قدمت الطوائف غير المسلحة دعمها، حيث دعا مطران السريان في بغداد وحاخام اليهود أتباعهم للمساهمة في المشروع. وفي إطار هذا النجاح، دعا جلالة الملك فيصل الأول سليمان فيضي للقاء واستفسر عن نجاح الجمعية. ثم وجه اللوم لنفسه على عدم إطلاعه على الجمعية في بداية تأسيسها. أعرب جلالته عن رغبته الثابتة في دعمها ووضعها تحت رعايته. ساهم أيضًا بتبرع بالف ربية لتأسيسها وأصدر أوامر لإنشاء مدرسة للأيتام وبراتب شهري لصندوق الجمعية. كما أمر موظفي البلاط بالمساهمة وطلب من جميع الوزراء تشجيع موظفيهم على التبرع بنسبة معينة من رواتبهم، وقد أقدم موظفو الحكومة على المساهمة بسخاء.
بعد تجميع الأموال واستئجار دار واسعة في جانب الكرخ، قُدمت بالأثاث والفرش، وأُدخل عدد كبير من الأيتام، حيث تمت رعايتهم وتوفير احتياجاتهم بما في ذلك الملابس. وعندما أصبح الميتم ضيقًا لطلابه، انضمت بعض الشخصيات المعروفة إلى الهيئة الإدارية، مثل عبد اللطيف المدلل، والشيخ أحمد الظاهر، وقاسم العلوي، وعبد الرزاق منير. قامت هذه اللجنة، برئاسة سليمان فيضي، بزيارة إلى سماحة حجة الإسلام الشيخ مهدي الخالصي في مدينة الكاظمية، وجلبت معها عشرة طلاب من الميتم. أعجب الشيخ بنظافتهم ونظامهم وأخلاقهم، وشكر الجمعية على جهودها. وعد بتشجيع الناس على دعمها ورحب بأن يصبح ابنه الشيخ محمد الخالصي عضوًا في هيئة إدارة الجمعية.
عينت الجمعية في 6 يناير 1922 موعدًا لافتتاح الميتم، حيث ازدانت ساحة الدار وشرفتها بالمدعوين، برئاسة فهمي المدرس، رئيس الديوان الملكي مندوبًا عن الملك فيصل الأول، والسيد محمود النقيب نيابة عن والده رئيس الوزراء آنذاك. افتتحت الحفلة بتلاوة من القرآن الكريم عن طريق قاسم البزركان، الطالب بمدرسة التفيض. ثم تلاهم الخطباء والشعراء في قدومهم بخطبهم وقصائدهم، من بينهم الشيخ محمد مهدي البصير وعطا أمين والشاعر معروف الرصافي وعبد الرحمن البنا وتوفيق المختار وسليمان فيضي. بعد ذلك، قدمت ابنة سليمان فيضي سوارين من الذهب تبرعًا للأيتام. تم وضع السوارين للمزايدة، وبدأت بمبلغ عشر روبيات وانتهت بمبلغ 4550 روبية، شارك فيها مندوب الملك فيصل الأول الأستاذ فهمي المدرس بتبرع يمثل الملك. أُجريت انتخابات الهيئة الإدارية قبل نهاية الحفل، حيث فاز سليمان فيضي والحاج محمد جعفر أبو التمن والشيخ أحمد الظاهر والحاج نجم المدرس وعبد الرزاق منير والشيخ محمد الخالصي. توجهت الصحف البغدادية في صباح اليوم التالي إلى هذا الحفل الرائع، وبلغت أخباره الأفراد الذين هرعوا بسخاء للمساهمة. دخلت طفلة صغيرة إلى مكتب الجمعية، قدمت روبية قائلة إنها جمعتها من يوميتها. ساهمت النساء العراقيات بشكل فاعل في المشروع بالاشتراك الدائم وإرسال الملابس والبطانيات. أدي الأطباء دورًا مهمًا في خدمة الجمعية بتقديم خدماتهم مجانًا. بفضل هذا النجاح، انتقلت المؤسسة إلى بناء كبير مع حديقة واسعة في محطة الجعيفر. عين عبد اللطيف العلوي مديرًا للميتم بأمر من الملك فيصل الأول. وفي هذا السياق، عملت الإدارة على توجيه الأيتام نحو تعلم حرفة النجارة، حيث تمت إضافة درس النجارة إلى المناهج المدرسية. كانت المنتجات التي أنتجتها الجمعية تُباع بأسعار ميسورة. في ليلة الختان، شهدت جموع كبيرة من أهالي الكرخ تحيةً لهذا الحدث، حيث طافوا بالشوارع، وغنوا الأهازيج، وأسعدوا قلوب الأيتام. بعد استقالة سليمان فيضي، تم تعيين ناجي السويدي رئيسًا للجمعية. وخلال وجود سليمان فيضي في البصرة، أثناء تواجد سليمان فيضي في البصرة، بذلت الجهود المضاعفة لدعم الجمعية، حيث كان يقوم بجمع التمور والاشتراكات من البصرة والمحافظات الجنوبية، حتى من الكويت. وتمكن في إحدى المرات من الحصول على تبرع سخي بقيمة ألف روبية من الشيخ خزعل، أمير المحمرة. يظل هذا العمل النبيل الذي قام به مؤسسو الجمعية خالدًا في ذاكرة الأعمال الخيرية لهذا البلد العزيز.