على الرغم من تحقيق بعض التقدم في العلاقة التي تحكم الحكومة العراقية والولايات المتحدة الأميركية على صعيد عدة ملفات، يبدو أن ملف العقوبات الأميركية على شخصيات عراقية وفصائل مسلحة يراوح مكانه. وقال دبلوماسي عراقي في بغداد إن واشنطن رفضت الخوض في أي نقاشات مع بغداد بشأن رفع العقوبات عن عدد من الشخصيات العراقية، التي كانت وزارة الخزانة الأميركية قد فرضتها في السنوات السابقة خلال إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب.
وأشار الدبلوماسي، في حديث مع “العربي الجديد”، إلى أن أطرافاً بحكومة محمد شياع السوداني، التي شكّلها تحالف “الإطار التنسيقي” المدعوم من طهران، نهاية أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي، تحركت بالفترة الأخيرة تجاه بعض المسؤولين الأميركيين.
وكان المسؤولون الأميركيون قد زاروا العراق بالتزامن مع إجراءات البنك الفيدرالي الأميركي، مطلع يناير/ كانون الثاني الماضي، بشأن تعامل العراق بالدولار مع الجهات والمؤسسات المحظورة أميركياً، أبرزها طهران ودمشق وكيانات أخرى في المنطقة.
ولفت الدبلوماسي إلى أن السوداني كان يأمل بإقناع الأميركيين بخطأ خطوات ترامب التصعيدية السابقة ضد العراق، وضرورة رفع تلك العقوبات. وأعرب المسؤول نفسه عن اعتقاده بأن وجود عدد من الجهات التي تتزعمها شخصيات مُعاقبة أميركياً ضمن “الإطار التنسيقي”، قد يكون الدافع للحراك الحكومي الذي لم يحالفه الحظي.
وأدرجت وزارة الخزانة الأميركية بعض القيادات السياسية وقادة الفصائل المسلحة في قائمة العقوبات التي تترتب عليها حزمة واسعة من الإجراءات الأمنية والسياسية. وأبرز هؤلاء زعيم مليشيا “عصائب أهل الحق” قيس الخزعلي، رئيس “الحشد الشعبي” فالح الفياض، حسين اللامي الملقب بأبو زينب اللامي، وهو مسؤول ما يعرف بـ”أمنية الحشد”.
قيس الخزعلي وفالح الفياض من بين المدرجين على قائمة العقوبات
كما استهدفت العقوبات زعيمي مليشيا “بابليون” ريان الكلداني و”الشبك” وعد القدو، وزعيم مليشيا النجباء أكرم الكعبي. كما تضم قائمة المعاقبين زعيم حزب المؤتمر العراقي أوراس حبيب، ومحافظ صلاح الدين الأسبق أحمد الجبوري، الملقب بـ”أبو مازن”، إلى جانب قادة مليشيات أخرى مُنضوية جميعها ضمن “الحشد الشعبي”، وأخرى حصلت على مقاعد برلمانية في الانتخابات الأخيرة وبات لها حضور داخل حكومة السوداني أيضاً.
وفي هذا السياق، قال عضو بارز في “الإطار التنسيقي”، لـ”العربي الجديد”، طالباً عدم الكشف عن هويته، إن “حراك إلغاء العقوبات الأميركية على قادة فصائل وشخصيات سياسية بدأ بمبادرة من رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي، ضمن مساعيه لكسب دعم تلك الأطراف طوال سنتين من فترة حكومته”.
ولفت إلى أن الإدارة الأميركية أبلغت الكاظمي رفضها ذلك رسمياً. وأضاف أنه بعد تشكيل الحكومة الجديدة، دفعت أطراف في “الإطار التنسيقي” السوداني للتحرك باتجاه واشنطن من أجل وساطة عراقية جديدة لرفع العقوبات عن زعامات سياسية وفصائلية، فيما لم يأت أي تجاوب أميركي مع طلب السوداني.
وأشار عضو “الإطار التنسيقي” إلى أن “أحد تلك الطلبات كان خلال زيارة لوفد أميركي رفيع إلى بغداد في يناير الماضي، من أجل بحث ملف إجراءات البنك المركزي العراقي حيال ملف تعامل العراق المالي مع إيران وسورية، لكن لم يتحقق أي شيء جديد”. واعتبر أن “العقوبات قد تدفع الولايات المتحدة لإجراء آخر ضد تلك الشخصيات التي يصل عددها إلى نحو 40 شخصية عراقية”.
وتعليقاً على هذه المعلومات، قال القيادي في جماعة “عصائب أهل الحق” عائد الهلالي، لـ”العربي الجديد”، إن “حكومة السوداني تعمل على تهدئة الأوضاع بين واشنطن والفصائل المسلحة، وتتحرك من أجل رفع العقوبات الأميركية عن بعض القيادات السياسية والفصائل”. وأضاف أن “هذا الأمر ممكن، فهناك الكثير من هذه القضايا تراجعت عنها واشنطن من خلال التفاوض والتسوية”.
عائد الهلالي: هدنة الفصائل لمنح السوداني فرصة إقناع واشنطن برفع العقوبات
وأوضح الهلالي أن الرفض الأميركي لرفع العقوبات ليس قطعياً “بل هناك إمكانية لنجاح السوداني بهذه المهمة، وقد نجح في ملفات كثيرة مهمة وحساسة بالتفاوض المباشر مع الأميركيين، خصوصاً بقضية الدولار وغيرها (في فبراير/ شباط الماضي)”. وأضاف أن هدنة الفصائل المسلحة مع الجانب الأميركي (وقف استهداف المصالح الأميركية)، تأتي بهدف إعطاء المجال لحكومة السوداني للعمل على إقناع الإدارة الأميركية برفع العقوبات.
وأشار إلى أن رئيس الحكومة “نجح بفرض هذه الهدنة، والمرحلة المقبلة ستبيّن مدى قدرته على النجاح برفع العقوبات الأميركية عن القيادات السياسية والفصائل”.
بالمقابل، قال رئيس مركز التفكير السياسي إحسان الشمري، في حديث لـ”العربي الجديد”، إنه قبل تشكيل حكومة السوداني عمل الكاظمي على وساطة مع الولايات المتحدة من أجل رفع بعض العقوبات، لكن لم يكتب لها النجاح.
ولفت إلى أن محاولة حكومة السوداني رفع العقوبات الأميركية عن زعامات وفصائل مسلحة “جاءت نتيجة اتفاق ما بين السوداني والزعامات السياسية، باعتبار أن الولايات المتحدة أبدت مرونة كبيرة تجاه الحكومة المُشكّلة من قبل (الإطار) والفصائل”.
وأضاف أن “إعلان الفصائل المسلحة الهدنة كان جزءاً من دعم جهود السوداني لرفع العقوبات”. ولا يعتقد الشمري أن محاولات السوداني سيكتب لها النجاح، مُرجعاً ذلك إلى أن “واشنطن دولة مؤسسات ولا تعتمد رؤية شخصية أو تأثيرات سياسية”. ولفت إلى أن “الكونغرس (مجلس النواب) الأميركي يناقش بهذا الوقت قراراً لإدراج فصائل مسلحة وزعامات ضمن عقوبات أميركية جديدة”.